السودان.. أطفال لم يمسكوا قلماً

08 سبتمبر 2014
2،7 مليون طفل أمي بالسودان (إيفان ليمان/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

يستيقظُ محمد (7 سنوات) باكراً. يرتدي ثيابه على عجل ويملأ صندوقه الخشبي بالمناديل. ملامحه باهتة. تعكس حرماناً من حقّ بات ترفاً في بلاده.

يخرج من منزله ويلحقُ أطفال الحيّ. يتأمل تفاصيلهم. يقنع نفسه بأنه مثلهم. تفرّقهم حقيبة مدرسية. يتلصّص من النوافذ على بعضهم يرسمون بالطبشور على اللوح.

يبتسم قبل أن يعود إلى واقعه الذي يفرض عليه التنقل بين الشوارع لبيع المناديل. ينتظر توقف السيارات ولا ييأس من إقناع أصحابها بالشراء.

يقول محمد لـ"العربي الجديد" إنه لم يدخل إلى المدرسة في حياته. لم يمسك قلماً حاله حال أشقائه الثلاثة. جميعهم يجولون الشوارع لبيع المناديل.

أمنيته الوحيدة في الحياة هي الدخول إلى المدرسة. يواسي نفسه أو يقنعها بأنه لا يختلف كثيراً عن أبناء جيله من الذين يرتادونها. هو أيضاً يعرف عدّ النقود. لكن الحقّ على الأوضاع المعيشية التي جرّدته من طفولته وأجبرته على العمل لمساعدة أهله في توفير لقمة العيش.

لا يعرف محمد أنه في مثل هذا اليوم يحتفل العالم بـ"اليوم العالمي لمحو الأمية". يعجزُ عن قراءة هذه المعلومة التي قد تكتبها الصحف السودانية.

هو جزءٌ من أزمة حقيقية في السودان والعالم العربي، وهي الأمية. الأرقام تشير إلى ارتفاع نسبة الأمية في البلاد، في ظل استمرار الحرب في تسع ولايات، عدا الظروف الاقتصادية الصعبة وخصوصاً في الريف. والنتيجة 2.7 مليون طفل أميّ.

في السياق، يؤكد نائب الأمين العام لـ"المجلس القومي لمحو الأمية" حمد سعيد أن "هناك حوالي أربعة ملايين أمي في السودان"، لافتاً إلى "عدم دقة الإحصائيات في ظل صعوبة إجرائها نتيجة عدم الاستقرار الذي تعاني منه عدد من المناطق، عدا موجات النزوح والهجرة والأوضاع الأمنية الصعبة، مما يجعل الرقم قابلاً للزيادة أو النقصان دائماً".

يضيف: "تشير الأرقام اليوم إلى وجود أربعة ملايين أمي، بينهم 2.7 مليون طفل خارج نظام التعليم". ويؤكد سعيد أن المجلس أعد خطة "لمحو أميّة مليون شخص، وإلحاق 600 ألف طفل بالمدرسة نهاية العام المقبل"، لافتاً إلى "وجود خطط متكاملة لحلّ مشكلة الأمية". ويتطرّق في الوقت نفسه إلى عائق التمويل الذي يعدّ التحدي الأبرز إلى جانب توفير أساتذة، الذين لا يتعدون نسبة الـ 5 في المئة فقط في البلاد".

يضيف: "لكننا نلجأ إلى الاستفادة من المتخرجين ضمن برنامج الخدمة الإلزامية في تعليم محو الأمية والتعليم البديل لسد النقص في هذا الجانب". ويوضح أن "اعتبار ملف محو الأمية جزءاً من التعليم الأساسي وأولوية لهو تحدّ بالنسبة لأصحاب القرار"، مقراً بأنه "ليس أولوية بالنسبة إليهم. فقد يحل في المرتبة الثالثة وحتى الأخيرة".

وخلال السنوات العشر الأخيرة، اعتادت العاصمة تنظيم دروس لمحو الأمية، إلا أنها اختفت تماماً.

وتقول رئيسة منظمة "المعلم للجميع" زينب بدر الدين إن اختفاء "برامج محو الأمية يعود إلى عجز الدولة عن تقديم الدعم المالي". تُضيف: "سابقاً، كان يصار إلى الاستفادة من المدارس في المساء لإعطاء دروس محو الأمية". وتلفت إلى أن الناس أيضاً لم يعد لديهم الوقت الكافي للتعلّم في ظل الوضع الاقتصادي الصعب".

وتشير بدر الدين إلى أن "نسب الأمية ترتفع، وقد تصل إلى أكثر من 50 في المائة، فيما تقدر نسبة الأمية بين النساء الراشدات بـ 80 في المائة". تضيف أن "منظمات المجتمع المدني العاملة في هذا المجال تواجه بمشكلة حقيقية تتعلق بالتمويل والدعم خاصة، علماً أن المنظمات الأممية لا تدعم إلا برامج الدولة".

أما عن التحديات، فتقول: "هناك عدم صرف حكومي وعدم ربط للتنمية بالتعليم، عدا الظروف المعيشية الصعبة"، لافتة إلى أن استمرار الأمية "يعد أزمة حقيقية باعتبار أن الجهل يُعطّل التنمية".

المساهمون