حلّ فصل الشتاء، هذا العام، منذ بدايته ثقيلاً على اللاجئين السوريين في مخيمات قضاء مرجعيون، في محافظة النبطية، جنوبي لبنان، محمّلاً بالأمطار والبرد والصقيع، وما بينهم من أمراض تصيب الأطفال أكثر من غيرهم، لا سيما مخيم مرج الخوخ، القائم بين بلدتي جديدة مرجعيون وإبل السقي، ويصل ارتفاعه عن سطح البحر إلى نحو 750 متراً يقابله شرقاً جبل الشيخ الذي اكتسى حلّته البيضاء باكراً هذا العام، وبدأ يلفح بهوائه البارد والقارس القرى والبلدات المقابلة له، ومن بينها مخيم مرج الخوخ.
المخيم هو الأكبر في قضاء مرجعيون، وتقطن فيه نحو 200 عائلة تقيم في أكثر من 150 خيمة باتت علامة فارقة على طريق عام مرجعيون - حاصبيا، الذي يربط بين الجنوب والبقاع، إذ تبدو من بعيد كما لو أنّها قرية، وهي مبنية من بعض الأخشاب والنايلون التي قدمتها لهم على مدى سنوات النزوح بعض الجمعيات، بالإضافة إلى لافتات عليها إعلانات وصور لفنانين، جرى جمعها عن جوانب الطرق، علّها تقيهم بعضاً من حرارة الشمس، والأمطار. وهذه العائلات من صغيرها إلى كبيرها، إلى جانب ما تيسر من المازوت للتدفئة، تجمع ما قُدّر لها من الحطب والأخشاب والأغصان اليابسة لتأمين بعض من الدفء لفصل شتاء بدأت طلائعه تصل إليهم.
لحظة الوصول الى وسط مخيم مرج الخوخ يفاجئك قيام عدد من الشبان ببناء خيمة. للوهلة الأولى يظنّ الناظر أنهم يبنون خيمة جديدة، لكن تتضح الصورة، في أنّ الخيمة الأساسية قد احترقت منذ أيام، بسبب ماسّ كهربائي، ونجا سكانها بأعجوبة، وهم عمر محمد الحسن وزوجته وأطفاله الثلاثة. عمر الذي أصيب بحروق متوسطة في وجهه وبعض أنحاء جسده، يرفض الحديث أمام الكاميرا عما جرى شاكراً الله على نجاته وأسرته من الحريق بالرغم من أنّه أتى على كامل الخيمة وما تحويه، مشيراً إلى أنّ كلفة إعادة بنائها من الخشب والبلاستيك تزيد عن ألف دولار أميركي، ناهيك عن الحاجات الأساسية للسكن فيها من فرش وأدوات منزلية. ويشرح جاره حسن محمود المنصور، الذي يساعده في بناء الخيمة، أن عمر وعائلته استيقظوا على رائحة حريق فما كان منه إلاّ أن أخرج عائلته بسرعة من تحت الحريق، محاولاً إطفاءها فأصيب بحروق متوسطة في وجهه، والآن زوجته وأطفاله يقيمون في خيمة أهلها المجاورة، والكلّ في المخيم ضمن إمكاناتهم يساعدونه في بناء الخيمة مجدداً.
اقــرأ أيضاً
من جهته، فإنّ عبد الله، شقيق عمر، لديه بنتان وصبي، ويشكو من الظروف الصعبة: "نحن نعيش -كما يقولون- من قلة الموت. نتمنى أن تهدأ الأمور في بلادنا ونعود، لأنّ الإنسان خارج بلده لا يساوي شيئاً. وكما ترى فالوضع سيئ جداً، وإذا لم يكن هناك مازوت، نتدفأ على الحطب وكلّ ما هو قابل للاحتراق من أكياس نايلون وأحذية، والأمراض من جراء البرد القارس لم تعد تفرّق ما بين صغير وكبير".
في مشهد آخر، كان هناك أطفال تغطيهم بعض الملابس التي لا توحي كثيراً بالدفء، فمنهم من يقتنص فرصة الصحو للهو قليلاً قبل عودة الأمطار والعواصف، إذ خرجت أسماء وشقيقتاها، اللواتي توفي والدهن منذ سنتين تقريباً، أمام مدخل الخيمة والبراءة ترتسم على وجوههن، لتقول أسماء بخجل، وهي تحتضن شقيقتها الأصغر، إنّ التدفئة تقتصر على الحطب وإنّهن يفتقدن إلى الدفء ليلاً.
أطفال آخرون كانوا يلهون بالقرب من الشبان الذين يعيدون بناء الخيمة، ويشعلون بعض النايلون والأخشاب الصغيرة في تنكة (صفيحة معدنية) للحصول على بعض الدفء والتسلية في آن معاً، إذ يؤكد يحيى محمد الحسن، ابن الثماني سنوات، أنّه يشعر بالبرد قليلاً، لكنّه يريد مساعدة أقاربه في بناء الخيمة. ومنهم من تحلق مع أفراد أسرته حول الموقد تلمّسا للدفء، وهم أولاد أبو عبدو، ميلاد العبدو، ومعه والدته الثمانينية، وشقيقته وأولادها، وعددهم جميعاً عشرة أفراد يقطنون في خيمة واحدة. وبالرغم من الدفء في الخيمة مع اشتعال الموقد الذي يعمل على المازوت، يؤكد الأطفال أنّهم لا يشعرون بالدفء كثيراً لا سيما ليلاً، في وقت يقنّن الأهل مواعيد إشعال الموقد تحسبا للآتي من الأيام وما تحمله من ظروف مناخية أصعب، تتدنى معها درجات الحرارة لتصل إلى الصفر مع تساقط للثلوج. يقول أبو عبدو: "كذلك، هناك ظروف اقتصادية ومعيشية يعيشها لبنان وتنعكس على اللاجئين السوريين، إن كان على مستوى ما تقدمه الجمعيات والمنظمات الدولية من مساعدات عينية وغيرها مما تراجع بشكل كبير جداً، أو بسبب غياب فرص العمل لا سيما في القطاع الزراعي أو ورش البناء".
ويؤكد أنّ "الوضع صعب جداً ونبقى داخل الخيم. أما التدفئة فبحسب القدرات، فالبعض على الحطب والبعض الآخر على المازوت، ولا مساعدات حتى الآن لمواجهة الطقس العاصف والماطر، ولا يوجد دفء حقيقي لأنّ الخيمة عبارة عن شادر وبلاستيك. نتخوف كثيراً من الأيام المقبلة وما تحمل من قساوة في الطقس، متأملاً من الجمعيات تقديم الحد الأدنى لنا، أقله بعض المازوت للتدفئة أو شوادر تقينا وإن القليل من البرد والمطر".
اقــرأ أيضاً
تتحدث أم ماجد، والدة ميلاد، بحسرة عما آلت إليه الأوضاع المعيشية بعد خمس سنوات على لجوئهم إلى لبنان: "البرد قتلنا، الدنيا باردة ولم يعطنا أحد مازوتاً. نعيش أسوأ عيشة، فقد تعبنا ولا مال لدينا أو طعام. عائلتنا كبيرة تسكن في خيمة واحدة، ولا ملابس تكفينا".
اللاجئون السوريون في لبنان، عموماً يعيشون في ظروف صعبة وقاسية، لكنّ تلك الظروف وقساوتها تبدو أبرز في مرج الخوخ، والمخيمات المماثلة، إذ إنّ هناك عدداً منها في الوزاني وسردا- قضاء مرجعيون، يشكو قاطنوها من شظف العيش ومرارة النزوح، لا سيما في هذه الأيام المحمّلة بالبرد والصقيع وهمّ توفير الدفء.
المخيم هو الأكبر في قضاء مرجعيون، وتقطن فيه نحو 200 عائلة تقيم في أكثر من 150 خيمة باتت علامة فارقة على طريق عام مرجعيون - حاصبيا، الذي يربط بين الجنوب والبقاع، إذ تبدو من بعيد كما لو أنّها قرية، وهي مبنية من بعض الأخشاب والنايلون التي قدمتها لهم على مدى سنوات النزوح بعض الجمعيات، بالإضافة إلى لافتات عليها إعلانات وصور لفنانين، جرى جمعها عن جوانب الطرق، علّها تقيهم بعضاً من حرارة الشمس، والأمطار. وهذه العائلات من صغيرها إلى كبيرها، إلى جانب ما تيسر من المازوت للتدفئة، تجمع ما قُدّر لها من الحطب والأخشاب والأغصان اليابسة لتأمين بعض من الدفء لفصل شتاء بدأت طلائعه تصل إليهم.
لحظة الوصول الى وسط مخيم مرج الخوخ يفاجئك قيام عدد من الشبان ببناء خيمة. للوهلة الأولى يظنّ الناظر أنهم يبنون خيمة جديدة، لكن تتضح الصورة، في أنّ الخيمة الأساسية قد احترقت منذ أيام، بسبب ماسّ كهربائي، ونجا سكانها بأعجوبة، وهم عمر محمد الحسن وزوجته وأطفاله الثلاثة. عمر الذي أصيب بحروق متوسطة في وجهه وبعض أنحاء جسده، يرفض الحديث أمام الكاميرا عما جرى شاكراً الله على نجاته وأسرته من الحريق بالرغم من أنّه أتى على كامل الخيمة وما تحويه، مشيراً إلى أنّ كلفة إعادة بنائها من الخشب والبلاستيك تزيد عن ألف دولار أميركي، ناهيك عن الحاجات الأساسية للسكن فيها من فرش وأدوات منزلية. ويشرح جاره حسن محمود المنصور، الذي يساعده في بناء الخيمة، أن عمر وعائلته استيقظوا على رائحة حريق فما كان منه إلاّ أن أخرج عائلته بسرعة من تحت الحريق، محاولاً إطفاءها فأصيب بحروق متوسطة في وجهه، والآن زوجته وأطفاله يقيمون في خيمة أهلها المجاورة، والكلّ في المخيم ضمن إمكاناتهم يساعدونه في بناء الخيمة مجدداً.
من جهته، فإنّ عبد الله، شقيق عمر، لديه بنتان وصبي، ويشكو من الظروف الصعبة: "نحن نعيش -كما يقولون- من قلة الموت. نتمنى أن تهدأ الأمور في بلادنا ونعود، لأنّ الإنسان خارج بلده لا يساوي شيئاً. وكما ترى فالوضع سيئ جداً، وإذا لم يكن هناك مازوت، نتدفأ على الحطب وكلّ ما هو قابل للاحتراق من أكياس نايلون وأحذية، والأمراض من جراء البرد القارس لم تعد تفرّق ما بين صغير وكبير".
في مشهد آخر، كان هناك أطفال تغطيهم بعض الملابس التي لا توحي كثيراً بالدفء، فمنهم من يقتنص فرصة الصحو للهو قليلاً قبل عودة الأمطار والعواصف، إذ خرجت أسماء وشقيقتاها، اللواتي توفي والدهن منذ سنتين تقريباً، أمام مدخل الخيمة والبراءة ترتسم على وجوههن، لتقول أسماء بخجل، وهي تحتضن شقيقتها الأصغر، إنّ التدفئة تقتصر على الحطب وإنّهن يفتقدن إلى الدفء ليلاً.
أطفال آخرون كانوا يلهون بالقرب من الشبان الذين يعيدون بناء الخيمة، ويشعلون بعض النايلون والأخشاب الصغيرة في تنكة (صفيحة معدنية) للحصول على بعض الدفء والتسلية في آن معاً، إذ يؤكد يحيى محمد الحسن، ابن الثماني سنوات، أنّه يشعر بالبرد قليلاً، لكنّه يريد مساعدة أقاربه في بناء الخيمة. ومنهم من تحلق مع أفراد أسرته حول الموقد تلمّسا للدفء، وهم أولاد أبو عبدو، ميلاد العبدو، ومعه والدته الثمانينية، وشقيقته وأولادها، وعددهم جميعاً عشرة أفراد يقطنون في خيمة واحدة. وبالرغم من الدفء في الخيمة مع اشتعال الموقد الذي يعمل على المازوت، يؤكد الأطفال أنّهم لا يشعرون بالدفء كثيراً لا سيما ليلاً، في وقت يقنّن الأهل مواعيد إشعال الموقد تحسبا للآتي من الأيام وما تحمله من ظروف مناخية أصعب، تتدنى معها درجات الحرارة لتصل إلى الصفر مع تساقط للثلوج. يقول أبو عبدو: "كذلك، هناك ظروف اقتصادية ومعيشية يعيشها لبنان وتنعكس على اللاجئين السوريين، إن كان على مستوى ما تقدمه الجمعيات والمنظمات الدولية من مساعدات عينية وغيرها مما تراجع بشكل كبير جداً، أو بسبب غياب فرص العمل لا سيما في القطاع الزراعي أو ورش البناء".
ويؤكد أنّ "الوضع صعب جداً ونبقى داخل الخيم. أما التدفئة فبحسب القدرات، فالبعض على الحطب والبعض الآخر على المازوت، ولا مساعدات حتى الآن لمواجهة الطقس العاصف والماطر، ولا يوجد دفء حقيقي لأنّ الخيمة عبارة عن شادر وبلاستيك. نتخوف كثيراً من الأيام المقبلة وما تحمل من قساوة في الطقس، متأملاً من الجمعيات تقديم الحد الأدنى لنا، أقله بعض المازوت للتدفئة أو شوادر تقينا وإن القليل من البرد والمطر".
تتحدث أم ماجد، والدة ميلاد، بحسرة عما آلت إليه الأوضاع المعيشية بعد خمس سنوات على لجوئهم إلى لبنان: "البرد قتلنا، الدنيا باردة ولم يعطنا أحد مازوتاً. نعيش أسوأ عيشة، فقد تعبنا ولا مال لدينا أو طعام. عائلتنا كبيرة تسكن في خيمة واحدة، ولا ملابس تكفينا".
اللاجئون السوريون في لبنان، عموماً يعيشون في ظروف صعبة وقاسية، لكنّ تلك الظروف وقساوتها تبدو أبرز في مرج الخوخ، والمخيمات المماثلة، إذ إنّ هناك عدداً منها في الوزاني وسردا- قضاء مرجعيون، يشكو قاطنوها من شظف العيش ومرارة النزوح، لا سيما في هذه الأيام المحمّلة بالبرد والصقيع وهمّ توفير الدفء.