وسط مخاوف من حدوث كساد اقتصادي يؤدي إلى أزمة مال عالمية بسبب الحرب التجارية المشتعلة بين واشنطن وبكين، واضطراب أسواق المال وانهيار أسعار النفط وتفاعل جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، تعقد قمة العشرين التي يحضرها قادة وزعماء دول اضافة إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المتهم في جريمة خاشقجي.
وتضم القمة التي ستعقد يومي الجمعة والسبت المقبلين في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، أكبر 20 اقتصاداً في العالم. ويعادل الحجم الاقتصادي لدول العشرين حوالى 85% من إجمالي الاقتصاد العالمي حسب بيانات صندوق النقد الدولي.
وسبق قمة مجموعة العشرين المقبلة تظاهرات حاشدة منذ يوم الثلاثاء في العاصمة الأرجنتينية احتجاجاً على مشاركة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المتهم بإصدار أمر اغتيال خاشقجي، وكذلك احتجاجاً على سياسات صندوق النقد الدولي الذي ينظر إليه الأرجنتينيون على أنه أحد أسباب الأزمة المالية التي تعيشها بلادهم حالياً، حيث أجبر البلاد على تطبيق سياسات تقشفية عنيفة وزيادة سعر الفائدة على العملة المحلية مقابل منحها قرضا ضخما.
لكن مراقبون ينظرون إلى قمة العشرين التي أنشئت أساساً للتعاون بين الاقتصادات الكبرى والناشئة ونجحت في إخراج العالم من الأزمة المالية العالمية في 2008، على أنها تحولت خلال سنواتها العشر إلى "نادٍ سياسي" يلتقي فيه الرؤساء أكثر منها منظمة فاعلة لحل قضايا العالم الاقتصادية والمالية.
وتنقسم اجتماعات قمة العشرين الحالية إلى مجموعتين، الأولى تضم وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية، وتركز في مناقشاتها على ثلاث قضايا، هي سياسات سعر الصرف، وتمويل البنى التحتية، ونظم الضرائب في العالم، ومن المتوقع أن تتركز اجتماعات المجموعة هذا العام على مخاطر قوة الدولار على الاقتصادات الناشئة وقضايا التهرب الضريبي.
أما المجموعة الثانية فتركز على قضايا اجتماعية وإنسانية، من بينها محاربة الفساد وتطوير النظم السياسية وتداعيات التغير المناخي والمساواة بين الجنسين.
وحسب قناة "يورو تي في"، فإن دول الاتحاد الأوروبي من المتوقع أن تطرح في القمة قضية إصلاح قوانين التجارة المتضمنة في منظمة التجارة العالمية والتي يعترض عليها الرئيس دونالد ترامب.
من جانبها ستطرح فرنسا قضايا تخص الالتزام باتفاقية المناخ وحماية نظام التجارة المتعدد ومحاربة الإرهاب وسبل تمويله.
ومنذ اعتلاء الرئيس دونالد ترامب سدة الحكم في أميركا تحول "التعاون الاقتصادي العالمي" إلى "صراع اقتصادي وتجاري" حسب مراقبين، ولم يعد هنالك غير لغة الحظر والرسوم الجمركية والمنع من دخول السوق الأميركي. ولم تتمكن اجتماعات قمة العشرين في العام الماضي بألمانيا من إصدار بيان ختامي، بسبب رفض الوفد الأميركي تضمين كلمة حرية التجارة في البيان.
ومن المتوقع، وحسب صحيفة "ذا غارديان البريطانية"، أن يكون الاهتمام في قمة العشرين المقبلة بالاجتماعات الجانبية التي ستعقد بين الرؤساء، وليس على مواضيع القمة نفسها التي تبدو حتى الآن فضفاضة.
وعلى رأس الاجتماعات الثنائية اللقاء المتوقع بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ. تأمل أسواق المال أن يثمر اجتماع ترامب وشي في خفض حدة التوتر التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم، إذ أدى هذا التوتر إلى اضطراب كبير في أسواق المال، خاصة سوق "وول ستريت" وأسهم شركات التقنية الأميركية التي تعتمد على السوق الصيني في جزء كبير من مبيعاتها وتصنيع الشرائح المستخدمة في الهواتف النقالة.
وتعاني أسواق المال حالياً من مخاطر تباطؤ النمو العالمي وفقدان جزء من السوق الصينية واحتمالات تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني إلى 6.3% حسب آخر التوقعات الرسمية الصادرة من بكين.
وعلى الرغم من التفاؤل الذي أبدته أسواق المال، أمس الأربعاء، بشأن اللقاء المرتقب بين الرئيسين ترامب وشي، إلا أن التصريحات الصادرة من كل من بكين وواشنطن لا تبشر كثيراً. وكان ترامب قد هدد مساء الاثنين برفع نسبة الرسوم الجمركية على بضائع بقيمة 50 مليار دولار من 10% إلى 25%، وهي خطوة نظر لها المحللون على أنها تصعيد في الحرب التجارية.
في هذا الصدد نسبت صحيفة "فاينانشيال تايمز" إلى كبير الاقتصاديين بشركة ناتيكسيس، ترن نيوكين قوله أمس الأربعاء "الأسواق أدخلت في حساباتها مسبقاً الأخبار السيئة التي ربما ترد لها من قمة العشرين، لكن في حال زاد التوتر فإن ذلك سيزيد من التباطؤ الاقتصادي في الصين وأوروبا".
من جانبه، قال المتحدث باسم الخارجية الصينية كنغ شوانغ، إنه "من غير المحتمل إلى حد كبير" أن تقبل الولايات المتحدة طلباً صينياً بتأجيل زيادة الرسوم الجمركية. وأضاف حسب وكالة شينخوا، أن الصين مستعدة لحل القضايا الاقتصادية والتجارية عبر الحوار والتشاور على أساس الجدية والمساواة، مشيراً إلى أن الصين ستحمي بقوة مصالحها وحقوقها المشروعة.
ويبلغ إجمالي الاحتياطيات الأجنبية لدول مجموعة العشرين (باستثناء تكتل الاتحاد الأوروبي) نحو 7.9 تريليونات دولار بنهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتُشكل الاحتياطيات الأجنبية للسعودية 6.4% من الاحتياطيات الإجمالية لدول المجموعة.
واستثني "الاتحاد الأوروبي" من الترتيب كونه يمثل 28 دولة، وبالتالي لا يمكن مقارنته باقتصاد دولة واحدة، فضلا عن عدم تكرار الناتج المحلي لدول الاتحاد الموجودة ضمن القائمة (ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة).
وتتألف مجموعة العشرين من 19 دولة إضافة لرئاسة الاتحاد الأوروبي ليصبح عدد الأعضاء 20، والدول الأعضاء هي: السعودية، الأرجنتين، أستراليا، البرازيل، كندا، الصين، فرنسا، ألمانيا، الهند، إندونيسيا، إيطاليا، اليابان، المكسيك، روسيا، جنوب أفريقيا، تركيا، كوريا الجنوبية، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، مع مشاركة كل من صندوق النقد والبنك الدوليين.