قناة السويس.. إساءات لا تتوقف

16 أكتوبر 2016
السيسي في افتتاح تفريعة قناة السويس (العربي الجديد)
+ الخط -



لو أرادت جهة أجنبية أو مؤسسة منافسة الإساءة لمرفق قناة السويس العالمي ما فعلت أكثر مما تفعله السلطات المصرية منذ عامين، استنزاف 64 مليار جنيه (ما يعادل 8 مليارات دولار بأسعار 2015) من ثروات المصريين المحدودة في مشروع لا جدوى منه في ظل بطء التجارة الدولية، وبعدها تحميل موازنة الدولة نحو 103 مليارات جنيه تكلفة التفريعة الجديدة من قروض وأسعار فائدة مستحقة عليها، رغم أن الموازنة العامة للدولة تعاني أصلاً من عجز حاد، دفع الحكومة للاقتراض الخارجي والمحلي لتغطيته.

الإساءات بدأت بالإعلان، وبشكل مفاجئ، عن إطلاق قناة سويس جديدة، ساعتها تصور الجميع أنها قناة جديدة يبلغ طولها طول القناة الحالية وهو نحو 200 كيلومتر، وأكتشف القاصي والداني بعد ذلك أنها مجرد تفريعة سيتم إطلاقها ضمن تفريعات كثيرة تم إنجازها على مدى أكثر من 60 عاما مضت في إطار خطة مستمرة لتوسعة القناة.

ومن بين الإساءات أيضاً الإعلان، وعلى لسان كبار المسؤولين في الدولة، أن إيرادات القناة ستقفز إلى 100 مليار دولار عقب إطلاق التفريعة الجديدة، ثم يفاجأ جميع المصريين بأن هذا الرقم خادع، ولا يقل عن خدعة إقامة مليون وحدة سكنية بتكلفة 280 مليار جنيه، واستصلاح وزراعة 1.5 مليون فدان، وإقامة عاصمة إدارية جديدة بتكلفة 90 مليار دولار.

وصب الإعلان عن إيرادات القناة بالجنيه المصري وليس بسلة العملات المعتمدة منذ سنوات طويلة في مسلسل الإساءات المستمرة للقناة، خاصة وأن هذه الخطوة تعد الأولى من نوعها في تاريخ الممر المائي العالمي، وكان الهدف من الخطوة هو التغطية على تراجع الإيرادات بالنقد الأجنبي حتى بعد التوسعة الأخيرة، وعندما اكتشف المصريون والعالم الخدعة قامت الحكومة بحجب إيرادات القناة من الأصل، وعدم الإعلان عنها سواء في نشرتها الشهرية أو في نشرة مركز معلومات مجلس الوزراء.

هذه فصول لا تنتهي من مسلسل الإساءة لأهم ممر ملاحي في العالم ظل مثار إعجاب الجميع لفترة تزيد عن 150 عاما.

لا تتوقف الإساءة للقناة عند هذا الحد، فقد تفتق ذهن كبار المسؤولين بها قبل أيام عن فكرة عبقرية لا تقل في عبقريتها عن فكرة اضافة تفريعة جديدة للقناة، في الوقت الذي يتراجع فيه الطلب أصلا على المرور بالقناة من قبل السفن والحاويات، وبطء التجارة العالمية، وتفضيل ناقلات النفط والغاز العملاقة المرور برأس الرجاء الصالح، مع تهاوي أسعار النفط وتراجع الصادرات الصينية التي تمر بالقناة متجهة لأوروبا.

الفكرة العبقرية الجديدة هي حصول الحكومة على رسوم المرور بالقناة مقدماً عبر قيام التوكيلات الملاحية بإيداع مبالغ مالية لمدة 3 سنوات قادمة في وديعة بالبنك المركزي المصري، تحت حساب رسوم العبور للسفن التي تملكها هذه التوكيلات، مع منحها تخفيضًا مناسبًا يميزها عن بقية التوكيلات، بل إن الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس اجتمع قبل أيام بالفعل مع عدد من أصحاب التوكيلات لعرض المبادرة عليهم.

ما هي الرسالة التي يود الفريق مميش إرسالها عبر المبادرة؟

هل يريد أن يقول إن الهيئة تعاني نقصاً في موارد النقد الأجنبي، ولذا تبحث عن موارد سريعة لسداد المديونيات الدولارية المستحقة عليها، حتى ولو جاء ذلك بتحصيل رسوم لم يحل موعدها، أم أن الهيئة تسير على خطى الحكومة التي توسع في الاقتراض الخارجي لمواجهة أزمة شح النقد الأجنبي، أم إن الهيئة تحاول ربط التوكيلات الملاحية الدولية بها لمدة 3 سنوات؟

ببساطة ما تقوم به الهيئة هي إساءة لتاريخ القناة العريق، وإساءة للاقتصاد المصري واظهاره بمظهر الباحث عن إيرادات سريعة حتى ولو جاءت بخصومات كبيرة، وأتوقع ألا تجد المبادرة صدى، خاصة ونحن نتحدث عن الأوضاع السيئة التي يمر بها الاقتصاد العالمي خاصة الأوربي والصيني، والركود الذي أصاب أنشطة التوكيلات التجارية في الشهور الأخيرة، والأهم من ذلك ظهور منافسين جدد لقناة السويس.

المساهمون