رغم مرور أكثر من عامين على تحرر محافظة نينوى (شمال العراق) وعاصمتها المحلية الموصل من سيطرة تنظيم "داعش"، الذي موّل نفسه من حقول وآبار النفط الموجودة في المحافظة، إلا أن سرقة الخام ما زالت مستمرة ولكن عبر شبكات تهريب لها علاقات مع فصائل مسلحة في مليشيات "الحشد الشعبي"، وكذلك القوات الكردية "البشمركة" بدلا من داعش.
مسؤول حكومي في محافظة نينوى قال لـ"العربي الجديد"، إن الحديث عن تهريب الجماعات الكردية للنفط يجب أن يكون مقرونا بتناول ملف التهريب من قبل جماعات تتبع فصائل مسلحة ضمن "الحشد الشعبي"، تقوم ببيع الخام إلى مافيات في أماكن مختلفة.
وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن "تلك الجماعات ترتبط بمليشيا سيد الشهداء وكتائب حزب الله ومليشيا حشد الشبك، وهناك نوع من تبادل المنفعة مع مسلحي حزب العمال الكردستاني الموجودين على أطراف سنجار غرب الموصل"، مشيرا إلى وجود تعاون بين هذه الشبكات وأخرى في سورية أيضا، إذ يتم تمرير شحنات نفط من حقل رميلان السوري الواقع تحت سيطرة مليشيات (قسد) بحيث يتم تهريبها إلى العراق ومنها إلى تركيا.
وأكد أن حقول النفط في نينوى باتت مصدر تمويل للمليشيات المتعددة الولاءات والمختلفة الاتجاهات في آن واحد.
وحسب المسؤول ذاته، فإن ما لا يقل عن 10 آلاف برميل من النفط العراقي تسرق يوميا من مختلف تلك الجهات، وهناك مافيات تركية وعراقية جاهزة تقوم بشرائها منهم بأسعار أقل من 12 دولارا للبرميل.
وخلال الفترة الأخيرة، أثار نواب في البرلمان العراقي، ومسؤولون محليون في مدينة الموصل الملف مرة أخرى بالإعلان عن تورط جماعات مسلحة مختلفة في الاعتداء على آبار نفطية وتهريب الخام منها.
وحسب النائب في البرلمان العراقي، سركوت شمس الدين، فإن "جماعات مسلحة مقربة من الحزب الديمقراطي الكردستاني (بزعامة مسعود البرزاني)، تسيطر على 40 بئرا نفطية في قريتي وردك وزنكة، بسهل نينوى شمال شرقي الموصل".
ووفقا للنائب ذاته، فإن "تلك الجماعات تقوم بتهريب النفط إلى خارج العراق والاستفادة من أموالها".
وأوضح النائب البرلماني، في بيان له صدر مطلع الأسبوع، أن تلك الجماعات المتورطة بسرقة النفط تعيق حياة القرويين وتضيق عليهم.
وتعد عمليات الفساد المتفاقمة ولاسيما في القطاع النفطي، أحد أسباب الاحتجاجات الشعبية المتكررة، خلال الفترات الأخيرة، وكان آخرها المظاهرات الساخطة التي جرت هذا الأسبوع. ويعتبر العراق أحد أكبر مصدري النفط في المنطقة، إلا أن نسبة كبيرة من سكانه تقع فريسة للأزمات المعيشية المتفاقمة.
وقال عضو البرلمان عن محافظة نينوى، عبد الرحمن اللويزي، إن جماعات كردية تقوم بتهريب النفط من منطقتي القوش وشيخان التابعتين لمحافظة نينوى"، مؤكدا أن النفط المستخرج يهرب إلى تركيا بأسعار أرخص من أسعار النفط في الأسواق العالمية.
وفي نفس السياق، أكد النائب حنين القدو أن 9 آبار نفطية في نينوى تتعرض للنهب من قبل جماعات خارجة عن القانون ويتم بيعه الى تركيا"، معتبرا أن آبار حقل الخازر في منطقة الحمدانية التابع لمحافظة نينوى تعد من أكثر الآبار عرضة لعمليات التهريب.
وتوجد في محافظة نينوى عدة حقول نفط أبرزها القيارة والنجمة وعين زالة وصفية، فضلا عن حقول ضخمة في سهل نينوى ما زالت غير مستثمرة حتى الآن، وقبل اجتياح "داعش"، كان الإنتاج العراقي من تلك الحقول يستخدم للاستهلاك المحلي بالمجمل ويصل إلى نحو ربع مليون برميل يوميا.
من جهته، قال النائب السابق عن الموصل محمد نوري العبد ربه، لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة العراقية لا تسيطر على كل مصادر الطاقة في أنحاء البلاد، وتوجد عمليات تهريب في كثير من المناطق".
وأكد أن "بعض الجهات المسلحة فرضت سيطرتها على هذه الآبار وهذه المناطق. وهناك قسم من الفصائل تدعي انتماءها للحشد الشعبي وقسم آخر ينتمي للبشمركة، وفي واقع الحال لا توجد سيطرة حقيقية للحكومة بشكل نهائي".
وأكد أن "وجهة التهريب في أغلب الأحيان تكون إلى إيران وتركيا، إذ إن هناك بعض رجال الأعمال يعملون في هذا المجال، وهم من المقربين بعض الشيء من الساسة العراقيين،"، مشددا على أن "الوضع في تلك المناطق أصبح منفلتا وخارجا عن سيطرة الحكومة".
وأشار إلى أن "تلك الجماعات تمنع عودة الأهالي إلى تلك المناطق بحجة التغيير الديموغرافي"، مبينا أنها رغم اختلافها في ما بينها، لكنها متفقة على المغانم والمكاسب.
أما النائب عن محافظة نينوى عبد الرحيم الشمري، فأكد لـ"العربي الجديد"، أن هناك منطقة نفطية في سهل نينوى بين منطقة الشيخان ومدينة بعشيقة يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني، جاءت إليها شركة عالمية لتعمل بها، لكنها انسحبت بسبب خلافات أربيل وبغداد"، مبينا أنه "حتى الآن تسيطر جهات حزبية على تلك المنطقة ونفطها، على علم ومرأى ومسمع من حكومة بغداد".
وتابع: "نحن كلجنة نزاهة برلمانية شكلنا لجنة نفط الشمال مختصة بهذه المناطق لرصد عمليات التجاوزات في كركوك ومحافظة نينوى ومنطقة صبية وسهل نينوى". وأشار إلى أن "النفط وبحسب المعلومات المؤكدة يذهب إلى شخصيات وعوائل متنفذة في الإقليم ويهرب إلى تركيا وإيران، وأن المال لا يذهب إلى الحكومة العراقية، بل إلى عوائل وشخصيات في كردستان وأسماء معروفة وكبيرة جداً"، نافيا تورط مليشيات تتبع الحشد في تلك العمليات.
وأوضح النائب عن محافظة نينوى، أن التهريب يتم بشكل معلن من محافظة نينوى في ظل ضعف سيطر الدولة على هذه الحقول التي يتم التهريب منها.
الباحث بالشأن الكردي علي ناجي، قال: "يوجد في قضاء شيخان بمحافظة نينوى حقل نفطي تحت سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحديداً من جناح رئيس الحكومة نيجيرفان البارزاني"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "هناك حقولا أخرى ضمن مناطق سهل نينوى يتم استخراج النفط منها وتهريبه خارج سيطرة الحكومة الاتحادية".
وأشار إلى أن "النفط المستخرج من المحافظة يذهب إلى تركيا عن طريق دهوك ثم لقضاء زاخو وبعدها يصل إلى منفذ إبراهيم الخليل، وجميع هذه المناطق تحت سيطرة الحزب الديمقراطي". وأضاف: "لا يوجد رقم محدد للنفط الذي يصل إلى تركيا خارج موافقة حكومة بغداد، لكن يتجاوز الـ١٠٠ ألف برميل يومياً من كل الحقول بشكل غير شرعي، حسب بعض التقديرات".