النفط الأميركي ينافس "أوبك" في أوروبا وآسيا بعد إزاحة إيران وفنزويلا

13 فبراير 2019
ارتفاع قياسي في صادرات النفط الأميركي إلى أوروبا (Getty)
+ الخط -


حينما تجمع تجار النفط العالميون في أكبر اجتماع سنوي لهم في آسيا خلال سبتمبر/ أيلول من العام الماضي 2018، جاءت الشركات الأميركية المنتجة للنفط وهي مستعدة جيدا.

فقد أعدت إكسون موبيل الأميركية العملاقة ومنافستها الأوروبية رويال داتش شل، كتيبات لمشتري النفط تضمنت تفاصيل عن درجات الخام الأميركي، والسبب وراء ملاءمتها لتحل محل بعض الإمدادات الطويلة الأجل لآسيا القادمة من الشرق الأوسط وأفريقيا وروسيا.

ومع تجمع قطاع النفط العالمي في لندن هذا الشهر، ربما يحق لمنتجي الخام في الولايات المتحدة تذوق طعم نجاح حملتهم في أوروبا، مثلما كان الحال في آسيا أيضا.

ومنذ أعوام قليلة فقط، وقبل أن يقلب التكسير الهيدروليكي وثورة النفط الصخري اقتصاديات إنتاج الخام الأميركي، كانت الولايات المتحدة أكبر مستورد للنفط في العالم بفارق كبير، وكانت تمنع تصدير النفط الخام بأمر القانون.

والآن، بلغت شحنات النفط الأميركي لأوروبا مستوى قياسيا مرتفعا. واستوردت أوروبا في يناير/ كانون الثاني الماضي 630 ألف برميل يوميا من الخام الأميركي، وهو مستوى ما زال أقل من مشترياتها من الخام الروسي والعراقي، لكنه أعلى من منتجين آخرين في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) من بينهم نيجيريا وليبيا.

وارتفعت صادرات الخام الأميركي بسبب انخفاض الإمدادات من إيران وفنزويلا، اللتين فرضت واشنطن عليهما عقوبات، مما أبعد مشترين في أنحاء العالم عن نفطهما.

وفي عام 2018 بأكمله، تضاعفت الإمدادات من الخام الأميركي إلى أوروبا إلى 430 ألف برميل يوميا، بحسب بيانات مؤسسة "رفينيتيف ايكون"، وشكل ذلك 6% من إجمالي الواردات، أو ما يعادل شحنات الخام الإيراني إلى أوروبا قبل أن تعيد واشنطن فرض عقوبات على طهران.

وقال متعامل مع تاجر أوروبي يبيع النفط الروسي لرويترز إن "الخام الأميركي صداع حقيقي، فهو يزيد الضغوط على الخامات الخفيفة الإقليمية. في الواقع، تتأثر أسعار جميع الخامات نظرا لأنه إمداد إضافي مهم".

ومن المرجح أن تتزايد الضغوط، حيث من المتوقع أن يصل الإنتاج الأميركي في 2019 إلى 12.06 مليون برميل يوميا في المتوسط، بزيادة 1.18 مليون برميل يوميا عن العام الماضي، بحسب بيانات الحكومة الأميركية.

وتشير التوقعات المستقبلية إلى أن الولايات المتحدة ربما تنتج نحو 15 مليون برميل يوميا من الخام، وما يصل إلى 20 مليون برميل يوميا من السوائل النفطية، وهو ما يمنحها اكتفاء ذاتيا كاملا، حيث ستغطي بالكامل استهلاكها عند 18-19 مليون برميل يومياً.

ودفع ازدهار الإنتاج الأميركي منظمة أوبك ومنتجين رئيسيين آخرين مثل روسيا إلى خفض إنتاجهم بما يتراوح بين 3% و4% بمقتضي اتفاق منذ 2017، لدعم الأسعار. وساهم الاتفاق في مضاعفة الأسعار إلى 60 دولارا للبرميل، لكن على حساب فقدان نصيب في السوق لصالح الشركات الأميركية.

وقال مدير تنفيذي لشركة تجارية دولية، مقرها الولايات المتحدة: "مرحبا بكم في السوق الحرة... يحتاج المنتجون المحليون إلى خفض تسعيرهم حتى يستطيعوا المنافسة، أو البحث عن أسواق أخرى".

والمنافسة حادة على وجه الخصوص في شمال غرب أوروبا، حيث استوردت بريطانيا 6.5 ملايين طن من الخام الأميركي في 2018 كما استوردت هولندا 5.1 ملايين طن.

ويقول تجار إن شركات "بي.بي" البريطانية و"ليتاسكو" الروسية و"إكوينور" النرويجية و"توتال" الفرنسية و"إكسون موبيل" الأميركية، كانوا من بين المشترين الرئيسيين في البلطيق الذين استبدلوا نفط بحر الشمال واستعانوا بالخامات الأميركية بدلا منه.

وقال تاجر نفطي كبير، مشيرا إلى الخامات القياسية الأميركية والأوروبية "خام غرب تكساس الوسيط هو برنت الجديد".

وتشتري "بي.بي" الخام الأميركي لمصفاتها غيلسنكيرشين في ألمانيا، بينما قالت أورلين، شركة بولندية، في يناير/ كانون الثاني الماضي إنها ستخفض مشترياتها من خام الأورال الروسي من روسنفت بنحو 30%، وتستبدله جزئيا بالخام الأميركي.


وقال تجار إن "إيسار أويل" و"إكسون موبيل" هما المشتريان الرئيسيان للنفط الأميركي في بريطانيا.

وفي منطقة البحر المتوسط يميل المشترون للخام الأميركي، وهم إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، إلى استخدامه بدلا من قزوين الخفيف والأورال الروسي والخام الإيراني، حسبما قال تجار.

وأضافت هيلينيك بتروليوم اليونانية، خام غرب تكساس الوسيط إلى قائمتها للخامات المفضلة، بجانب قزوين الخفيف والأورال الروسي وتوبراس التركي. وفي إيطاليا تصل إمدادات الخام الأميركي إلى مصفاة ميلازو التابعة لشركة البترول الكويتية العالمية، وفارو إنرجي السويسرية.

وكان غرب تكساس الوسيط الخام الأميركي الأكثر شيوعا بين المشترين الأوروبيين في 2018. ومع التحرك العالمي صوب قواعد تنظيمية أكثر صرامة لوقود السفن، حيث سيتزايد الطلب على الخامات الخفيفة، فإن الطلب على النفط الأميركي، وغالبيته العظمى من الخام الخفيف، سيرتفع بمفرده.

وقال تاجر يعمل مع شركة نفطية أوروبية كبرى "أتوقع أن يصبح الخام الأميركي أكثر شعبية في أوروبا.. يبدو أن الولايات المتحدة هي الطرف المستفيد مهما يحدث في أسواق النفط هذه الأيام".

وكان برايان هوك ممثل الولايات المتحدة الخاص بإيران، قال في تصريحات منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، إن بلاده لا تتطلع لمنح أي إعفاءات أخرى في ما يتعلق بواردات النفط من إيران، لكنه أحجم عما تعتزم واشنطن فعله عندما تنتهي مدة الإعفاءات الحالية في مايو/ أيار المقبل.

ومنحت واشنطن استثناءات لثماني دول من المشترين الرئيسيين للنفط الإيراني، من بينها الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا واليابان، وذلك بعد أن أعادت فرض العقوبات على قطاع النفط الإيراني في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018.

وبينما لا تفصح إيران عن حجم صادرات النفط حالياً، فقد قال نائب الرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، مؤخرا إن بلاده كانت تصدر في أشهر ماضية 2.5 مليون برميل نفط، وقد انخفضت هذه الأرقام مع دخول الحظر الأميركي حيز التنفيذ العملي، إثر انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي في مايو/أيار العام الماضي.

كما يصارع الاقتصاد الفنزويلي مؤشرات الانهيار، وسط تهاوي تصدير النفط وإيراداته. وشكّل تراجع أسعار النفط ضربة كبرى لدولة تعتمد في أكثر من 96% من إيراداتها على الخام.

وتملك فنزويلا 17.9% من احتياطي النفط المؤكد في العالم، لتسبق السعودية (15.7 %) وكندا (10.0 %) وإيران (9.3 %) بحسب أرقام مجموعة "بي بي" النفطية البريطانية.

ووفق الوكالة الدولية للطاقة فإن فنزويلا تملك 303.2 مليارات برميل من الاحتياطي النفطي، لكن قسماً كبيراً من نفطها ثقيل جداً، ما يجعل عملية استخراجه باهظة.

وتراجع إنتاج فنزويلا ليصل إلى أدنى مستوى منذ ثلاثين عاماً. وفي حين كانت البلاد تضخ أكثر من ثلاثة ملايين برميل يومياً، لم تنتج العام الماضي سوى 1.33 مليون برميل يومياً، بحسب أرقام منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وهي عضو فيها وتتولى هذا العام رئاستها الدورية.

وقال محلل الطاقة الأميركي توم لونغو في تحليل نشره قبل أيام على موقعه، إن استراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعمل على الهيمنة على استراتيجية الطاقة العالمية عبر عدة محاور، من بينها محاصرة الغاز الروسي في أوروبا، وحصول الشركات الأميركية على عقود إنتاج النفط الفنزويلي، وهو ما قالته أيضاً خبيرة الطاقة الأميركية آمي جافي، في تحليل نشره مؤخراً موقع مجلس العلاقات الخارجية.

وحسب محللين، فإنه يبدو أن إسقاط الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، يمثل رأس الحربة في تحقيق هدف ترامب، إذ إنه سيمنح شركات الطاقة الأميركية فرصة التمدد في بلد غني بالاحتياطات النفطية، ومن ثم سيتمكن من كسب ودّ ودعم رجال الطاقة في الانتخابات المقبلة.

المساهمون