كارثة اسمها زيادة التضخم

10 يناير 2017
الأسعار باتت فوق قدرة الغالبية العظمي من المصريين(كريس ماكجراث/Getty)
+ الخط -



عندما يتجاوز معدل التضخم في مصر 25% خلال شهر ديسمبر الماضي كما أعلن البنك المركزي المصري ظهر اليوم، فإن هذا يعني أننا أمام أزمة، اقتصادية واجتماعية، بل وسياسية، لا تقل في خطورتها عن قرار تعويم العملة المحلية بداية شهر نوفمبر الماضي.

ذلك لأن هذا المعدل يعد الأعلي من نوعه في تاريخ البلاد، كما يعني أن الأسعار باتت فوق قدرة الغالبية العظمي من المصريين، كما أن هذا المعدل يعرقل خطط الحكومة في تحريك الاقتصاد وجذب استثمارات خارجية.

وحتى لا يصبح الكلام انشائياً تعالوا نطبق ذلك على أرض الواقع، وذلك حتى نتعرف كيف تتحول الارتفاعات الكبيرة في معدلات التضخم لأزمات لكل من الحكومات والدين العام والاقتصاد الكلي ومناخ الاستثمار والقطاع المصرفي، خاصة وأنه يصاحب هذه الزيادة ارتفاعات في معدلات الفقر والافلاس، بل والانتحار.

فعندما يقرر أي مستثمر أجنبي توجيه أمواله نحو بلد ما، فإن من أبرز المؤشرات التي ينظر إليها ويحللها جيداً معدل التضخم السائد داخل الدولة، والذي يعني مستوى الأسعار السائد داخل الأسواق والقدرة الشرائية للمستهلك، إضافة لرصد مؤشرات أخرى، منها مخاطر الاستقرار السياسي والفساد وقوانين حماية الاستثمارات واستقرار سوق الصرف وتوافر الدولار وسهولة دخول وخروج الأموال وتكلفة الانتاج وغيرها، والمستثمر يبعد عادة عن الدول ذات معدلات التضخم العالية، أو يقبل الاستثمار بها إذا كانت الأرباح المتوقعة عالية وتزيد كثيرا عن مستوي التضخم.

وعندما ينظر المستثمر لمستوى دخول ومعيشة الأفراد في أي دولة، فإن مؤشر التضخم يعد من أبرز المؤشرات التي تحدد هذا المستوى، ذلك لأن التضخم يشل حركة الأسواق ويقلل عمليات الشراء.

وعندما تنظر للعملات الأكثر إيداعاً في البنوك، وما إذا كان المتعاملون مع القطاع المصرفي يفضلون الإيداع بالعملة المحلية أم بالدولار واليورو والاسترليني وغيره، فإن معدل التضخم هو الذي يدلك على ذلك، ففي حال زيادة التضخم يبعد المدخرين عن العملات المحلية.

ببساطة، التضخم من أهم المؤشرات الاقتصادية في بلد ما، وزيادته تعد من أخطر الأمراض التي تواجه حكومة أي دولة، وذلك لخطورته الشديدة على ذلك المجتمع والأسواق والاستثمار، ذلك لأن ارتفاعه يؤدي لنتائج كارثية، منها مثلا زيادة الأسعار والضغط على المواطن وتفاقم أوضاعه المعيشية.

كما أن زيادة التضخم في بلد ما تعني الضغط بشدة على العملة المحلية وتآكل المدخرات الوطنية ودخول شرائح اجتماعية دائرة الفقر، واندفاع المدخرين نحو حيازة النقد الأجنبي والتخلص من العملة المحلية.

والأخطر كذلك أن زيادة التضخم تطرد الاستثمارات الأجنبية، بل وتؤدي لحدوث تراجع في الاستثمارات المحلية، مع زيادة كلفة الأموال على القروض المصرفية، والنتيجة زيادة معدلات البطالة والافلاس، وخروج مصانع من دائرة الإنتاج، وفقدان بعض العمال لوظائفهم.

وفي ظل زيادة التضخم تلجأ البنوك لإجراء زيادات في سعر الفائدة على الودائع حتى لا يهرب المودعون لعملات أخرى وحتى لا تتحول العملة المحلية إلى عملة طاردة للأموال، وخاصة أن منح البنك سعر فائدة للعميل يقل عن معدل التضخم السائد فإن هذا يعني ببساطة أن المودع يخسر جزءاً من أمواله، وهو الفارق بين سعر الفائدة بالبنوك ومعدل زيادة الأسعار في الأسواق (التضخم).

ومع زيادة التضخم تتحرك الحكومات بشكل سريع لاحتواء المشكلة عبر وسائل عدة منها زيادة الإنتاج بهدف توفير سلع رئيسية للسوق، وزيادة أسعار الفائدة على أدوات الدين الحكومية كالسندات والأذون، وكذا زيادة عائد الأوعية الادخارية الصادرة لصالح الحكومة.

كما تلجأ الحكومات لزيادة الرواتب والأجور للعاملين بالجهاز الإداري بالدولة ضمن أساليب أخرى لاحتواء الزيادة في أسعار السلع، كما يقوم البنك المركزي بسحب السيولة من السوق، ونتيجة هذه التحركات الطبيعية حدوث شلل في الاستثمار، وزيادة في حجم الدين العام المحلي.

التضخم شر قد يدفع المواطنين إلى النزول للشارع، كما حدث في دول بأميركا اللاتينية أخيراً، وفنزويلا أحدث الأمثلة.


المساهمون