محو الأميّة في المغرب.. حرب بلا مدافع

11 يوليو 2016
تساهل أكبر مع النساء أخيراً (فاضل سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -
يُعدّ المغرب من البلدان العربيّة الناشطة في مجال محو الأميّة، إذ يبذل جهوداً كبيرة في هذا السياق. وتأتي تلك الجهود رسميّة وأهليّة على حدّ سواء، إذ إنّ الهدف هو تأمين أفضل النتائج، لا سيّما بين النساء

يراهن المغرب على محو الأميّة بين مواطنيه من خلال وضع مخططات وبرامج حكومية وغير حكومية تهدف إلى محاربة تلك الأميّة المتفشية بينهم، خصوصاً في المناطق الريفية. وهو عازم على القضاء على هذه الآفة نهائياً بحلول عام 2024. والمغرب الذي يبذل جهوداً حقيقية لمحاربة الأميّة، حقّق نتائج هامة في هذا الإطار. بحسب الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2004، كانت نسبة تفشي الأميّة في البلاد تصل إلى 43 في المائة، لكنّها تراجعت إلى حدود 32 في المائة بحسب الإحصاء نفسه لسنة 2014.

تُبيّن آخر إحصاءات الوكالة الوطنية لمحاربة الأميّة، وهي مؤسسة رسمية تعنى بمحاربة الأميّة في المجتمع، أنّ عدد الأميّين في البلاد يبلغ نحو عشرة ملايين أميّ، وأنّ نسبة الأميّة بين الذين تجاوزوا سنّ العاشرة تصل إلى 28 في المائة، فيما تبلغ 38 في المائة بين الذين تجاوزوا الخامسة عشرة من عمرهم.

وفي حين تقرّ منظمات دولية عدّة بجهود المغرب الخاصة لمحاربة الأميّة، مع الإشارة إلى أنّه حاز على جائزة كونفوشيوس لمحو الأميّة التي تمنحها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) في عام 2012 ، يرى مراقبون أنّ الطريق ما زال شاقاً وأنّ ثمّة تحديات عديدة تجعل القضاء نهائياً على الأميّة أمراً عسيراً.

تأتي الجهود المغربية لمحاربة الأميّة في محاور عدّة، منها ما تقوم به الدولة من خلال وزارة التربية الوطنية ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عبر برنامج محو الأميّة الذي يستهدف النساء خصوصاً، ومنها ما تقوم به منظمات غير حكومية والمجتمع المدني من مبادرات. وتأتي مخططات الجانب الرسمي على مدى سنة واحدة في 300 ساعة من الدراسة توزّع على دورتَين، وتوفّر الوزارة الكتب الخاصة. وينفّذ البرنامج الحكومي بالتعاون ما بين وزارات الشباب، والأوقاف والشؤون الإسلامية، والفلاحة والصيد البحري، وإدارة السجون، والقوات المسلحة، والصناعة التقليدية، والإدارات المحلية. ويتوجّه هذا البرنامج إلى الأشخاص المنتسبين إلى القطاعات أو المستفيدين من خدماتها. أمّا برامج الجمعيات، فتتوجّه إلى كلّ من يعاني من الأميّة، طبقاً للاستراتيجية الحكومية. وتساهم الحكومة بتكوين الأساتذة والمدرّبين لمحو الأميّة وتوفّر كتب الدراسة، بينما توفّر الجمعيات المقرّات سواء داخل المؤسسات التعليمية أو خارجها.

هذه الجهود المبذولة، من خلال القطاعات الوزارية المختلفة المعنيّة أو عبر أذرع عمل الجمعيات المتنوّع، تواجهها تحديات وعراقيل. يقول عبد الغني صقلي هو منسّق سابق لبرنامج محو الأميّة في إحدى الجمعيات التنموية، إنّ ما تقوم به الدولة لمحاربة الأميّة تعاكسه الذهنيّة المجتمعية لعدد كبير من الأسر المغربية، خصوصاً في البوادي والقرى حيث ما زال خروج المرأة إلى القسم أو مقرّ الجمعية لمتابعة دروس بهدف محو أميّتها، أمراً مرفوضاً". ويشرح لـ "العربي الجديد" أنّ "العادات والتقاليد التي ما زالت راسخة في بعض الأرياف والقرى النائية، وحتى في البوادي التي تقع على هوامش الحواضر، تمنع المرأة من التوجّه بأقلامها ومحفظتها إلى المدرسة للانخراط في حصص محاربة الأميّة".

ويتابع صقلي أنّ "المرأة كثيراً ما تخضع لحكم وسيطرة الرجل في الأسر القروية، بالتالي لا تستطيع إقناعه بضرورة التعلم. بالنسبة إليه، الأمر من الكماليات وترف لا يحتاجه. هو في حاجة أكثر إلى أن تساعده زوجته أو ابنته في أعمال الحقل والرعي، وليس إلى التعلم وتكوين شخصية مستقلة ومثقفة".

من جهتها، تقول فوزية بلعمارتي التي تدرّس حصصاً لمحو الأميّة للنساء في أحد مساجد الرباط، إنّ "موضوع رفض الرجل توجّه زوجته إلى القسم لتلقي تلك الحصص لم يعد مطروحاً بصورة متشددة كما في السابق، وذلك مذ أقرّت وزارة الأوقاف منح دروس محو الأميّة داخل بيوت الله". وتوضح لـ "العربي الجديد" أنّ "الرجال أصبحوا يتقبّلون أكثر فكرة محاربة زوجاتهم أو بناتهم الأميّة، في حال كان ذلك في المساجد. هم يفضّلون عدم توجّه نسائهم إلى مقرّات الجمعيات ولا إلى المدارس". تضيف أنّ "ذلك يعود إلى ذهنيّة الرجل في بعض المناطق، الذي يضع ثقته في المساجد حيث المدرّسات، خشية من اختلاط النساء بالرجال في المدارس والمقرّات الأخرى".

وتتابع بلعمارتي أنّ من المشاكل التي تعترض نجاح برامج محو الأميّة "ضعف العناية بفئة المدرّبين والمدرّسين والمدرّسات خصوصاً في المساجد. فهؤلاء لا يتلقون أجورهم إلا بعد مرور أشهر عديدة على انتهاء الفصول، وثمّة من لم يحصل على تعويضاته منذ سنتَين".

المساهمون