تحبّها.. لا تحبّها

07 نوفمبر 2015
في بلاد أخرى... (Getty)
+ الخط -

النظر إلى بيروت من الطائرة لا يبدو أمراً مدهشاً. هذه المدينة التي ما زالت مستمرّة على وقع ماضيها، تفتقد إلى تفاصيل بسيطة قادرة على إنعاش ناسها. وقد يصيرُ الطقس الجميل مجرّد إضافة في غير محلّها. قليلةٌ هي المساحات الخضراء. وللأزهار وظائف محددة، نحملها إلى المرضى في المستشفيات أو في مناسبات عدة، علاقتنا بها تبدو رسمية، كأنها غريبة وإن كانت تحب الحياة. وعلى الأرجح، لا تمانع العيش بيننا في ما لو أحسنّا التعامل معها.

لا حدائق بين المباني يمكن للأطفال اللعب فيها. وفي الغالب، لا يحتاج الصغار إلى أكثر من ذلك، يكرهون الحواجز مع الطبيعة. وهذا صدقٌ أملته عليهم طفولتهم. تغريهم التكنولوجيا بقدر ما نسمح لهم بها. وإن كانوا يلعبون داخل الأماكن المغلقة، ويفرحون بأرجوحة تكاد ترتطم بسقف من إسمنت، إذا ما تحمسوا كثيراً، فهذا لأنهم حرموا من الطبيعة، وملاقاة الغيوم.

وليست المشكلة في عدم توفّر أراضٍ في بيروت. فالبيئة والإنسان لم يكونا يوماً من أولويات المعنيين. وشوارع المدينة ملكٌ للنافذين الذين ساهموا في عزل الإنسان عن المحيط الأول، أي الطبيعة. وبات الأمر بمثابة ثقافة. اعتاد اللبنانيون على دفع المال للترفيه عن أنفسهم. وكما شواطئ المدينة ليست من حق أهلها، بالكاد يجد المواطنون مساحات خضراء، علماً أن معظمها مهمل. بعض ألعاب الأطفال محطّم، ولا يكترث المعنيون لإصلاحها. وإذا ما وقع حادث، ربما يلام الأهل لأنهم لم ينتبهوا لأطفالهم.

هذه الحدائق القليلة التي يصرّ بعض الناس على الذهاب إليها ليست للجميع. هناك الأجانب الذين يصطحبون أطفالهم إليها للّعب، ولبنانيون مثلهم، يعرفون حاجة الصغار الأساسية، وهي المساحات. أو كبار السن الذين لا حيلة لهم، وربما تركوا وحيدين يقضون نهاراتهم على كراسٍ خشبية مهترئة. ولا يهم إن تعارفوا إلى بعضهم بعضاً، فربما تعبوا من كثرة الكلام.

وقد باتت هذه المساحات القليلة، خلال السنوات الأخيرة، مقصداً للاجئين السوريين، الذين يقصدونها مع أطفالهم للّعب مجاناً. وقلّة يذهبون إليها لممارسة الرياضة أو القراءة أو قضاء بعض الوقت.

في بعضها، يمنعُ على المواطنين الجلوس على العشب حفاظاً عليه. حرّاسها ينفذون الأوامر. أما المعنيون، فيفتتحون الحدائق للصور، ربما. وبدلاً من العمل على خلق هذه المودة بين المواطنين والطبيعة، يمنعونهم عنها.

في بلاد أخرى، يمكنك النوم على العشب، وقضاء يوم بأكمله بين الأشجار والورود. فالطبيعة والإنسان توأمان. إذا ما قطفنا زهرة، وبدأنا حسبتنا: "نحبّ الطبيعة.. لا نحبّها.."، ستقع البتلة الأخيرة من دون أن نأسف لأننا ندعي حبّها.

اقرأ أيضاً: اللغة التي نخاف
المساهمون