فرض فيروس كورونا وضعاً جديداً على أسواق العمل في العالم، خاصة بالدول الأكثر إصابة بالوباء مثل بريطانيا التي خاضت فيها نسبة كبيرة من العمالة بالقطاعين العام والخاص تجربة غريبة على الكثيرين منهم، لكنّها على ما يبدو أثبتت فاعليتها في وظائف كان يُعتقد أنّه من الأفضل إنجازها من المكتب.
ورغم ذلك ما تزال الأمور مبهمة، لأنّ اختبار هذه التجربة لا يزال في أسابيعه الأولى وإذا طال الأمد فقد تتبدّل الأوضاع. وفي هذا التقرير، تقدّم "العربي الجديد" تجارب موظفين من قطاعات مختلفة، اضطروا إلى العمل من المنزل.
نينا جوزيف (23 عاماً)، بريطانية تعمل في شركة "CBRE" وهي أكبر شركة خدمات واستثمارات عقارية تجارية في العالم: تنقل لنا تجربتها مع العمل من المنزل قائلة "أعمل موظفة استقبال وأقوم بمشاريع صغيرة مع فريق العمل، أستمتع بالعمل من المنزل، في الواقع، إنّه مريح. لكن أشعر أحياناً بالملل، لأنّ طبيعة عملي تفرض عليّ التواصل بشكل دائم مع الناس".
تجربة أخرى ينقلها لنا دوغلاس براين، موظف في شركة سيسكو، الرائدة عالميًا في مجال تكنولوجيا المعلومات والشبكات وحلول الأمن السيبراني، حيث يثول إنّ العمل من المنزل جيّد إذا استطعنا توفير بيئة مطابقة للمكتب. عادة كان يستغرق وقت وصولي إلى المكتب حوالي ساعة ونصف الساعة، بينما أستطيع استخدام هذا الوقت لإنجاز مسؤوليات كثيرة عندما أعمل من المنزل.
وعاد براين ليؤكد أن "الأهم هو حاجتي إلى مكان للتركيز، من دون وجود زوجتي وأولادي من حولي. مع العلم أنّ مع فيروس كورونا، يحتاج الأطفال إلى التسلية واللعب. لذلك برأيي أنّ العمل من المنزل أفضل بكثير إن استطعنا إيجاد نوع من التوازن".
العمل من المنزل داخل بريطانيا امتد لقطاعات عدة، شركات التكنولوجيا وتقنية المعلومات، البنوك والأعمال المالية، العقارات والسمسرة، التعليم، ووسائل الإعلام من صحف وفضائيات.
وما يثير قلق مسؤولين حكوميين وخبراء اتصالات هنا هو أن الزيادة السريعة في عدد الأشخاص الذين يداومون من منازلهم يمكن أن يسبب مشاكل لشبكة الإنترنت في البلاد، حيث يعاني أكثر من 4 ملايين منزل في المملكة المتحدة من اتصالات أبطأ من متوسط سرعة "واي فاي" المتاحة للجمهور في شبكة مترو أنفاق لندن، حسب تقرير لموقع Uswitch المتخصص.
تجربة التعليم
"التعليم أونلاين يختلف عن التدريس وجهاً لوجه، لأنّنا نحتاج إلى أساليب أخرى لحث الطلاب على التركيز"، هذا ما يقوله عبد الله أبو ملحم، رئيس قسم الماجستير في جامعة "instituto Marangoni London".
ويكمل: "هناك تحدّيات كثيرة، منها وجود ضغط كبير على الإنترنت من جميع الجامعات والشركات"، مشيرا إلى أن الجامعات بدأت في استخدام برامج خاصة للتعليم من خلال الإنترنت، مثل "زوم" أو " موديل" أو "هانغ أوت"، لكن هذه البرامج تتعطّل أحياناً بسبب الضغط عليها.
يضيف أبو ملحم: "من المشاكل التي تواجهنا في التعليم أونلاين، صعوبة التأكد مما يقوم به الطلاب، هل ينصتون؟ أم يكتبون رسالة؟ أم يقومون بأي عمل آخر؟ وهناك طلاب دوليون يعيشون في دول يختلف توقيتها".
خلال الأسبوعين الماضيين، وبسبب انتشار فيروس كورونا، أغلقت "كلية لندن للتدريب المهني".
ويقول حسام محمّد، المدير الأكاديمي في الكلية، إنّ "الكلية تحاول تنظيم جميع المحاضرات والندوات للطلاب عبر الإنترنت، مع العلم أنّ الكلية كانت تقدّم برامج التعلم عن بعد. لكن في الحالة الرّاهنة، اختلفت الأمور على نطاق واسع، لأنّه بات عليهم تدريس جميع الطلاّب المسجّلين في الفصل (بدوام كامل). وبالتالي، سيحتاجون إلى إعادة ترتيب الجداول الزمنية، وتحسين نموذج الإنترنت لاستيعاب المزيد من الطلاب".
أما رومينا ساباريزي، بريطانية من أصول إيطالية، وتعمل في السلطة المحلية، فتقول: إن من إيجابيات هذه التجربة، الراحة التي نتمتع بها في المنزل والمرونة في العمل وتوفير الوقت ومصاريف الوقود.
وتكمل أن هناك صعوبات تواجهها بالنسبة لنوع عملها مع اللاجئين، على سبيل المثال حين يتعرّض أحدهم إلى مشكلة تتعلّق بحسابه في البنك، وتحاول الإبلاغ عن الأمر نيابة عنه، كونه يجهل اللغة الإنكليزية، يرفض البنك أن يتعامل معها ويطلب التحدّث إلى صاحب الحساب.
تضيف ساباريزي: "إنّ إيجابيات العمل من المنزل تبدو أكثر من السلبيات ويكفي أنها تجنبنا مخاطر الإصابة بكورونا".
وحتى صباح أمس الخميس، تأكدت إصابة 29474 شخصا في بريطانيا وارتفع عدد الوفيات بنسب كبيرة، حسب بيانات رسمية. ومع زيادة تفشي الوباء، وعد رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، أمس بزيادة الفحوص للكشف عن المصابين.