تحديات أمام الـ100 يوم الأولى للرئيس الأميركي

18 نوفمبر 2016
ترامب وتسويق أحلام إعادة المجد الأميركي (كريستوفر غريغوري/Getty)
+ الخط -
ربما يتوهم البعض أن "ترامب المرشح" سيختلف كثيراً عن "ترامب الرئيس". ولكن يبدو وحتى الآن، ومن خلال تصريحاته وما ينشره فريقه الانتقالي على مواقع الإنترنت، أن ترامب ربما لن يتغير كثيراً، حينما يصبح رسمياً رئيس الولايات المتحدة في 20 يناير/ كانون الثاني، ربما في السلوكيات وليس في البرنامج الاقتصادي. 
لقد بنى المرشح دونالد ترامب نجاحه في الوصول إلى البيت الأبيض، على كسب أصوات العمال والطبقة الوسطى في أميركا التي تضررت من السياسات النقدية التي أسست لصناعة الثراء الأميركي على المتاجرة في سوق "وول ستريت" عبر الحصول على التمويلات الرخيصة التي واصل بنك الاحتياط الفدرالي "البنك المركزي الأميركي" ضخها في محافظ البنوك طوال العقود الماضية، خاصة في عهد الرئيس باراك أوباما، الذي شهد أكبر سياسات "تحفيز كمي" في التاريخ الأميركي.
والآن وبعد أن أصبح رئيساً محمولاً للبيت الأبيض على أكتاف العمال، ينوي دونالد ترامب تحويل الثراء في أميركا من عالم "وول ستريت" وطباعة الأوراق النقدية في "بنك الاحتياط الفدرالي"، التي أفادت المصارف والعائلات الثرية في أميركا إلى عالم الإنتاج عبر التصنيع والتنجيم والتنقيب وتحديث البنى التحتية في أميركا. ويرى الرئيس ترامب أن ذلك سيفيد العمال ويقوي نفوذه السياسي في أميركا، وربما يوفر له الفوز بفترة رئاسية ثانية، ويحفر اسمه في التاريخ على أنه "الرئيس الذي أعاد المجد الأميركا".
هذه آمال ترامب التي تحمس لها طوال الحملة الانتخابية وأقنع بها ملايين العمال الذين صوتوا له في الحملة الانتخابية، ولكن كيف ينظر الاقتصاديون إلى برنامج ترامب الاقتصادي، وما هي التحديات التي تواجه هذا البرنامج على صعيد التمويل ولغة الأرقام التي تترجم المكاسب والخسائر.

يرى بعض الاقتصاديين، خاصة من مناصري الحزب الجمهوري أن البرنامج يبدو جذاباً من الوهلة الأولى. وبنظرة متفائلة، يمكن القول، إذا نجح الرئيس الملياردير في تطبيقه سيخلق ملايين فرص العمل في الولايات المتحدة، وسيعيد صناعات الحديد والصلب والفحم، ويرفع إنتاجية النفط والغاز الطبيعي، ويعيد الحياة إلى مدن تدمرت وأصبح ينعق فيها البوم. وذلك مثل مدينة ديترويت التي هجرها مواطنوها في أعقاب انهيار صناعة السيارات، وأفلست مصانع "جنرال موتورز" وفورد. كما سيحيي الآف المدن والقرى بولايات أوهايو وبنسلفانيا وويسكنسن في الوسط والوسط الغربي الأميركي. 
وبنظرة إلى برنامج ترامب في الـ 100 يوم الأولى، يلاحظ أنه ركز في نقاطه الرئيسية على دعم وظائف العمال والطبقة الوسطى في أميركا، وبالتالي يمكن القول إنه يمثل انقلاباً حقيقياً في صناعة الثروة في أميركا.

الخطة الاقتصادية 

تشير خطة العمل الاقتصادية والمالية التي أعلنها ترامب أول مرة في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول في خطاب بمدينة غيتسبيرغ بولاية بنسلفانيا، وأكد عليها فريقه الانتقالي إلى النقاط التالية:
أولاً: سيعمل مع الكونغرس على إعادة التفاوض حول اتفاقية التجارة الحرة مع كل من كندا والمكسيك التي تعرف اختصاراً باتفاقية "نافتا" أو الانسحاب منها، مستغلاً في ذلك المادة 2205 من الدستور الأميركي، التي تخوله فعل ذلك دون الرجوع إلى الكونغرس.
ثانياً: إعلان الانسحاب من اتفاقية الشراكة عبر الباسيفيكي المعروفة اختصاراً باسم "تي بي بي"، وهي اتفاقية للشراكة الاقتصادية وفتح الأسواق مع العديد من دول آسيا وجنوب شرقي آسيا وكندا والمكسيك.
ثالثاً: الطلب من وزير الخزانة إعلان الصين دولة "متلاعبة بالعملة".
رابعاً: الطلب من وزير التجارة تحديد كل الممارسات التجارية غير العادلة والمضرة بمصالح العمال والصناعة والخدمات في أميركا لمعاقبة الدول المتورطة فيها. وقال الرئيس ترامب في هذا الصدد، إنه سيستخدم القانون الأميركي والقانون الدولي لإنهاء هذه الممارسات. ومن بين الإجراءات التي ينوي اتخاذها في هذا المجال فرض ضريبة بنسبة 35% على البضائع المكسيكية وضرائب بنسبة 45% على البضائع الصينية.
خامساً: الطلب من الكونغرس إصدار قانون يمنح المستثمرين في البنى التحتية إعفاءات ضريبية تقدر قيمتها بحوالى 137 مليار دولار.
سادساً: تشديد إجراءات الهجرة والطلب من الكونغرس إجازة ميزانية لبناء حائط بين أميركا والمكسيك.
وتستهدف هذه النقاط في مجملها حماية العمال في أميركا الذين تضرروا من إغراق أسواقهم بالبضائع الرخيصة المستوردة ومن المهاجرين الأجانب الذين تفضل الشركات توظيفهم بأتفه الأجور على حساب العامل الأميركي. وحماية المنتج الأميركي وإفساح المجال للشركات الأميركية للاستفادة بشكل أكبر من السوق المحلي الذي تقدر قيمته الشرائية بحوالى 11 ترليون دولار.
ولكن كيف يقيم الخبراء الخطة من الناحية الواقعية؟
يصف الخبير الاقتصادي الزميل بمعهد بروكغنز للدراسات الاستراتيجية في واشنطن، جوشوا ميلترز، خطة ترامب بأنها جيدة، لكنه يقول إنها متناقضة وتتضارب مع بعضها البعض، وهو ما يهدد الفوائد المرجوة منها. ولا يستبعد الخبير ميلتزر أن تكون لهذه السياسات تداعيات سالبة على العمال أنفسهم. ويضرب في دراسة تحليلة صدرت هذا الأسبوع، مثلاً على ذلك بقوله إن إلغاء اتفاقية النافتا وهي اتفاقية التجارة الحرة مع كندا والمكسيك، اللتان يعتبران من أكبر مستوردي البضائع والخدمات الأميركية، سينتهي إلى فقدان ملايين الوظائف في أميركا. ويبرر ذلك بقوله في حال انسحاب أميركا من اتفاقية الشراكة عبر الباسيفيكي ومحاولة إعادة التفاوض حول اتفاقية "نافتا"، أي فرض ضرائب أعلى على بضائع كندا والمكسيك، فإن هاتين الدولتين ستفرضان كذلك ضرائب أعلى على البضائع والخدمات الأميركية. وثانياً، فإن الضرائب الجمركية المرتفعة سترفع بدورها من كلف الإنتاج، وهو ما سيقود تلقائياً إلى ضرب تنافسية البضائع الأميركية في الأسواق الخارجية الأخرى. من جانبه يرى خبراء في معهد "بيترسون" للدراسات الاقتصادية أن إلغاء اتفاقية "نافتا" سيكلف ولاية كاليفورنيا وحدها حوالى 640 ألف وظيفة، أما خسارة أميركا كلها من الوظائف فستصل إلى قرابة مليون ونصف وظيفة.
ويشأن إعلان الصين "دولة متلاعبة بعملتها"، لأن الفائض التجاري الصيني مع أميركا مرتفع، يقول خبراء في معهد بروكنغز، هنالك دول أخرى لديها فائض تجاري أكبر مع أميركا مثل ألمانيا. ويلاحظ أن الفائض التجاري الصيني مع أميركا انخفض من 10% في العام 2007 إلى 3.0% حالياً، مقارنة مع الفائض التجاري الألماني البالغ أكثر من 8.0%. ويرى خبراء اقتصاد، أن التعاون الأميركي مع الصين مهم في هذه المرحلة التي يعاني فيها الاقتصاد العالمي من هشاشة بالغة، وتتزايد فيها أهمية الصين لقيادة ماكينة النمو الاقتصادي العالمي.
أما بالنسبة إلى إلغاء اتفاقية الشراكة عبر الباسيفيكي، فيقدر الاقتصادي جوشوا ميلتزر، أن أميركا المستفيد الأول من هذه الاتفاقية، وقدر المكاسب التجارية الصافية بحوالى 131 مليار دولار. ويرى أن انسحاب أميركا من هذه الاتفاقية سيعني عملياً موتها وتحول الدول الآسيوية إلى اتفاقية" آر سي آي بي"، وهي اتفاقية تجارية يجري التفاوض حولها وتضم 16 دولة بما في ذلك الصين واليابان.

المساهمون