النساء "تحت السيطرة"

28 فبراير 2016
"ماذا سيقولون".. "ماذا سيظنون".. "كيف سيحاكمون"؟ (فرانس برس)
+ الخط -

ذهبتْ إلى البرازيل في رحلة عمل. حين وصلت إلى شوارع المدينة التي تقع في قلب الأمازون لم يعرها أحد انتباهاً. كم أحبّت فكرة أنّها غير مرئية للآخرين. كم هو مريح هذا الشعور. لا يصاحبه عبء "ماذا سيقولون" أو "ماذا سيظنون" أو "كيف سيحاكمون". أمضت في تلك المدينة عشرة أيام لم تشعر فيها أنّ هناك من يحاكمها أو يحكم عليها أو حتى يراقبها. كانت تلبس من دون تنميق لا سيّما أنّ الطقس كان استوائياً رطباً ماطراً حاراً. ترتدي القليل من الملابس وتعود مساءً أو صباحاً إلى الفندق. لم يهتم أحد. ولم يُطلَق عليها أي وصف.

في لبنان، الوضع كلّه يختلف. كانت تعيش في إحدى ضواحي المدينة. كلّ شيء كان محسوباً. أيّ ساعة تذهب صباحاً إلى العمل، والأهم، "مع من؟". وأي ساعة تعود ليلاً، و"مع من أيضاً؟". وهل يتكرر التأخّر ليلاً؟ حينها سيكون الحكم أقسى، وسيصاحبه على الأرجح لقب أو وصف ما. هذه الأحكام تأتي من المجتمع المحيط.. من الجيران. ربما يكون أهلها مثلها منفتحين، لكنهم كانوا يخشون مثلها أحكام "المجتمع" الجار. لذلك، يطلبون منها "مراعاة" الجار و"التخفيف من حدة" نمط الحياة الذي تعتبره عادياً في الأصل.

هذه الازدواجية في الحياة تصبح أصعب حين يكون الأهل هم "المراقب" و"المُحاكم". على إحداهن أن تكون في المنزل بحلول الساعة السادسة مساءً. وأيّ تأخير عن تلك الساعة يصاحبه مشاكل هي باتت في غنى عنها. هذه السيدة في أواخر ثلاثينياتها، وما زال هناك من يتحكم بوقتها وأسلوب حياتها. تطول لائحة الممنوعات على هذه السيدة من قبل أهلها. لكن هناك بعض المسموحات، لا سيما إذا كان الأمر يتعلق بالعمل. مسموح لها التأخر أو حتى السفر إذا كان بداعي العمل. وهكذا تصبح ازدواجية أسلوب الحياة لدى بعض النساء جزءاً لا يتجزأ من حياتهن. يعشن حياة خفية ضمن حياة علنية أخرى، لأنّ الأولى هي التي اختاروا عيشها والثانية مفروضة عليهن، محكومات بعيشها.

أن ينصّب المجتمع نفسه شرطياً على حياة النساء، يعني أنه يتحكم ليس بحياتهن فحسب، بل بأجسادهن ومستقبلهن ومصيرهن. قد يفرز المجتمع نفسه على شكل جار، وربما أهل، أو حتى زوج. أن تُسأل المرأة "إلى أين؟" أو "مع من؟" بداعي السيطرة أو التدخل، ينبع من نفس الجبّ الذي يحوي ممارسات فظة بحق النساء، من قبيل جرائم "الشرف" أو التزويج المبكر، أو غيرها من السلوكيات التي يظن معها الأهل والمجتمع أنهم يملكون "النساء".

ما قد يبدأ بسؤال بسيط أو استنكار أو تدخل، قد ينتهي بشكل درامي. المهم أن يبقى "الوضع" تحت السيطرة.

*ناشطة نسوية

اقرأ أيضاً: هيّا بنا نلعب
المساهمون