سيدا جان.. قضى نصف عمره هارباً

23 مارس 2016
من لا يريد انتهاء الغربة؟ (العربي الجديد)
+ الخط -
أمضى سيدا جان نصف عمره غريباً عن دياره هارباً من حرب بدأت قبل أكثر من 35 عاماً، لكنّ الحنين إليها ما زال عالقاً

"أخشى أن أموت في بلاد الغربة"، هكذا يبدأ اللاجئ الأفغاني في باكستان سيدا جان حديثه مع "العربي الجديد". يحن الرجل إلى فواكه بلاده ويرغب في إمضاء ما تبقى من حياته في قريته الواقعة في مدينة قندوز، شمال أفغانستان.

غادر سيدا جان (70 عاماً)، قريته إثر الغزو السوفييتي عام 1979، واشتداد المعارك مع التنظيمات المتشددة. كان من أوائل المهاجرين. هو يعرف جيداً مرارة الغربة، ومعاناة التنقل من مخيم إلى آخر بحثاً عن الرزق للأولاد.

يقول: "جئت إلى باكستان هرباً من السوفييت الذين قتلوا كلّ من وقف في وجههم أو عارض سياساتهم ولو بكلمة". في باكستان بدأ يبحث عن مأوى ولقمة عيش لأسرته. مارس جميع أنواع المهن، بدءاً بتنظيف الشوارع والعمل في مصانع الطوب وانتهاءً بحمل الأثقال في الأسواق.

لديه 12 ابناً وبنتاً. ولديه منهم أحفاد كثيرون. يتعرف إليهم بشق النفس وينسى أسماءهم في أحيان كثيرة. ضعف بصره وذاكرته لم يعودا يساعدانه. الآن ليس لديه من عمل سوى الذهاب إلى المسجد قبل صلاة الظهر حتى يعيده أحد أبنائه بعد صلاة المغرب. لكنّ الأمر بدأ يصعب عليه بسبب ضعف البصر، وهو ما يحزنه للغاية.

يقول: "أعيش بين المنزل والمسجد. أما أمور المنزل المعيشية، فيقوم بها أولادي الذين يزاولون أعمالاً مختلفة. هم جميعهم يخرجون في الصباح، ويكسبون ما قدّر الله لهم". عمل طوال ثلاثة عقود من أجلهم وهم اليوم يوفونه حقه كما يقول: "أنا راض حقاً عن أولادي، وسعيد جداً برؤيتهم يعملون، ويساعدون بعضهم بعضاً".

على الرغم من الضعف وكبر السن، إلاّ أن الرجل الطموح ما زال يعتزم مساعدتهم، والذهاب معهم إلى السوق. لكنه يمتنع عن ذلك، لأنّهم يرون من العار أن يسمحوا لوالدهم بالعمل في هذا السن.

أما العودة إلى بلاده أفغانستان التي يصفها الرجل بـ"الحبيبة"، فباتت مجرد حلم بالنسبة إليه قد يستحيل تحققه. ذكريات الطفولة والشباب في منزله وقريته تخطر في باله دائماً، لكنّ الوضع الأمني هو العائق. يتساءل بنبرة حزينة: "من لا يحب العيش في بلاده؟ ومن لا يريد انتهاء الغربة؟". ليجيب: "الحرب تمنعني. وأقرباء كثيرون يعيشون في قندوز يأملون في الخروج منها".

في باكستان، لا تواجه العائلة مصاعب اقتصادية بفضل عمل جميع أبناء سيدا جان. كذلك فإنّ كلّ الأطفال يذهبون إلى المدرسة. تعامل الشرطة الباكستانية السيئ معهم هو الصعوبة الوحيدة، على الرغم من أنّهم لاجئون شرعيون بموجب اتفاقية بين الأمم المتحدة وباكستان وأفغانستان.

اقرأ أيضاً: محمد داود عرف الثراء والفقر
المساهمون