الجائحة المستترة... عنف أسري متزايد ضدّ النساء في زمن كورونا

15 ابريل 2020
من تظاهرة سابقة مندّدة بالعنف الأسري (مارتين بيرنيتي/فرانس برس)
+ الخط -

رغم كلّ الإنجازات التي حقّقتها المرأة في مجالات مختلفة، فإنّها ما زالت تُعَدّ من الفئات الهشّة. وفي خلال جائحة كورونا الحالية، تبدو من الأكثر تضرّراً، لا سيّما لجهة العنف الأسري المتزايد.

"الجائحة المستترة". هكذا وصفت مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة والمديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، فومزيلي موالمبو- نكوكا، العنفَ الممارس ضدّ النساء والفتيات. فبعد أسابيع من بدء الحجر المنزلي والإغلاق الذي تعمل به أكثر من تسعين دولة حول العالم على خلفيّة تفشّي فيروس كورونا الجديد، راح يُسجّل تصاعد في الأرقام المتعلّقة بالنساء اللواتي يتعرّضنَ للعنف الأسري. ولا يقتصر ذلك على دول ومجتمعات بعينها، بل إنّ العنف ضدّ النساء والفتيات يمارس في كلّ المجتمعات وفي إطار كلّ الطبقات وإن تفاوتت نسبه.

في شقتها الصغيرة في منطقة كوينز في مدينة نيويورك التي تشهد أعلى نسبة إصابات ووفيات بالفيروس الجديد في الولايات المتحدة الأميركية، تعيش عايدة (اسم مستعار) مع أطفالها الثلاثة وزوجها. وبسبب انتشار كورونا، توقّفت عايدة عن عملها في تنظيف البيوت. فالخوف من العدوى دفع العائلات التي تعمل لديها إلى الاستغناء عن خدماتها، من دون أن يدفع مستخدموها بمعظمهم أيّ تعويض لها ولا حتى معونة مادية. من جهته، توقّف زوجها عن العمل كذلك، وهو أجير على عربة لبيع النقانق في المدينة. بالإضافة إلى العبء الاقتصادي الكبير الناجم عن توقّفها وزوجها عن العمل، وكذلك ضيق البيت الذي تسكنه مع أطفال ثلاثة تتراوح أعمارهم ما بين خمسة أعوام وسبعة، فإنّ عايدة تعاني من جرّاء عنف أسريّ. فزوجها الذي توقّف عن ضربها بعدما تقدّمت بشكوى في حقّه في وقت سابق أمام الشرطة، راح يمارس عنفه بطرق أخرى، من بينها التسلّط والعنف اللفظي، إلى جانب عدم مساعدتها في أيّ من الأعمال المنزلية ولا حتى الاعتناء بالأولاد وبمتطلباتهم المختلفة، الدراسية وغيرها.

في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" في نيويورك، تخبر عايدة قصّتها، مستفيدة من وجودها خارج بيتها. فهي رافقت صغارها إلى حديقة عامة قريبة من البيت، واستفادت من الفرصة. تقول إنّ "محادثة من هذا القبيل مستحيلة في البيت. حتى عندما أتحدّث إلى أقاربي، يراقبني ويرصد كلّ كلمة أقولها". تضيف عايدة: "كلّ شيء ملقى على كتفَي. حتى واجبات المدرسة والطبخ والغسيل وتلبية احتياجات الأطفال أنا المسؤولة عنها، وفي حال اشتكيت أتلقّى الإهانات اللفظية. قبل مدّة، تقدّمت بشكوى للشرطة فطُلب منه استشارة متخصص اجتماعي والمتابعة معه. وبعد جلسات معدودة توقّف عن الذهاب". وتتابع عايدة: "أنا هنا وحدي، فأهلي يعيشون في مصر. في وقت من الأوقات، كان لدينا أصدقاء قادرون على الضغط عليه بطريقة أو بأخرى، لكنّ الزيارات توقّفت اليوم بيننا بسبب كورونا". وتشير عايدة إلى أنّه "قبل الأزمة الحالية، كنت أقضي معظم ساعات النهار في العمل بعيدة عنه، فيما الأولاد في المدرسة وبعد الظهر يتابعون برنامجاً دراسياً خاصاً. صحيح أنّني كنت أعمل كلّ شيء، لكنّني لم أكن أراه إلا لساعات قليلة في المساء وأحياناً لا أراه قطّ لأنّه كان يعمل في المساء أحياناً، بالتالي كان ذلك رحمة كبيرة لي. أمّا الآن، فهو طوال الوقت في البيت وقد فاقم التوقّف عن العمل توتّره". وتؤكّد: "اليوم، أشعر بأنّني سجينة".



ليست حال عايدة استثنائية، فهي مشابهة لما تعيشه ملايين النساء حول العالم، لا سيّما أنّ معدّلات العنف الممارس ضدّ المرأة والعنف القائم على التمييز بين الجنسَين تتزايد في حالات الطوارئ، بما في ذلك حالات تفشّي الأوبئة. وتشير هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى زيادة كبيرة، في خلال الأسابيع الأخيرة، في عدد البلاغات والطلبات التي تلقّتها خطوط المساعدة ومراكز الإيواء المعنيّة بحالات العنف الأسري في كلّ أنحاء العالم. وقد سجّلت دول كفرنسا وألمانيا وإسبانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية وغيرها تزايداً في عدد بلاغات العنف الأسري في أثناء الأزمة وكذلك في طلب مآوي طوارئ، بحسب ما تفيد بيانات رسمية في تلك الدول وناشطون في مجال حقوق المرأة وشركاء في المجتمع المدني.

ومن الجدير بالذكر أنّ العنف الأسري كان يُعَدّ واحداً من أكبر انتهاكات حقوق الإنسان حول العالم قبل تفشّي فيروس كورونا الجديد، وقد زاد تفاقم الوضع مع الجائحة الحالية. وبحسب الأمم المتحدة، فإنّ نحو 243 مليون امرأة (تراوح أعمارهنّ ما بين 15 عاماً و49) حول العالم تعرّضنَ في خلال الأشهر الاثني عشر الماضية لعنف جسدي أو جنسي من قبل شريك أو أحد أفراد العائلة (أب، أخ،...). لكنّ الأرقام الحقيقية، بحسب المتوقّع، قد تكون أعلى بكثير، بسبب التحديات الكبرى المتعلقة بجمع البيانات. فنسبة 40 في المائة فقط من النساء اللواتي يتعرّضن لعنف أسري يتقدّمنَ بطلب مساعدة، وأقلّ من 10 في المائة من النساء اللواتي يطلبنَ المساعدة يتقدّمنَ ببلاغ لدى الشرطة ضدّ من اعتدى عليهنّ. وفي ظلّ الظروف الحالية والعزل المنزلي المعمول به في بلدان كثيرة، فإنّ الإبلاغ والحصول على مساعدة صارا أكثر تعقيداً. وتشير تقارير الأمم المتحدة كذلك إلى أنّ دولة واحدة من بين كلّ أربع دول حول العالم لا تتوفّر فيها أيّ قوانين تحمي النساء من العنف الأسري على وجه التحديد. وتقدّر المنظمة الأممية التكلفة العالمية للعنف ضدّ المرأة قبل الجائحة بنحو 1.5 ترليون دولار أميركي وتتوقع أنّ يتصاعد الرقم في ظلّ زيادة العنف ضدّ النساء في أعقاب تفشّي فيروس كورونا الجديد.

في العالم العربي، يتوقّع تقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) ووكالات الأمم المتحدة الشريكة أن تتحمّل المرأة الوزر الأكبر لما تولّده الجائحة من مخاطر صحية وعنف في العالم العربي. ويشير التقرير إلى أنّ ذلك يُترجَم في طرق عدّة، من بينها الجسدي والعاطفي والاقتصادي، في وقت يقدم المعتدون على عزل المرأة بالكامل وحرمانها من أيّ تفاعل اجتماعي مع أفراد العائلة والأصدقاء حتى عبر الإنترنت في خلال هذه الأوقات مع تفشّي الفيروس. ويوضح التقرير نفسه أنّ دولاً عربية قليلة توثّق أصلاً حالات العنف الأسري، الأمر الذي يصعّب أكثر معرفة مستوى زيادة انتشاره وعواقبها اليوم. كذلك يتوقّع أن تواجه الناجيات من العنف الأسري صعوبة في طلب المساعدة وتلقّيها في ظلّ انتشار الفيروس لأسباب عدّة، من بينها القيود المفروضة على التنقّل ومحدودية الخدمات المتوفرة ونقص في معرفة ما إذا كانت تلك الخدمات متوفرة أصلاً في البلدان التي يعشنَ فيها. يضيف التقرير أنّ "بعض الدول العربية تفتقر أصلاً إلى الخدمات الضرورية للناجيات من العنف الأسري. وخلال تفشّي فيروس كورونا، قد يصعب على مزوّدي الخدمات الطبية والقانونية والنفسية ومراكز الإيواء الوصول إلى هؤلاء النساء". وتجدر الإشارة إلى أنّ الوضع يصير أكثر سوءاً في المناطق التي تعيش صراعات وأوضاعاً إنسانية متردية، كسورية وليبيا واليمن وفلسطين المحتلة بالإضافة إلى مخيّمات اللجوء.



وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس قد دعا الحكومات إلى أن تشمل في خططها الوطنية لمحاربة فيروس كورونا الجديد ما من شأنه مكافحة العنف الأسري. ومن بين الخطوات التي يمكن اتّخاذها زيادة الاستثمار في الخدمات الإلكترونية ومنظمات المجتمع المدني، وإنشاء أنظمة إنذار طارئة في الصيدليات ومحلات البقالة. كذلك من الضروري أن تُعَدّ الملاجئ التي تقصدها النساء والفتيات للحصول على حماية من العنف الأسري كمرافق خدمات أساسية، كما هي الحال في ما يخصّ المستشفيات والصيدليات ومحلات البقالة في خلال أزمة كورونا. وشدّد غوتيريس على ضرورة تقديم الحكومات خططاً تخلق سبلاً آمنة للنساء لطلب المساعدة من دون أن يلفت ذلك انتباه المعتدين، في حين أنّه من الضروري إسناد أدوار قيادية للنساء في الاستجابة للجائحة وإشراكهنّ في التدابير المطلوبة للحصول على التمويل اللازم كشريكات في جهود الاستجابة وكصانعات للقرارات المتعلقة بها، بما فيها مجالات الرعاية الصحية ورعاية الأطفال وكبار السنّ.
المساهمون