ينوي ديوان الأسرة والعمران البشري في تونس إنجاز دراسة لتحديد أبرز الأسباب التي ساهمت في ارتفاع نسبة الإنجاب في السنوات الأخيرة، وفي مرحلة ثانية وضع سياسات إنجابية جديدة للمستقبل
أثار تصريح وزير التربية التونسي، حاتم بن سالم، الذي عبّر فيه عن "المفاجأة" التي تلقتها الوزارة بارتفاع عدد التلاميذ خلال الموسم الدراسي الحالي، موجة من السخرية لدى الرأي العام وناشطي مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً أنّه كان قد أطلق عليهم، في وقت سابق، تسمية "أبناء فترة حظر التجوّل خلال سنة 2011". ورأى بن سالم أنّ الزيادة التي قُدّرت هذا العام بنحو 42 ألف تلميذ، بينما كانت نحو 25 ألف تلميذ خلال العام الماضي، مفاجأة غير سارة ولم تكن في الحسبان، مؤكداً أنّ ارتفاع الولادات على هذا النسق سوف يؤدي، خلال الأعوام العشرة المقبلة، إلى ارتفاع عدد التلاميذ من مليونَين و121 ألف تلميذ إلى ثلاثة ملايين تقريباً.
بالتزامن مع موجة السخرية التي أثارتها تصريحات وزير التربية، طُرحت من جديد مسألة التنظيم العائلي في تونس، بهدف الحدّ من الولادات، بعد ارتفاعها في خلال الأعوام التي تبعت الثورة. في المقابل، ثمّة أرقام تشير إلى أنّ المجتمع التونسي سائر نحو الشيخوخة نتيجة تراجع عدد الولادات، الأمر الذي يطرح مسألة تضارب المعطيات. يُذكر كذلك أنّ ثمّة بيانات تشير إلى ارتفاع في نسب العنوسة. ونجد من يدعو إلى استعادة العمل بالتنظيم العائلي، الأمر الذي يجعل كلّ المعادلات متضاربة.
في آخر تعداد سكاني لعام 2014، قُدّرت شيخوخة السكان بثلاثة في المائة، لكنّها صارت نحو 11.7 في المائة، وهي نسبة مرشّحة للارتفاع إلى 19.8 في المائة في عام 2034. كذلك، يبلغ عدد المتقاعدين نحو 800 ألف. ويحذّر خبراء متخصصون من ارتفاع عدد المسنّين ومن شيخوخة المجتمع التونسي، في وقت ينخفض فيه عدد الولادات وتراجع عدد الشباب واليد العاملة. كما صرّح رضا قطعة، الرئيس المدير العام للديوان الوطني للأسرة والعمران البشري، أنّ عدد حالات الإجهاض في تونس يتراوح بين 14 و16 ألف حالة إجهاض سنويا. لكنّ عمليات الإجهاض بمعظمها تتمّ في منشآت القطاع العام فقط، أي في مراكز الصحة الإنجابية التابعة للديوان الوطني للأسرة والعمران البشري وبعض المؤسسات الصحية العمومية. هذه المعطيات تؤكّد أنّ المجتمع التونسي سائر نحو الشيخوخة.
في المقابل، كانت نتائج إحصاءات أعدّها ديوان الأسرة والعمران البشري قد أفادت بارتفاع نسبة الخصوبة في تونس من 2.1 في المائة في عام 2010 إلى 2.46 في المائة في عام 2014، نتيجة ارتفاع عدد الزيجات التي بلغت نحو 106 آلاف في عام 2014، في مقابل 70 ألف زيجة في عام 2004، لترتفع الولادات من 160 ألف مولود جديد في عام 2010 إلى 225 ألفاً في عام 2014.
يعيد البعض ارتفاع الولادات بعد الثورة إلى ظهور ما يُعرف بالزواج العرفي، في حين يرى آخرون أنّ ذلك يعود إلى ارتفاع الزيجات عموماً وارتفاع عدد النساء في سنّ الزواج إلى ثلاثة ملايين وأربعة آلاف امرأة في عام 2014، أي ما يمثّل 27.3 في المائة من مجموع السكان، في مقابل نحو مليونَي امرأة في عام 1994. يأتي ذلك على الرغم من أنّ إحصاءات رسمية أخرى أكدت ارتفاع نسبة العنوسة بنحو 60 في المائة، مع مليونَي امرأة.
وكان المدير العام للديوان الوطني للأسرة والعمران البشري، رضا قطعة، قد أعلن، في مارس/آذار من عام 2016، ارتفاع عدد الولادات وارتفاع عدد أفراد الأسرة التونسية، لذا تقرّرت العودة إلى برنامج التنظيم العائلي، لا سيّما في المناطق الداخلية. فالأسرة الواحدة صارت تضمّ أكثر من طفلَين، إلى جانب انخفاض نسبة استخدام وسائل منع الحمل، بالمقارنة مع فترة ما قبل الثورة. يُذكر أنّ معدّل استخدام وسائل منع الحمل في الوسط الغربي لا يتجاوز 50 في المائة، وتقارب هذه النسبة 70 في المائة في الشمال الشرقي، بينما يبلغ المعدّل الوطني 62.5 في المائة.
تجدر الإشارة إلى أنّ برنامج التنظيم العائلي في تونس انطلق في عام 1966، في إطار سياسات تحديد النسل وتنظيمه والقضاء على الفقر ومحو الأمية وتحقيق نمو اقتصاد البلاد وتحقيق التوازن على مستوى النموّ الديموغرافي بين الجهات. وقد عمل ديوان الأسرة والعمران البشري على تقريب خدمات مراكز الصحة الإنجابية من النساء، لا سيّما في المناطق الداخلية والريفية، في حين راحت تُنظّم قوافل صحية مع مراكز طبية متنقلة، بهدف توعية النساء حول برنامج التنظيم العائلي، وضرورة التنظيم العائلي، وحثّهن على استعمال وسائل منع الحمل.
تقول فاطمة التميمي، وهي مسؤولة في ديوان الأسرة والعمران البشري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "خدمات الديوان كانت وما زالت مجانية، وإنّ الميزانية المخصصة له قُدّرت بأكثر من مليون دولار أميركي في عام 2018، مع ارتفاع بنحو 150 ألف دولار، بالمقارنة مع عامَي 2016 و2017. وارتفاع الميزانية دليل على تواصل برنامج التنظيم العائلي". تضيف "أنّ مراكز الديوان تواصل عملها في كلّ الجهات، وتوفر الخدمات الطبية اللازمة، وتقدّم كلّ ما ينظم الولادات ويباعد بين الولادة والأخرى، مع تقديم النصائح وحملات التوعية المستمرة".