منذ فبراير/ شباط الماضي، أعلنت الحكومة السودانية حرباً على الفساد، وهي الحملة التي دشنها الرئيس عمر البشير من خلال خطابات جماهيرية وتصريحات وحوارات صحافية، بينما نفذها عملياً جهاز الأمن والمخابرات الوطني، خاصة بعد تعيين الفريق صلاح عبد الله قوش مديراً عاماً للجهاز خلفاً للفريق محمد عطا المولى.
وجاءت الحملة على الفساد، التي مر عليها نحو 100 يوم، في ظل تدهور اقتصادي واسع المستوى، منذ بداية العام الحالي، حيث انخفض سعر الجنيه السوداني لأدنى مستوى له في تاريخه مقابل العملات الأجنبية الأخرى، إذ بلغ سعر الدولار في السوق الموازي نحو 40 جنيهاً سودانياً، بينما ارتفع التضخم خلال شهر إبريل/ نيسان الماضي إلى 57.65%، وهي الأكبر في تاريخ السودان ولم تصل إليها البلاد حتى في مرحلة المقاطعة الأميركية.
كما جاءت الحملة على الفساد التي أطلقتها حكومة البشير بالتزامن مع غليان في الشارع السوداني نتيجة احتجاجه على الغلاء الفاحش الذي ضرب السلع الاستهلاكية الرئيسة، بما في ذلك الخبز واللحوم والسكر والألبان، فضلا عن الارتفاع في أسعار الدواء، وكلها زادت بنسبة تفوق الـ200%، حيث خرجت مظاهرات سلمية في يناير/ كانون الثاني ضد الغلاء والفساد.
وعلى الرغم من الضرب الإعلامي والسياسي المستمر، إلا أن الحملة على الفساد، أو كما يطلق عليها البعض الحرب على "القطط السمان"، لا تزال تقف في مشهد واحد هو اعتقال مجموعة من رجال الأعمال وقيادات مصرفية بأعداد لا تتواكب مع التعهدات السياسية والضجيج الإعلامي.
بدأت الحملة من داخل جهاز الأمن والمخابرات بتوقيف مدير إدارة الأمن السياسي، اللواء عبد الغفار الشريف، على ذمة الاشتباه به في التورط في قضايا فساد وتشكيل حلف مع رجل أعمال، ثم امتدت الاعتقالات لتشمل مسؤولين في قطاع السكر والدقيق.
لكن الحادثة الأهم في حملة مكافحة الفساد هي اعتقال أربعة من كبار العاملين في القطاع المصرفي والموظفين، هم مدير عام بنك فيصل الإسلامي الباقر أحمد النوري، ورئيس مجلس إدارة شركة التأمين الإسلامية محمد الحسن ناير، والعضو المنتدب لشركة سكر كنانة عبد الرؤوف ميرغني، وموظف آخر هو عكاشة محمد أحمد.
وفي مجال شركات النفط، تم اعتقال ثلاثة من مديري الشركات، أبرزهم حمد بحيري، وغاندي معتصم، وأحمد أبوبكر، بالإضافة لاعتقال مدير عام هيئة الأقطان محيي الدين علي أحمد، ثم إطلاق سراحه لاحقا.
وعلى صعيد رجال الأعمال، فقد تم اعتقال عدد كبير آخرهم الشقيقان وليد ومحمد فايت، غير أن انتحار رجل الأعمال عكاشة محمد أحمد، الخميس الماضي، داخل حراسة جهاز الأمن، أدى على ما يبدو، إلى مراجعة بعض الخطوات، حيث تلتها إجراءات بالإفراج عن بعض المعتقلين.
وفي اليومين الماضيين، وجهت نيابة أمن الدولة تهماً جديدة وبصورة رسمية لعدد من رجال الأعمال، وأحالت بموجب ذلك متهمين إلى سجن كوبر، أكبر السجون السودانية، بعدما كانوا محتجزين داخل حراسات جهاز الأمن.
اقــرأ أيضاً
ومن المتوقع خلال الفترة المقبلة تقديم كثير من هؤلاء لمحاكمات علنية، حسب وعود المسؤولين السودانيين، وفي مقدمتهم الرئيس البشير، الذي ذكر أنه سيترك أمر المشتبه بهم في قضايا فساد إلى القضاء، وأن كل متهم بريء حتى تثبت إدانته.
ولتحقيق العدالة المرجوة، فقد قرر القضاء السوداني في الأسابيع الماضية، إنشاء محكمة خاصة لمكافحة الفساد بدأت فعليا في عملها وتنظر حالياً في كثير من القضايا. وكان لافتا في اليومين الماضيين نظرها في قضية سرقة مروحتين هوائيتين من مستشفى حكومي، ما أثار جدلا واسعا.
وقال رئيس منظمة الشفافية السودانية، الطيب مختار، لـ"العربي الجديد"، إن الاعتقالات الفردية والجماعية لن تؤدي مطلقا لنتيجة في مجال مكافحة الفساد، مطالباً ببناء منظومة تشريعية ومؤسسية متكاملة قادرة على تجفيف منابع الفساد والحد منه بصورة كبيرة، "والا سينفذ المفسدون في كل مرة من الثغرات الحالية ويفلتوا حتى من العقاب"، حسب قوله.
وأوضح مختار أن إنشاء مفوضية مستقلة لمكافحة الفساد هو ركن أساسي في الموضوع، مشيرا إلى أنه ورغم إجازة قانون إنشاء المفوضية بواسطة البرلمان إلا أن رئاسة الجمهورية تأخرت في تشكيلها.
كما طالب مختار بقانون خاص لحماية المبلغين عن الفساد، مشيرا إلى أن كثيرا من الموظفين في القطاعين الحكومي والخاص يعلمون كثيرا مما يدور في دهاليز المؤسسات من فساد، لكنهم يخشون فقدان وظائفهم ومن مضايقات عديدة يمكن أن تحدث لهم إن هم أبلغوا عن حالات فساد.
كما طالب رئيس منظمة الشفافية السودانية بتفعيل العمل بقانون الحصول على المعلومات، بشكل يلزم أي مؤسسة حكومية بتقديم المعلومات لطالبيها من الأفراد ومنظمات مكافحة الفساد والصحف، خاصة ما يتعلق بالخدمات والتعاقدات للشركات وأية معلومات أخرى ضرورية ربما تساهم في كشف حالات فساد.
إلى ذلك، يقول الخبير الاقتصادي عادل عبد العزيز، لـ"العربي الجديد"، إن الإرادة السياسية نحو محاربة الفساد في السودان ظهرت في إجازة البرلمان قانون المفوضية القومية للشفافية، مؤكداً أن الوقت ما زال مبكراً للحكم بشكل نهائي على مدى نجاح أو فشل حملة مكافحة الفساد.
وجاءت الحملة على الفساد، التي مر عليها نحو 100 يوم، في ظل تدهور اقتصادي واسع المستوى، منذ بداية العام الحالي، حيث انخفض سعر الجنيه السوداني لأدنى مستوى له في تاريخه مقابل العملات الأجنبية الأخرى، إذ بلغ سعر الدولار في السوق الموازي نحو 40 جنيهاً سودانياً، بينما ارتفع التضخم خلال شهر إبريل/ نيسان الماضي إلى 57.65%، وهي الأكبر في تاريخ السودان ولم تصل إليها البلاد حتى في مرحلة المقاطعة الأميركية.
كما جاءت الحملة على الفساد التي أطلقتها حكومة البشير بالتزامن مع غليان في الشارع السوداني نتيجة احتجاجه على الغلاء الفاحش الذي ضرب السلع الاستهلاكية الرئيسة، بما في ذلك الخبز واللحوم والسكر والألبان، فضلا عن الارتفاع في أسعار الدواء، وكلها زادت بنسبة تفوق الـ200%، حيث خرجت مظاهرات سلمية في يناير/ كانون الثاني ضد الغلاء والفساد.
وعلى الرغم من الضرب الإعلامي والسياسي المستمر، إلا أن الحملة على الفساد، أو كما يطلق عليها البعض الحرب على "القطط السمان"، لا تزال تقف في مشهد واحد هو اعتقال مجموعة من رجال الأعمال وقيادات مصرفية بأعداد لا تتواكب مع التعهدات السياسية والضجيج الإعلامي.
بدأت الحملة من داخل جهاز الأمن والمخابرات بتوقيف مدير إدارة الأمن السياسي، اللواء عبد الغفار الشريف، على ذمة الاشتباه به في التورط في قضايا فساد وتشكيل حلف مع رجل أعمال، ثم امتدت الاعتقالات لتشمل مسؤولين في قطاع السكر والدقيق.
لكن الحادثة الأهم في حملة مكافحة الفساد هي اعتقال أربعة من كبار العاملين في القطاع المصرفي والموظفين، هم مدير عام بنك فيصل الإسلامي الباقر أحمد النوري، ورئيس مجلس إدارة شركة التأمين الإسلامية محمد الحسن ناير، والعضو المنتدب لشركة سكر كنانة عبد الرؤوف ميرغني، وموظف آخر هو عكاشة محمد أحمد.
وفي مجال شركات النفط، تم اعتقال ثلاثة من مديري الشركات، أبرزهم حمد بحيري، وغاندي معتصم، وأحمد أبوبكر، بالإضافة لاعتقال مدير عام هيئة الأقطان محيي الدين علي أحمد، ثم إطلاق سراحه لاحقا.
وعلى صعيد رجال الأعمال، فقد تم اعتقال عدد كبير آخرهم الشقيقان وليد ومحمد فايت، غير أن انتحار رجل الأعمال عكاشة محمد أحمد، الخميس الماضي، داخل حراسة جهاز الأمن، أدى على ما يبدو، إلى مراجعة بعض الخطوات، حيث تلتها إجراءات بالإفراج عن بعض المعتقلين.
وفي اليومين الماضيين، وجهت نيابة أمن الدولة تهماً جديدة وبصورة رسمية لعدد من رجال الأعمال، وأحالت بموجب ذلك متهمين إلى سجن كوبر، أكبر السجون السودانية، بعدما كانوا محتجزين داخل حراسات جهاز الأمن.
ولتحقيق العدالة المرجوة، فقد قرر القضاء السوداني في الأسابيع الماضية، إنشاء محكمة خاصة لمكافحة الفساد بدأت فعليا في عملها وتنظر حالياً في كثير من القضايا. وكان لافتا في اليومين الماضيين نظرها في قضية سرقة مروحتين هوائيتين من مستشفى حكومي، ما أثار جدلا واسعا.
وقال رئيس منظمة الشفافية السودانية، الطيب مختار، لـ"العربي الجديد"، إن الاعتقالات الفردية والجماعية لن تؤدي مطلقا لنتيجة في مجال مكافحة الفساد، مطالباً ببناء منظومة تشريعية ومؤسسية متكاملة قادرة على تجفيف منابع الفساد والحد منه بصورة كبيرة، "والا سينفذ المفسدون في كل مرة من الثغرات الحالية ويفلتوا حتى من العقاب"، حسب قوله.
وأوضح مختار أن إنشاء مفوضية مستقلة لمكافحة الفساد هو ركن أساسي في الموضوع، مشيرا إلى أنه ورغم إجازة قانون إنشاء المفوضية بواسطة البرلمان إلا أن رئاسة الجمهورية تأخرت في تشكيلها.
كما طالب مختار بقانون خاص لحماية المبلغين عن الفساد، مشيرا إلى أن كثيرا من الموظفين في القطاعين الحكومي والخاص يعلمون كثيرا مما يدور في دهاليز المؤسسات من فساد، لكنهم يخشون فقدان وظائفهم ومن مضايقات عديدة يمكن أن تحدث لهم إن هم أبلغوا عن حالات فساد.
كما طالب رئيس منظمة الشفافية السودانية بتفعيل العمل بقانون الحصول على المعلومات، بشكل يلزم أي مؤسسة حكومية بتقديم المعلومات لطالبيها من الأفراد ومنظمات مكافحة الفساد والصحف، خاصة ما يتعلق بالخدمات والتعاقدات للشركات وأية معلومات أخرى ضرورية ربما تساهم في كشف حالات فساد.
إلى ذلك، يقول الخبير الاقتصادي عادل عبد العزيز، لـ"العربي الجديد"، إن الإرادة السياسية نحو محاربة الفساد في السودان ظهرت في إجازة البرلمان قانون المفوضية القومية للشفافية، مؤكداً أن الوقت ما زال مبكراً للحكم بشكل نهائي على مدى نجاح أو فشل حملة مكافحة الفساد.