بالأرقام ... شركات السياحة والسفر في لبنان أمام خطر الإفلاس

27 مارس 2020
فيروس كورونا يكبّد السياحة خسائر باهظة (محمود زيات/فرانس برس)
+ الخط -
هزّ وباء كورونا في أقلّ من شهرٍ قطاعاً يعد بمثابة منجم ذهبٍ للشركات المنضوية فيه، قطاعٌ "يؤوي" أكثر من 2.7 مليون شخصٍ حول العالم يعيشون اليوم أسوأ أزمة تمرّ في تاريخ "السياحة والسفر"، بحسب تقرير الاتحاد الدولي للنقل الجوي "إياتا".

اليوم، تخوض شركات الطيران معركة البقاء في ظلّ انتشار فيروس كورونا الجديد، وارتفاع الإجراءات والقيود المفروضة على السفر، وتعليق الكثير من الرحلات، وصولاً إلى إقفال بعض المطارات كلياً في عددٍ من البلدان، ما يضعها أمام خطر الإفلاس.

الكارثة الحقيقية تقع في لبنان، البلد الصغير الذي كان ينتعش من القطاع السياحي ويصمد بفضل أرباحه، هو اليوم في حالة "التعبئة العامة" التي تفرض إقفال مطاره الوحيد "رفيق الحريري الدولي" في بيروت وتعليق الرحلات كافة، ما جعلَ أكثر من خمسة آلاف موظف يعيشون اليوم هاجس البطالة وفقدان المدخول.

واقعٌ، لا ينكره وزير السياحة اللبناني السّابق أواديس كيدانيان (تولى الوزارة من 2016 حتى 2019)، الذي يرى، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنّ شركات كبيرة تواجه خطر الإفلاس وقد تكون مقبلة على الإقفال النهائي، ولاسيما إذا طالت أزمة كورونا، وهي التي سبق أن عانت من وضع صعب جداً في الثلاثة أشهر الأخيرة.

ويشير كيدانيان إلى أنّ القطاع السياحي في لبنان مرّ بمراحلٍ ثلاث قبل الوصول إلى الانعدام الكامل، الذي خلّفته أزمة كورونا. المرحلة الأولى، ما قبل 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، حيث كانت الأرباح تصل إلى ملياري دولار سنوياً من مبيع تذاكر السفر.
بيد أنّ الخسائر بدأت تظهر في المرحلة الثانية، أي بعد الانتفاضة الشعبية، وذلك ربطاً بأزمة الدولار وارتفاع سعر الصرف، ما فرض على شركات السياحة بيع التذاكر بالدولار، مع تجاوز سعر الصرف عتبة الألفين ووصوله إلى 2500 ليرة، في حين كانت شركة طيران الشرق الأوسط تبيعها وفق السعر الرسمي، أي (1515 ليرة تقريباً).

ويضيف "هذا الواقع جعل الزبون يحجز بطاقات السفر مباشرة عبر طيران "الشرق الأوسط MEA"، ما أدى إلى انخفاض حركة البيع بنسبة 80% عند شركات السياحة، مقارنةً مع الفترات نفسها إنما للسنوات السابقة.

ويشير كيدانيان إلى أنّ القيمين على القطاع حاولوا بداية مع حكومة سعد الحريري قبل استقالتها في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي إيجاد صيغٍ معيّنة استُكمل البحث فيها مع مجلس الوزراء الجديد الذي يرأسه حسان دياب، وتم الوصول إلى صيغٍ مختلفة، بيد أنّ أزمة كورونا أدخلت القطاع في المرحلة الثالثة، وهي الانعدام التام.

ويلفت الوزير السّابق إلى أنّ وباء كورونا أدخل قطاع النقل الجوي في العالم في خسائر فاقت الـ252 مليار دولار، بحسب تقديرات "إياتا"، ولنا أن نتخيّل تأثيره على لبنان الذي يعيش في الوقت نفسه أزمة اقتصادية حادّة جدّاً انضمّ اليها القطاع السياحي الذي يواجه اليوم نكسة كبيرة وخطيرة.

الحلّ اليوم للخروج من أزمة كورونا مرتبطٌ بقرار عالميّ يصدر عن "إياتا"، وليس بمقدور الحكومة أن تفعل شيئاً في هذا المجال، باستثناء القرارات التي تصدرها مع جمعية المصارف لناحية الإعفاءات والمهل والتدابير التي تخفف من الأعباء المادية الملقاة على شركات السياحة. يقول كيدانيان.

في المقابل، يرى وزير السياحة السّابق أنّ من الحلول التي يجب أن يُعمل عليها لما بعد انتهاء أزمة كورونا وتفادي الوقوع في خسائر "المرحلة الثانية" تتمثّل في خلق وحدة معايير تعيد إحياء القطاع، وتوحيد الأسعار لتحقيق العدل في التعاطي مع المستهلك، وإنصاف الشركات الصغيرة التي فقدت زبائنها لصالح الشركات الكبيرة، وأن لا تبيع شركة طيران الشرق الأوسط التذاكر مباشرة إلى الزبون لمدة 3 أشهر، ما يجبره على الذهاب إلى شركات السياحة والسفر، ما يعيد إليها نسبة من خسائرها، أو اعتماد سعر الصرف الأسبوعي كما تفعل كثير من دول العالم.

كيدانيان يتوقف أيضاً عند نقطة مهمة جدّاً من شأنها أن تساعد الشركات، سبق أن بدأها في وزارته من خلال حملة إقفال المؤسسات غير المرخصة، حيث إنّ في لبنان 600 شركة سياحة وسفر ليست كلّها مرخصة، من هنا فإنّ تنظيم القطاع له أن ينصفَ الشركات المرخصة مادياً وربحياً.

من جهته، يشير زياد العجوز، صاحب وكالة "العجوز للسياحة والسفر"، إلى أنّ الاستمرارية صعبة جدّاً لأن الوضع للأسف كارثي وأصبحنا ندفع للموظفين وعددهم 25 شخصاً من لحم الحيّ، مع حرصنا على عدم خفض الرواتب، فكيف السبيل إلى الصمودِ؟!
ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ شركات السياحة والسفر عانت من مشاكل كثيرة ظهرت أواخر العام الماضي، وارتفعت حدّتها مع أزمة الدولار وقيام شركة طيران الشرق الأوسط ببيع التذاكر مباشرة للزبائن، ما أحدث صدمة بالنسبة إلينا، قبل أن يظهر وباء كورونا الذي شكّل الضربة القاضية.

ويلفت العجوز إلى أنّ مبيعات الوكالة تراجعت كثيراً في الأشهر الثلاثة الأخيرة بحدود 40 إلى 50 في المائة، وذلك على صعيد القطاع السياحي ككلّ وعالم التذاكر، أما خسائر الرحلات والعطلات التي تتضمّن سلّة الأعياد فقد وصلت إلى 70% تقريباً. مضيفاً، أن شركته تعدّ الرقم واحد لناحية الرحلات إلى الصين، وتحديداً إلى جوانزو. ومنذ 25 يناير/كانون الثاني الماضي، لم تبع الوكالة أي تذكرة، كما أن 80% من الحجوزات ألغيت عبر الزبائن، حتى تلك التي حجزت في يوليو/تموز المقبل.

ويشير إلى أنّ المشكلة تكمن أيضاً في الشركات العربية والعالمية مثل الإماراتية والتركية التي أرجأت رحلاتها كلّها إلى الشهر المقبل، الأمر الذي يؤثر علينا حتى لو فتح مطار رفيق الحريري، من دون أن ننسى حركة الطيران التي عادة تنخفض مع حلول شهر رمضان. من هنا يتمنى العجوز على وزارة السياحة النظر إلى وضع القطاع لمساعدته قدر الإمكان وإيجاد حل كذلك لأزمة الدولار.

"الوضع كارثي وتعيس"، وصفٌ استعمله إيلي نخال صاحب شركة "نخال للسياحة والسفر" للتعليق على وضع قطاع السياحة والسفر، مشيراً إلى أنّ إقفال المطارات في لبنان كما العالم قضى علينا.

ولفت إلى أنّ المساعدات التي يقدمها البنك المركزي والحكومة من شأنها أن تكون مفيدة بعض الشيء، ولكن للأسف فقدنا الثقة بالدولة اللبنانية، وننتظر أن نلمسَ المساعدات لا نسمع عنها فقط.
وشدّد على أنّ القطاع لن يخرج من أزمته حتى لو انتهى وباء كورونا، لأنّ مشكلة الدولار لا تزال موجودة ولم تُحلّ بعد، ما يؤثر جداً علينا، ولا سيما أننا كشركة لا نبيع التذاكر فقط، بل ندفع حجوزات الفنادق، فكيف السبيل إلى دفعها من دون توفر السيولة؟ متمنياً على الوزارة أن تنظر إلى القطاع السياحي الذي يعيش أسوأ فتراته.

ويقول مصدر مقرّب من وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة، رمزي مشرفية، لـ"العربي الجديد"، إنّ الأولوية بالنسبة إلى الوزير اليوم تتمثل في ملف كورونا والمساعدات الاجتماعية، إذ يخصص 80% من وقته واجتماعاته لدراسة أوضاع المناطق والعائلات وتأمين أكبر قدر ممكن من البدائل العينية لمن فقدوا أعمالهم وخسروا مداخيلهم خلال هذه الفترة، رغم إدراكه صعوبة الوضع الذي تمرّ به شركات السياحة والسفر في لبنان.


وكان وزير المال غازي وزني أصدر الاثنين الماضي قراراً حول تعليق كافة المهل المتعلقة بالموجبات التي تترتب على المكلفين بالضرائب والرسوم التي تحققها وتحصلها مديرية المالية العامة.

 كما أصدر حاكم "مصرف لبنان" رياض سلامة، تعميماً حول التسهيلات الممكن أن يمنحها "المركزي" للمصارف وللمؤسسات المالية، وتضمّن قراراً وسيطاً حمل الرقم 13213، انطلاقاً من "المحافظة على المصلحة العامة في الظروف الاستثنائية الراهنة التي تمر بها البلاد".

المساهمون