في عام 1980، وبعد الثورة الإيرانية، ووصول سعر النفط إلى حوالي 35 دولاراً للبرميل، والبدء في وضع التصور لإنشاء مجلس التعاون الخليجي، التأم عقد القمة العربية في عمّان، بدون مصر بسبب أنها كانت قد وقعت معاهدة السلام مع إسرائيل، وفي مؤتمر بغداد عام 1979، أسقطت القمة عضوية مصر في جامعة الدول العربية، وانتقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس.
وفي مؤتمر قمة عمان الذي جاء بعد كل هذه الحوادث والتطورات، تمت الموافقة على "تقرير العمل العربي المشترك"، و"دراسة استراتيجية التنمية العربية"، و"وثيقة عقد التنمية العربية".
وقد عمل عشرون سياسياً واقتصادياً عربياً على دراسة الاستراتيجية، والتي استثمر جزءاً منها الاقتصادي الفلسطيني الراحل، يوسف صايغ، في كتابه العظيم الأهمية "محدّدات التنمية في الوطن العربي".
وأقرّت قمة عمان كذلك وثيقة عقد التنمية العربية، والتي منحت بموجبها دول الصمود العربي، وخصوصا الأردن، مبالغ سنوية من أجل تعزيز صمودها أمام إغراءات السلام والدخول فيه. وباستثناء المملكة العربية السعودية، لم تلتزم الدول المانحة بالدفعات المالية التي قبلت بتقديمها.
تذكّرت ذلك كله لما عُقد مؤتمر القمة العربية الثلاثون في تونس. ولمّا راجعت القرارات التي صدرت عنه، لم أجد فيها أي إجراءاتٍ عمليةٍ تصب في صالح دعم الصمود، فعدا عن موافقة الزعماء العرب، أو ممثليهم، على تقرير أمين عام جامعة الدول العربية عن العمل الاقتصادي العربي المشترك، فقد حوفظ على بند "دعم فلسطين"، وبند آخر يطلب إعفاء ثلاثة أرباع الديون المستحقة على العراق لصناديق العمل العربي المشترك.
ولو عدنا إلى مؤتمر القمة التاسع والعشرين في المملكة العربية السعودية، أو إلى مؤتمر القمة الثامن والعشرين الذي عُقد في الأردن، فإن نصوص القرارات كانت أكثر تنويعاً، ففي مؤتمر القمة في الأردن، اتفقت الدول على تبنّي نتائج دراسة تمكين المرأة العربية وتعزيز دورها، كما اتفق على وضع تصور للتعاون في مجال التكنولوجيا الذكية، خصوصا أن الثورة الصناعية الرابعة قد بدأت، والثورة الصناعية الخامسة تطل برأسها، مؤكّدة أنها ليست بعيدة.
والسؤال: أين نحن من هاتين الثورتين اللتين ستغيران كل أنماط التجارة والإنتاج والسلع والخدمات التي يتعامل بها العالم؟ ومن الطريف أن مؤتمر قمة تونس قد استمع إلى دعوةٍ مفتوحةٍ من الرئيس السوداني السابق (نعم السابق) عمر البشير، يدعو فيها العرب للاستثمار الزراعي في بلاده، وكانت الاحتجاجات في الجزائر قد بدأت، ولكنها لم تكن قد وصلت إلى مرحلة استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
وفي الوقت الذي نرجو فيه للشعبين، السوداني والجزائري، كل خير، والتماسك وحقن الدماء، فإننا يجب ألا ننسى أنهما القطران الأكبر مساحة في الوطن العربي، وأنهما من الأكثر وعدا في بناء المستقبل عربي.
وعندما توضع الإحصاءات العربية، فإن تعطلهما عن العمل العربي المشترك يعني أن مساحة الوطن العربي ستقل إلى ما دون عشرة ملايين كيلومتر مربع، وأن مساحة الأرض القابلة للزراعة ستتراجع بمقدار النصف تقريباً، وأن عدد سكان الوطن العربي سوف يتضاءل إلى 370 مليون نسمة بدلاً من حوالي 450 مليونا.
ولكن الواقع السياسي يقول إن الوطن العربي، في هذه اللحظة، فاقد أيضاً للصومال، واليمن، وجزر القمر، وليبيا. وإن الدول التي بدأت تسيطر على الأمور فيها أمامها شوط طويل من إعادة الإعمار والتأهيل، قبل أن تستعيد ألقها ودورها الذي تعودنا عليه.
وقد بدأت يوم أمس الأربعاء (17 إبريل/ نيسان) اجتماعات اتحاد مجالس الأعمال العربية في بيروت. وسيكون من أهم الموضوعات فيها البحث في قرارات مؤتمر القمة العربية الثلاثين في تونس، وتبنّي سياسات من الاتحاد المسجل لدى جامعة الدول العربية لتفعيل قرارات القمة العربية.
وقد تفضل رئيس الاتحاد بدعوتي لإلقاء المحاضرة الأولى في المؤتمر العتيد، والتي تشرفت بإلقائها يوم أمس. ولعل من أهم التوصيات بناء بيئة عربية محفّزة للقطاع الخاص العربي، لكي يستثمر أمواله في الوطن العربي نفسه.
وهنالك دلائل كثيرة على انتقال الاستثمار العربي المباشر وغير المباشر إلى دول مجاورة للوطن العربي. والسبب غياب الشعور بالأمان.
وإذا أرادت الدول العربية أن تُجنّب نفسها ويلات البطالة والفقر، فالاستثمار هو طريقها. ولتمكين القطاع الخاص من أداء دوره، لا بد أن يحسّن القطاع الخاص العربي موقفه التفاوضي من الحكومات.
وهذا لن يحصل إلا إذا أدرك القطاع الخاص أهميته لاقتصادات الدول، وإدراكه أنه يعيش في عالم متغير، وأن القطاع الخاص هو الذي يجمع الجزء الأكبر من الضرائب والرسوم للحكومات التي تحتاج هذه الأموال حاجة ماسّة.
واستمرار اعتبار القطاع الخاص هو اليد السفلى لن يعطيه الهيبة ولا المكانة التي يجب أن يتبوأها في بناء الاقتصاد العربي.
ولا بد للقطاع الخاص أن ينشئ داراً للدراسات المعتمدة على ديناميكية الحصول على المعلومات ودراستها، وبيان آثارها على القرارات الاستثمارية والمالية والإدارية في الشركات، وتطوير أسلوب وضع التقارير التي تُقلق بال الحكومات ليلة صدورها.
والمقترح كذلك أن يسعى رجال الأعمال العرب إلى إنشاء شركةٍ كبرى للاستثمار في التكنولوجيا الذكية، ودراسات الدخول في الثورة الصناعية الرابعة، وبناء منصّاتٍ عربية تجارية وصحية وخدمية، ليس للوطن العربي فحسب، بل وللعالم.
وأخيراً أن يأخذ الزعماء العرب قراراً لا رجعة عنه تحت أي ظرف بعدم السماح بالمقاطعة العربية، أو تغيير شروط الاتفاق العربي المبني في مجال التجارة والاستثمار وانتقال الأيدي العاملة بدون توافق كامل بين القطرين المعنيين، أو قبول داخل مؤسسات الوطن العربي المعنية.