و"آلية الأغراض الخاصة" تلك، ستسمح للعراق بدفع ثمن الطاقة الإيرانية المستوردة بالدينار العراقي، التي يمكن أن تستخدمها إيران لشراء البضائع الإنسانية حصراً، وفق ما يقول ثلاثة مسؤولين عراقيين لفرانس برس.
وسيتيح هذا الحل البديل لبغداد الاستمرار بعملية الاستيراد، وتجنب الاحتجاجات الشعبية الناجمة خصوصاً عن النقص في التغذية الكهربائية من دون أن تتعرض للعقوبات، إذا إنها تسير على حبل رفيع محفوف بالمخاطر بين حليفيها الرئيسيين طهران وواشنطن.
ويوضح مسؤول حكومي رفيع، أن تلك الآلية كانت نتاج أشهر من المحادثات بين المسؤولين العراقيين والإيرانيين والأميركيين.
ويضيف أن "الحكومة العراقية ستواصل السداد لإيران مقابل الغاز، عن طريق إيداع أموال في حساب مصرفي خاص داخل العراق بالدينار العراقي".
لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن "إيران لن تكون قادرة على سحب الأموال، لكنها ستتمكن من استخدامها لشراء سلع من خارج العراق".
وعلى العراق سداد فاتورة معلقة بنحو ملياري دولار ثمناً لعملية شراء غاز وكهرباء سابقة، وفقاً لوزير النفط الإيراني بيجان نمدار زنقنة.
ويقول مسؤول أميركي، إن واشنطن على علم بإنشاء هذه الآلية، لكن السفارة الأميركية في بغداد رفضت التعليق على الموضوع، ولم تتمكن فرانس برس أيضاً من الحصول على تعليق من السفارة الإيرانية في بغداد.
وإذ يؤكد مسؤولان عراقيان أن بغداد تقوم بإنشاء آلية مماثلة بعلم الولايات المتحدة، لم يحددا ما إذا كانت عملية الإيداع في الحساب قد بدأت. لكن أحدهما يقول: "كيف للعراق أن يدفع ما عليه لإيران؟ ليس لدينا خيار آخر".
صراف إيران الآلي
للتغلب على النقص المزمن في موارد الطاقة، يستورد العراق ما يصل إلى 28 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي من طهران لمصانعه، كما يشتري بشكل مباشر نحو 1400 ميغاواط من الكهرباء الإيرانية.
وهذا الاعتماد غير مريح بالنسبة للولايات المتحدة، التي سعت لتقليص نفوذ طهران وإعادة فرض العقوبات على المؤسسات المالية الإيرانية، وخطوط الشحن وقطاع الطاقة والمنتجات النفطية.
وأعادت واشنطن فرض عقوبات على قطاع الطاقة الإيراني في تشرين الثاني/ نوفمبر، بعد انسحابها من الاتفاق النووي الموقع بين الدول العظمى وطهران في 2018، لكنها منحت العراق إعفاءات مؤقتة عدة لمواصلة شراء الطاقة الإيرانية حتى شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.
وتصرّ الولايات المتحدة على وجوب أن يوقف العراق اعتماده على الطاقة الإيرانية، لكن بغداد تقول إن ذلك قد يستغرق ما يصل إلى أربع سنوات، ستحتاج خلالها إلى شراء الغاز الإيراني على الأقل.
وللقيام بذلك، وافق المصرفان المركزيان العراقي والإيراني في شباط/ فبراير الماضي على إنشاء طريقة دفع تتفادى العقوبات الأميركية، بحسب ما ذكرت وكالة "إيرنا" الرسمية الإيرانية. ويعني ذلك عدم التعامل بالدولار الأميركي، وشراء "اللوازم الإنسانية" فقط التي تسمح بها الولايات المتحدة، كالغذاء والدواء.
إذاً، يصف مسؤول عراقي آخر الأمر بالقول: "سنصبح جهاز صراف آلي لإيران". وبحسب المسؤولين العراقيين رفيعي المستوى، من المرجح أن يتم إنشاء الحساب
المذكور في المصرف التجاري العراقي "تي بي آي"، الذي يقوم بمعظم المعاملات الدولية للحكومة العراقية منذ تأسيسه في أعقاب الغزو الأميركي في العام 2003.
ويؤكد مصدر من المصرف لفرانس برس أن المصرف شارك في المفاوضات، لكن لم يتم إنشاء الحساب بعد.
ويضيف أن "وزارة الخزانة الأميركية لديها ثقة في عمليات المصرف التجاري العراقي. نحن نجري مناقشات للتوصل إلى اتفاق، سيكون بالكامل ضمن الإعفاءات الأميركية".
دفتر حسابات
يقول أحمد الطبقشلي، الباحث في معهد الدراسات الإقليمية والدولية في السليمانية بشمال العراق، إن الأمر سيكون التفافاً فعلياً على العقوبات. ويضيف لفرانس برس: "إنه كدفتر الحسابات، تسجل الأموال المدفوعة، ولإيران هذا الرصيد الكبير في العراق".
ومن ثم، فإن هذا النظام سيكون مشابهاً لآلية "إنستيكس" التي تم تفعيلها مؤخراً من قبل بريطانيا وألمانيا وفرنسا، للتداول بشكل شرعي مع إيران دون الإخلال بالعقوبات الأميركية. ورغم ذلك، النظام محفوف بالتعقيدات السياسية والمالية والعملانية.
يعتمد الاقتصاد العراقي بشكل تام تقريباً على عائدات النفط، المدفوعة بالدولار الأميركي، ما يجعل بغداد عرضة بشكل كبير لأي إجراءات عقابية يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة رداً على أي انتهاك.
ولا يزال غير واضح ما الذي يمكن أن تشتريه إيران بالضبط من العراق، لأن التبادل التجاري يميل في الاتجاه الآخر.
يوضح الطبقشلي أن "الائتمان سيتطور لصالح إيران، لكن كيف ستصرفه؟"، مشيراً إلى أن استيراد البضائع من خارج العراق يتطلب وجود طرف ثالث على استعداد لتحمل المخاطر السياسية والمالية لصفقة مماثلة.
وفي نهاية المطاف، فإن معظم معاملات العراق مع إيران هي مشتريات نقدية للسلع التجارية، وهو أمر لا تستطيع السلطات الأميركية التي تنفذ العقوبات فرضه، إذ "لا يمكن تعقب النقد"، بحسب الطبقشلي.
(فرانس برس)