ركّزت الحكومة العراقية على ملف المنافذ البرية مع دول الجوار، خلال الفترة الأخيرة، بغية السيطرة على عمليات الفساد والتهرب الجمركي التي تفقد الدولة مليارات الدولارات سنويا.
يأتي ذلك، بالتزامن مع بدء الحكومة تنفيذ خطة تقشف، وضبط نفقات لمواجهة الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد بفعل تداعيات فيروس كورونا، وتهاوي أسعار النفط، وتراجع إيرادات الدولة العامة بأكثر من 70 في المائة خلال الأشهر الأخيرة.
وشملت الخطة التقشفية، تخفيض رواتب وامتيازات مختلفة لموظفي الدولة والرئاسات الثلاث وإيقاف النفقات غير الضرورية، وإلغاء رواتب عشرات الآلاف من الذين تم تصنيفهم على أنهم متضررون من نظام صدام حسين، إذ اعتبر الكاظمي أن تلك الرواتب تستهلك الكثير من أموال الدولة، وأن عراقيي الداخل تضرروا أكثر من الذين كانوا في الخارج في إشارة إلى من تشملهم الرواتب التي تتجاوز شهريا 60 مليار دينار.
وقال رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، مؤخرا، إن "هناك هدرا كبيرا يقدر بمليارات الدولارات، نتيجة عدم سيطرة الدولة على المنافذ الحدودية البرية والبحرية، جراء وجود جماعات خارجة عن القانون تحاول السيطرة على الأموال"، لافتا إلى أنه "تم وضع خطة للسيطرة على جميع المنافذ الحدودية البرية والبحرية، وسنرفد الدولة بمليارات الدولارات من تلك المنافذ".
وحسب مسؤولين عراقيين تحدثوا لـ"العربي الجديد" فإن الكاظمي أوعز بتشكيل خلية عمل مشتركة بين وزارات الدفاع والداخلية والمالية وجهاز المخابرات بهدف إنهاء ملف الحدود البرية والبحرية وضبط عملها بعيدا عن تدخل الأحزاب والجماعات المسلحة، مؤكدين أن الخلية ستباشر عملها قريبا.
وقال أحد المسؤولين، إن "المنافذ مع إيران تستأثر بنحو 80 بالمائة من عمليات الفساد المالي".
من جانبه أكد الخبير الاقتصادي العراقي، عبد الرحمن المشهداني، لـ"العربي الجديد"، أن الإيرادات الحدودية للدولة يمكن أن تضمد جزءا كبيرا من أزمة البلاد الحالية حيث تشكل مع الضرائب والرسوم الجمركية الجزء الأهم من الإيرادات غير النفطية في العراق".
وأوضح أن "العراق يمتلك نحو 22 منفذا حدوديا متمثلة بالمنافذ البرية والبحرية والمطارات، لكن جميع هذه المنافذ لم تلبِّ الإيرادات المتوقعة التي يفترض أن تدخل ضمن الموازنة العامة".
وحسب المشهداني فإن "ما دخل للموازنة من هذه الإيرادات طيلة السنوات الماضية لا يتجاوز ربع الدخل الحقيقي المفترض، باستثناء بعض السنوات في فترة حكم رئيس الوزراء السابق، حيدر العبادي، وخصوصاً ما بين عامي 2016 و2017 حيث ارتفعت فيها الإيرادات المتحققة للدولة إلى نحو 3 مليارات دولار تقريباً"، لافتاً إلى أن الأموال المهدورة عبر المنافذ الحدودية منذ 2003 ولغاية اللحظة تقدر بنحو 100 مليار دولار.
وعزا المشهداني سبب ذلك إلى استشراء الفساد داخل المنافذ الحدودية بشكل كبير، فضلا عن هيمنة بعض الجهات السياسية المتنفذة التي تمتلك أذرعاً مسلحة.
وأشار إلى أن ما بين 5 و6 منافذ حدودية مع إيران تفقد الدولة السيطرة عليها بعد السادسة مساء وتكون تحت سيطرة مليشيات معروفة ناهيك عن عمليات التهريب عبر المنافذ غير الرسمية، مضافا إليها الإعفاءات الجمركية لسلع كثيرة لجهات حكومية وغير حكومية مثل عمليات الاستيراد التابعة للوزارات والعتبات الدينية ومجالس المحافظات وإعفاءات أخرى تحت عناوين كثيرة.
في المقابل، قال مقرر اللجنة المالية البرلمانية، أحمد الصفار، في حديث صحافي إن 10 إلى 20% فقط من إيرادات المنافذ الحدودية تعود إلى خزينة الدولة، فيما تذهب بقية الإيرادات إلى جيوب المليشيات والأحزاب وبعض الشخصيات السياسية المتنفذة.
وأضاف: "لذا على رئيس الوزراء العراقي إجراء إصلاحات في المنافذ الحدودية ووضع حد لما يحصل فيها، وهذه الخطوة من شأنها إعادة إيرادات كبيرة سنوياً لصالح الدولة".
من جانبه، قال النائب صباح العكيلي، في حديث مع "العربي الجديد" إن "المنافذ الحدودية في الظروف الطبيعية من المفترض أن تدر ما لا يقل عن 6 مليارات دولار سنويا، لكن ما يصل إلى ميزانية الدولة لا يتجاوز مليار دولار، بينما تذهب المليارات الأخرى إلى جيوب الفاسدين المسيطرين على هذه المنافذ.
وأضاف أن أغلب المنافذ الحدودية تسيطر عليها جماعات مسلحة تابعة لجهات سياسية متنفذة وأخرى عشائرية تسكن بالقرب منها مستغلة ضعف الحكومة وفساد الجهات الرقابية التي باتت تحتاج إلى جهات مختصة لتراقب فسادها".
وأشار العكيلي إلى أن المنافذ الحدودية تعد واحدة من أهم روافد الموازنة ومن أسهل مصادر الإيرادات التي يمكن للدولة إن تفرض سيطرتها عليها إذا كانت جادة في ذلك ومحاسبة المتورطين يهدر أموال العراق المنهوبة من إيرادات المنافذ الحدودية".
ويمتلك العراق 22 منفذا حدوديا منها 9 برية مع دول الجوار وهي زرباطية والشلامجة والمنذرية والشيب مع إيران، وسفوان مع الكويت، وطريبيل مع الأردن، والوليد مع سورية، وعرعر وجديدة عرعر مع السعودية، كما تمتلك البلاد منافذ بحرية في محافظة البصرة جنوبي البلاد، ومنافذ إقليم كردستان شمال العراق.
وفي محاولة للسيطرة على المنافذ الحدودية، قدمت هيئة المنافذ الحدودية مقترحاً لرئيس الوزراء لإرسال قوات أمنية لمواجهة أي تدخل خارجي.
وقال رئيس هيئة المنافذ، عمر الوائلي، في تصريح صحافي، مؤخرا، إن "هيئة المنافذ قدمت مقترحا إلى الكاظمي بخصوص إرسال قوات أمنية معززة لأمن المنافذ، لغرض ضمان عمل آمن الكوادر العاملة في داخل المنفذ الحدودي وإشعارهم بالعمل في بيئة جيدة ولمواجهة أي تدخل خارجي من قبل بعض العصابات الخارجة عن القانون".
وأضاف أنه "لغاية الآن لم يتحرك جهاز مكافحة الإرهاب، وننتظر انتشاره في المنافذ العامة بعد توجيهات القائد العام"، نافياً "انتشار قوات جهاز مكافحة الإرهاب في منافذ الإقليم أو في غيرها من المنافذ العراقية".
وأوضح الوائلي أن "هيئة المنافذ الحدودية تسعى في ظل الأزمة المالية الراهنة إلى العمل على زيادة الإيرادات الحكومية بما يدعم خزينة الدولة الاتحادية ووضعت خططا مدروسة، لكي تأخذ الهيئة دورها وفق ما حددته لها القوانين والتعليمات، في الإشراف والرقابة والتدقيق والتحري الأمني وتطبيقها بصرامة للكشف عن حالات الفساد والتهريب، بالتعاون المشترك مع الدوائر العاملة في المنافذ الحدودية".
ويواجه العراق أزمة مالية كبيرة انعكست على مختلف القطاعات، وعطّلت إقرار مشروع موازنة 2020 الذي أعد في ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي والبالغ نحو 115 مليار دولار وبعجز يبلغ قرابة 18 مليار دولار.
وهناك تحرك مقرر باتجاه عدة جهات دولية لإعفاء العراق هذا العام من دفع ما عليه من ديون وفوائد للحد من أزمته المالية.
وكشفت اللجنة المالية في البرلمان العراقي، عما وصفته بالموارد الضائعة للعراق التي يجب استعادتها وإضافتها إلى الموازنة.
وقال مقرر اللجنة المالية النيابية، أحمد الصفار، في بيان سابق له، إن ما بين 20 إلى 30 موردا ماليا للعراق يجب أن تدخل ضمن موازنة العام الحالي وبسبب الفساد لم تدخل في السنوات الماضية.