قنبلة موقوتة... البطالة في غزة تقفز لأرقام مخيفة

08 يوليو 2017
الكثافة السكانية بغزة تعمّق أزمة البطالة (عبدالحكيم أبو رياش)
+ الخط -
على ناصية أحد شوارع مدينة غزة الرئيسية، يقف الشاب محمد أبو عمر (25 عاماً) أمام عربة بيع ذرة مسلوقة وقد ظهرت على ملامحه علامات الضجر، إذ تخرّج من تخصص الإدارة قبل عدة سنوات من دون أن يجد له فرصة عمل، على الرغم من تفوقه ومعدله المرتفع.
العشريني أبو عمر لم يكن الوحيد، إذ تشابه وضعه مع وضع عشرات آلاف الخريجين، والذين تخرجهم الجامعات، إذ تقذف نحو 30 مؤسسة تعليمية في قطاع غزة سنوياً نسبة 2500 طالب وطالبة من مختلف التخصصات، وفق إحصاءات وزارة التربية والتعليم.

الإحصاءات الرسمية أوضحت أن ما يزيد عن 150 ألف خريج وخريجة جامعية عاطلون عن العمل، إلى جانب مئات آلاف العمال الذين فقدوا مصدر رزقهم بعد إغلاق المعابر مع الجانب الإسرائيلي، وإنهاء العمل داخل الخط الأخضر "أراضي الـ 48"، ما دفع المختصين إلى وصف البطالة بـ "القنبلة الموقوتة"، نتيجة التأثير السلبي لجلوس تلك الأعداد دون عمل.
وسجلت أعلى معدلات بطالة للفئة العمرية 20- 24، إذ بلغت 43.2% في عام 2016، وسجلت الإناث اللواتي أنهين 13 سنة دراسية فأكثر أعلى معدلات بطالة، حيث بلغت 50.6% من إجمالي الإناث المشاركات في القوى العاملة لهذه الفئة، وبلغ عدد المشاركين في القوى العاملة في فلسطين خلال العام الماضي نحو 1.34 مليون شخص، وفق النتائج الأساسية لمسح القوى العاملة في فلسطين لعام 2016، والتي أعلنها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، منهم 496.4 ألف شخص في قطاع غزة.

وباتت البطالة واحدة من أهم القضايا التي تؤرق الشارع الفلسطيني عموماً، والوضع الاقتصادي على وجه التحديد، خاصة أن قطاع غزة تعصف به مختلف المشاكل والمعضلات والأزمات، نتيجة حصار الاحتلال الإسرائيلي للقطاع للعام الحادي عشر على التوالي.
ذلك الحصار خنق مرافق الحياة في القطاع، وأضعف القطاع الاقتصادي الخاص، وأعدم فرص العمل، ما خلف مشاكل اقتصادية ضخمة، أدت إلى تفاقم وتدهور مشكلتي الفقر والبطالة نحو مستوى غير مسبوق في الزيادة، عجز الاقتصاد الفلسطيني عن استيعابها، أو توفير حلول لها.

وقال محمد أبو عمر لـ "العربي الجديد" إنه تنقل خلال السنوات الثلاث الماضية بين عدة مهن بسيطة من أجل توفير مصروفه اليومي، وتكوين مستقبله، لكن بساطة الأعمال وتدني الدخل لم يمكناه من فعل شيء سوى توفير الحاجيات البسيطة للبيت، إلى جانب مصروفه اليومي.
وأضاف، وهو من سكان منطقة الزيتون، شرق مدينة غزة، أنه حاول إيجاد فرصة عمل، عبر تقديم أوراقه في عدد من المؤسسات والشركات، لكن دون جدوى، مضيفاً: "لا يمكنني اليأس، خاصة أنني لا أملك أي خيار سوى توفير المال لي ولأسرتي، خاصة بعد توقف والدي عن العمل لكبر سنه".

وأوضحت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) كذلك أن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في قطاع غزة قاسية، مبينة في تقرير لها أن ما نسبته 80% من السكان في غزة يعتمدون على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، مثل التعليم الأولي والغذاء والرعاية الصحية والإيواء، إلى جانب المستلزمات البسيطة.
وأوضحت المنظمة الدولية في تقريرها أنه ليس من السهل إيجاد عمل في قطاع غزة، إذ إن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في القطاع الضيق قاسية، وتعتبر غزة واحدة من أكثر الأماكن التي تضم معدلات بطالة عالية في العالم.

وضربت جذور معدلات البطالة العالية في الاقتصاد الفلسطيني، إذ تعد من أكثر المشكلات خطورة اقتصادياً واجتماعيا، والتي أوجدها الاحتلال الإسرائيلي عبر قرارات مباشرة وغير مباشرة، من إغلاق للمعابر وتدمير للبنى الاقتصادية، علاوة على تدمير المصانع والمشاريع التي تستوعب نسباً كبيرة من العمال، إلى جانب منع دخول المواد الخام اللازمة لمواد البناء، والتي تدخل في مجموعة مهن تعرقل العجلة الإنتاجية.
المواطن الأربعيني نضال أبو حلاوة، من منطقة تل الهوا وسط مدينة غزة، كان واحداً من "عُمال إسرائيل"، عمال الداخل الفلسطيني المحتل ويزيد عددهم عن 100 ألف عامل توقفوا جميعاً عن العمل، كان يعمل في البناء والبلاط، قبل أن يلتحق بصفوف البطالة عام 2000.

وقال لـ "العربي الجديد" إنه عمل بعد عام 2000 في البناء والبلاط داخل قطاع غزة كي يتمكن من توفير قوت عائلته، إلى أن بدأ الحصار الإسرائيلي عام 2006، وتوقفت مواد البناء عن الدخول، مضيفاً: "بعد هذا التاريخ انقطع العمل تماماً، سوى من بعض الأعمال البسيطة، والتي لا تدوم سوى لأيام بسيطة".
وأوضح أنه يعتاش وأسرته على "شيك الشؤون الاجتماعية" الذي تصرفه وزارة التنمية الاجتماعية، وبعض المساعدات، مضيفاً: "أصيب ابني البكر محمد باليأس من إتمام الدراسة، وأصبح مقتنعاً بعدم جدواها في ظل انعدام فرص العمل أمام الخريجين، أو حتى العُمال".

وترجع أسباب ارتفع معدلات البطالة في صفوف الخريجين الشباب للارتفاع الكمي والنسبي في مؤسسات التعليم العالي ومخرجاته المتواصلة، ما تسبب في تزايد متواصل في أعداد الخريجين، في الوقت الذي يعاني فيه سوق العمل من تدني القدرة الاستيعابية.
من ناحيته؛ أرجع المحلل الاقتصادي الدكتور معين رجب تفاقم أزمة البطالة إلى مجموعة أسباب، أبرزها عدم وجود سياسة محددة للتشغيل في فلسطين، مضيفاً: "كنا نعتمد بشكل رئيسي على التشغيل داخل الخط الأخضر، وبعد قيام انتفاضة الأقصى عام 2000، قامت إسرائيل بمعاقبة غزة، عبر منع تشغيل العمال".

وأضاف في حديث مع "العربي الجديد" سرد أسباب تفاقم البطالة، موضحاً عدم وجود سياسة للاعتماد على الذات في تشغيل الشباب، إلى جانب الحصار الإسرائيلي المشدد، وإغلاق المعابر، علاوة على منع دخول مواد البناء، في ظل فائض في أعداد العمال والخريجين، حرموا من العمل داخل الأراضي المحتلة، أو حتى خارج فلسطين.
وشدد رجب على أن انعزال غزة عن الضفة الغربية والقدس فاقم الأزمة، خاصة أن غزة تعتبر ذات كثافة سكانية عالية، موضحاً أنه ليس من السهل إيجاد الحلول العاجلة أو المتوسطة أو حتى بعيدة الأمد، طالما بقيت الظروف والمعطيات الحالية، والتي تجعل مفاتيح الحل غير متاحة.
وأشار كذلك إلى عدم وجود اقتصاد مستقل، أو خطط واضحة، لكنه دعا في الوقت ذاته جهات الاختصاص والوزارات إلى تطبيق قانون العمل الفلسطيني، إلى جانب الاهتمام بالقطاع الخاص، مؤكداً ضرورة التنسيق فيما بينها، والعمل بكل ما لديها، من أجل تخفيف حدة الأزمة.


المساهمون