انقلاب ثمّ انتقام... سوريّون يتعرّضون لاعتداءات في تركيا

05 اغسطس 2016
صار لبعض السوريّين مصالحهم التجارية (أوزان كوز/ فرانس برس)
+ الخط -
لم يسلم سوريّون في تركيا من الانقلاب، وإن بطريقة مختلفة، بعدما استغلّ شبان أتراك انشغال قوات الأمن واعتدوا عليهم وعلى أرزاقهم

عشيّة الانقلاب الفاشل في تركيا في 15 يوليو/تموز الماضي، كان سوريّون هدفاً لشبان أتراك عمدوا إلى تكسير محالهم التجارية، ما أدى إلى خسائر مادية ومعنوية. اختلفت دوافع هؤلاء الشبان، إذ أيّد بعضهم الانقلاب، في وقت أراد آخرون الانتقام بسبب مزاحمة السوريّين لهم في سوق العمل، بالإضافة إلى رفض بعضهم وجودهم في بلادهم، خصوصاً بعد الحديث عن تجنيسهم ومنحهم جميع الحقوق على غرار المواطنين الأتراك.

وكان أتراك قد أطلقوا حملات على وسائل التواصل الاجتماعي تطالب بطرد السوريّين من بلادهم، بعد إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان عن تسهيل منح الجنسيّة التركيّة للسوريين. وشكّلت ليلة الانقلاب واليوم الذي تلاه فرصة لمهاجمة سوريّين ومحالهم التجارية في كلٍّ من أنقرة وقونيا وإسطنبول، ما أدى إلى وقوع إصابات وخسائر مالية كبيرة.

يقول مدير معهد لحفظ القرآن في أنقرة، يوسف ملا، إن مئات الشبان والمراهقين هاجموا أحياء يكثر فيها السوريون، وكسروا محالهم وأحرقوها، ما أدى إلى خسائر مادية، مقدّراً عدد المحال المتضررة بأكثر من 50، والخسائر المادية بنحو 500 ألف ليرة تركية (نحو 165 ألف دولار أميركي)، فضلاً عن ضرب عدد من السوريين.

يضيف ملا، الذي رافق الشرطة التركية خلال الكشف على المحال، أن نحو 30 شاباً استغلوا انشغال قوات الأمن بتداعيات الانقلاب، وهاجموا المحال التجارية في منطقة سيتلار، التي يوجد فيها أكثر من 70 ألف سوري، بعدما زاد عددهم، بالإضافة إلى مناطق أوندر وأولوبي وبطال غازي. يتابع أن "هؤلاء كسّروا وسرقوا وأحرقوا المحال وبعض المنازل العائدة للسوريّين".

وعن تعويض السوريّين المتضرّرين، يوضح ملا أن القائمقام في أنقرة رأى أن الأضرار ليست محددة بدقة، واكتفى بصرف ألف ليرة تركية (نحو 330 دولاراً) لكل متضرّر.

وكان لمدينة قونيا أيضاً نصيبها من أعمال التخريب والسرقة. ويربط السوري محمد برغود بين حادثة مقتل شاب تركي على يد سوري قبل نحو أسبوع من الانقلاب، وبين الاعتداءات. يقول لـ "العربي الجديد": "استغل شبان أتراك الانشغال الأمني بالانقلاب وهاجموا محال السوريين في منطقة علاء الدين ذات الغالبية السوريّة".

بدوره، يرى العامل السوري في أحد مصانع الألمنيوم في قونيا، بلال دعبول، أن "معظم الشبان الذين هاجموا محال ومنازل السوريّين يتحدّرون من منطقة باه شهير القريبة من المدينة، وقد أرادوا الانتقام من السوريين بعد مقتل شاب تركي"، لافتاً إلى أن المهاجمين سرقوا المحال التجارية، عدا عن تكسير وإحراق أخرى. يضيف أن "المتضرّرين السوريين تقدّموا بشكاوى إلى الشرطة، ولم يحصلوا على تعويضات حتى الآن، علماً أن الخسائر تقدّر بآلاف الدولارات".

وحلّت إسطنبول في المرتبة الثالثة في ما يتعلق بالأضرار، حيث هاجم شبان أتراك محالّ في منطقة باغجولار والفاتح، وكسّروا بعض واجهاتها وأضرّوا بمحتوياتها. في هذا السياق، يقول الشاب السوري أحمد غنيم، لـ "العربي الجديد"، إن شباناً أتراك كسروا بعض المحال في شارع ناجي في منطقة الإديرنا كابيه، مضيفاً أن معظم المحال في الشارع يملكها سوريون، "لكّننا أغلقنا المحال على الفور حين رأيناهم يأتون إلينا".

من جهته، يرى رجل الأعمال السوري نزار البيطار أن "دوافع الأتراك متنوّعة. منهم من أيّد الانقلاب وأراد الانتقام من السوريين نتيجة ما قيل عن التجنيس، أو بسبب منافسة السوريّين في سوق العمل". ويقدّر أن حجم الأضرار لا يزيد على 15 ألف دولار.

إلى ذلك، لم تسجّل أي شكاوى عن أضرار تجارية في مدينة غازي عنتاب الحدودية مع سورية، بحسب رجل الأعمال السوري خالد الجنيدي. يضيف أن معظم المهاجمين في مدن أنقرة وقونيا وإسطنبول أرادوا الانتقام بسبب نجاح السوريين في أعمالهم التجارية ومنافستهم الأتراك. ويشير إلى أن وجود نحو مليوني سوري في تركيا ساهم في زيادة أسعار بعض المنتجات وبدلات إيجار المحال والمنازل، ما أثر سلباً على الأتراك، خصوصاً بعد الحديث عن منح بعض السوريين الجنسية التركية.

على المقلب الآخر، لم يجرؤ بعض السوريّين المتضرّرين من جراء أعمال العنف على التقدّم بشكاوى إلى الشرطة، خشية أن تُسحب منهم بطاقات الحماية المؤقتة "الكيملك"، وتوجه لهم إنذارات، كما قال مصدر رفض الكشف عن اسمه.

من جهته، يرى المحلّل التركي يوسف كاتب أوغلو أن "ما ارتكب لا يعبّر عن روابط ونظرة الأتراك للسوريين"، واصفاً ما حدث بـ "ردود أفعال من الانقلابيّين وبعض أتباعهم، لأن الأتراك يرحبون بالسوريين ويحافظون على مصالحهم واستثماراتهم". وحول إمكانية تعويض السوريين عن الأضرار التي لحقت بهم، يؤكد أن "قراراً صدر في هذا الشأن وما على المتضررين إلا مراجعة الولاية وتقديم إثباتات عن الأضرار التي لحقت بمصالحهم التجارية". يضيف أن ما أعلنه القائمقام في أنقرة، ربّما يندرج في باب مساعدة السوريين وليس تعويضاً عن الأضرار، علماً أن أضرار البعض تجاوزت عشرات آلاف الدولارات. كما ينصح السوريين، الذين تضرّرت أعمالهم واستثماراتهم، بمراجعة الولاية وتقديم الأدلّة لتعويضهم "لأن تركيا التي فتحت أبوابها لنحو 2.7 مليون سوري لا يمكنها أن تظلمهم".

ولم يقتصر الأمر على الأضرار المادية، بل عمدت بعض الشركات إلى تسريح عمال لأسباب عدة، منها عدم امتلاك السوريين تصاريح عمل، أو نتيجة عدم قدرتها على دفع رواتبهم. يقول أحد العاملين المسرّحين، محمود عبد الله: "بعد الانقلاب بيوم واحد، سرّح أحد مصانع الأخشاب 42 عاملاً سورياً دفعة واحدة في مدينة غازي عنتاب الحدودية". يضيف: "من دون سابق إنذار، أبلغنا مدير الشركة أن البيع تراجع، ولا بد من تخفيض نسبة العمال. هذه رواتبكم ولا تأتوا إلى العمل غداً". يتابع لـ "العربي الجديد": "لم يكن أجرنا كسوريين يتجاوز الألف ليرة تركية، وليس لدينا أي ضمانات صحية أو اجتماعية، في حين أن أجر العامل التركي في الشركة نفسها يصل إلى 1600 ليرة تركية، فضلاً عن التأمين الصحي والاجتماعي".

استرداد الحقوق
ردّاً على سؤال لـ"العربي الجديد"، عن الإجراءات التي اتخذها تجمع المحامين السوريين الأحرار في تركيا لحماية السوريّين واسترداد حقوقهم نتيجة الاعتداءات التي تعرضوا لها، يقول رئيسه غزوان قرنفل: "ليس لتجمع المحامين صفة تمثيلية عن السوريين لينوب عنهم. لكن هذا لا يلغي إمكانيّة إثارة القضية مع المؤسسات الرسمية التركية".

المساهمون