3 عوامل تحدد توجهات سوق الصرف العالمي

11 يونيو 2016
المتسوقون يهمهم ثبات الاسترليني أكثر من السياسة (Getty)
+ الخط -
وسط اضطراب كبير تعيشه أسواق الصرف العالمية هذه الأيام، يحدد خبراء عملات في لندن، ثلاثة عوامل رئيسية تقود سوق الصرف العالمي خلال الصيف الجاري. وأولى هذه العوامل سياسة مصرف الاحتياط الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) المستقبلية بشأن رفع الفائدة الأميركية.

ويلاحظ أن التصريحات الأميركية المتناقضة باتت تربك المتعاملين في العملات، خاصة المستثمرين الكبار الذين يستثمرون في حركة الدولار بالمقارنة بالعملات الأخرى. ويترقب المتعاملون في سوق العملات قرار الاحتياط الفدرالي الأميركي في اجتماعه الذي سيعقد بعد أيام لمعرفة ماذا ينوي أن يفعل. وحسب جدول الاجتماعات، من المعتقد أن يعقد مجلس الاحتياط الفدرالي اجتماعًا للبت في السياسة النقدية يومي 14 و15 يونيو/ حزيران، في حين يختتم بنك اليابان اجتماعه المماثل الذي يستمر يومين أيضا في 16 يونيو.

وفي تصريحاتها قبل أسبوعين، ربطت رئيسة مجلس الاحتياط الفدرالي زيادة سعر الفائدة بتحسن البيانات الاقتصادية. وبالتالي، فإن معظم المضاربين على الدولار يترقبون البيانات الخاصة بالبطالة وفرص العمل الجديدة التي تصدرها وزارة العمل الأميركية أسبوعياً.
وكانت أرقام البطالة الأخيرة أقل من التوقعات، حيث أفشلت خططاً سابقة للمركزي الأميركي برفع الفائدة.
وارتفع الدولار مقابل العملات الرئيسية الأخرى بدعم من انخفاض غير متوقع في طلبات إعانة البطالة في الولايات المتحدة وزيادة أكبر من التوقعات في مبيعات الجملة في إبريل/ نيسان، وهو ما خفف القلق من تباطؤ نمو الاقتصاد الأميركي في الربع الثاني من العام الجاري. وتعافى مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء "الورقة الخضراء" مقابل سلة من ست عملات رئيسية، من أدنى مستوى له في خمسة أسابيع، يوم الأربعاء، ليجري تداوله مرتفعًا 0.5% إلى 94.063.
ويتوقع محللون أن يظل الدولار يتذبذب مقابل العملات الرئيسية، داخل نطاق ضيق قبيل اجتماع مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) بشأن السياسة النقدية الأسبوع المقبل. 
أما العامل الثاني الذي يقلق المستثمرين في أسواق الصرف، فهو حالة الاضطراب التي يعيشها الإسترليني. ورغم أن الجنيه الاسترليني ليس لاعباً كبيراً في سوق الصرف العالمي مثل الدولار واليورو، ولكنه مؤثر جداً، حيث إنه أحد عملات الملاذ الآمن في أوروبا، حيث ظل يتذبذب دائماً في نطاق لا يتجاوز العشرة سنتات بالنسبة للدولار.
ولكن اضطراب الجنيه تزايد خلال الأسبوع الجاري بسبب تضارب توجهات الرأي البريطاني حول البقاء أو الخروج من الاتحاد الأوروبي. ولقد تذبذب صعوداً وهبوطاً في أسبوع واحد، وهو هذا الأسبوع بين 1.38 و1.445 للدولار. وهذا هامش ذبذبة كبير بالنسبة للمتاجرين في سوق الصرف. ويعود اضطراب الاسترليني إلى المخاوف المتزايدة من احتمالات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وبعد استطلاعات الرأي الإيجابية في الأشهر الأولى من العام، التي أظهرت ميلاً بريطانياً قوياً نحو البقاء في الاتحاد الأوروبي، عادت استطلاعات الرأي الأخيرة، لتشير إلى أن البريطانيين يميلون إلى التصويت لصالح خروج بريطانيا من دول الاتحاد الأوروبي.
وظهرت خلال الأسبوع الجاري ثلاثة استطلاعات في لندن ترجح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. أولها الاستفتاء الأخير الذي أجراه "موقع يو غوف ـ YouGov"، لصالح قناة "آي تي في" التلفزيونية، والذي وجد أن 45% من الذين شملهم الاستطلاع سيصوتون لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في مقابل 41% سيصوتون لصالح البقاء في أوروبا.

وثانيها الاستطلاع الذي أجرته قبل يومين شركة "تي إن إس"، والذي أظهر أن 43% من الذين شملهم الاستطلاع يدعمون خروج بريطانيا في مقابل 41% يدعمون بقاءها.
ومنذ بداية الأسبوع الجاري، هنالك شبه تواتر في الاستفتاءات التي تدعم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، رغم أن هذه الاستفتاءات ليست بالضرورة تحمل نسبة كبيرة من الصحة، ولكنها بالتأكيد، بالنسبة لسعر صرف الاسترليني، تمثل أهمية كبيرة للمضاربين الذين يرغبون في تحقيق أرباح كبيرة في لحظات اضطراب العملات.
أمام هذه العوامل، انخفض الاسترليني إلى 1.38 دولار في بداية الأسبوع، ولكنه عاد، أمس، للاستقرار على 1.4445 دولار.
ويرى مصرف "أي إن جي" الهولندي أن الاسترليني سيواصل التدهور تحت سعر 1.40 دولار طوال الأيام المتبقية حتى الاستفتاء، ولكن معظم خبراء النقد، الذين اطّلعت "العربي الجديد" على آرائهم، يستبعدون انخفاض الاسترليني
إلى مستوى 1.30 دولار.
أما الخبير جيسون وانغ، من شركة ستانفورد الخاصة التي يوجد مقرها في سنغافورة، فيقول: "إن البريطانيين سيصوتون في النهاية لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي وسيعود الاسترليني للصعود بقوة".

أما العامل الثالث المؤثر في سوق الصرف العالمي، فهو توقعات معدل النمو العالمي وتأثيراتها على أسواق السلع العالمية وأسواق المال. ويلاحظ أن البنك الدولي أجرى مراجعة لتوقعات النمو العالمي خفض فيها توقعات النمو. وبالتالي فمن المتوقع أن تواصل معظم البنوك المركزية سياسات التحفيز المالي والمرونة في تحديد سعر الفائدة، حتى تتمكن من مساعدة الاقتصادات على النمو. 
ومن بين العوامل الثانوية المؤثرة في سوق الصرف العالمي أداء الاقتصاد الياباني وسوق المال الصيني. على الصعيد الياباني، يلاحظ أن سياسات الفائدة الثابتة التي نفذها بنك طوكيو لم تفلح في تحريك الاقتصاد الراكد، ولكنها منحت جاذبية للسندات اليابانية التي تعد من أهم أدوات تدفق الاستثمارات الأجنبية في اليابان. وبالتالي ترفع هذه التدفقات الطلب على الين الياباني.

من هذا المنطلق، يلاحظ أن الين الياباني ارتفع مع بحث المستثمرين عن استثمارات آمنة وسط تراجع عام لأسعار السلع الأولية والأسهم في الأسواق العالمية الكبرى بفعل احتمالات استمرار التضخم عند مستويات منخفضة وأسعار الفائدة السلبية لفترة طويلة.

وقفز الين - الذي يفضّله المستثمرون عندما يخيّم الغموض على الأسواق - إلى ذروته في ثلاثة أعوام مقابل اليورو وأعلى مستوى له في خمسة أسابيع مقابل الدولار. وارتفع الين 0.5 بالمئة مقابل العملة الأوروبية الموحدة إلى 121.19 ينا لليورو بعدما سجل 120.29 ينا، وهو مستوى لم يبلغه منذ إبريل/ نيسان 2013. وجرى تداول العملة اليابانية في أحدث التعاملات منخفضة 0.1% مقابل العملة الأميركية عند 107.07 ينات للدولار بعدما لامست 106.24 ينات للدولار، في أعلى مستوى لها منذ الرابع من مايو/ أيار.
ولكن من بين جميع هذه العوامل يبقى قرار سعر الفائدة الأميركي هو العامل الأهم الذي ينظر له المستثمرون في
في سوق الصرف العالمي، وخاصة أن حجم الديون التي أخذت بالدولار في الأسواق الناشئة تفوق ترليون دولار، كما أن أسعار السلع العالمية المهمة، مثل النفط والغاز ونسبة كبيرة من مبيعات الذهب، مقيمة بالدولار. وهنالك مخاوف من حدوث تباين كبير في سعر الفائدة بين الدولار واليورو في حال تحسنت مؤشرات الاقتصاد الأميركي خلال الصيف الجاري ولجأ الاحتياط الفدرالي لرفع سعر الفائدة.


المساهمون