ماذا لو فاز التطرف بالانتخابات الفرنسية؟

22 ابريل 2017
+ الخط -
بدت أسواق المال في أوروبا حتى إغلاق الجمعة، وهو يوم التعامل الأخير قبل بدء الجولة الأولى في الانتخابات الفرنسية هادئة تماماً، وليس معروفاً بعد، إن كان هذا الهدوء يعكس ثقة حقيقية في فوز مانويل ماكرون وهزيمة مرشحي التطرف، أم أنه هدوء يسبق العاصفة.

ولكن بالتأكيد فإن "العربي الجديد"، وهي ترصد تحركات الأسواق ومؤشرات أدوات الاستثمار، لاحظت أن أسواق المال صوتت مبكراً لصالح هزيمة التطرف وفوز الاعتدال، رغم أن استفتاءات الرأي الأخيرة تشير إلى أن الفارق بين المرشحين الأربعة ليس كبيراً، حيث أنه يقل عن 6 نقاط.

وحسب متوسط استفتاء هاريس واستفتاءات أخرى ظهرت حتى يوم الجمعة، فإن احتمال فوز مانويل ماكرون يراوح بين "23 ـ 24.5%" مقابل "21 ـ 22% " لزعيمة الجبهة الوطنية المتطرفة مارين لوبان وبين 20 ـ 21 % لفرانسوا فيون و18ـ 19% لجان لوك ميلانشون الذي يمثل التيار اليساري الراديكالي. ولكن تشير بيانات الرأي إلى أن 30% من الناخبين لم يحددوا موقفهم بعد. 

وبالتالي فالنتيجة النهائية لا تزال مفتوحة، ولكن لم تدخل أسواق المال الفرنسية أو الأوروبية حتى الجمعة في حساباتها احتمال فوز مرشحي التطرف اليميني واليساري، وهما كل من مارين لوبان وجان لوك ميلونشون، رغم التقارب الشديد في شعبية المرشحين التي أبرزتها استفتاءات الرأي.

وحسب مصرف "دويتشه بانك" الألماني، فإن عدم أخذ المستثمرين لاحتياطات كافية وعدم حساب مخاطر فوز مرشحي التطرف قد يجلب كارثة على الأسواق، لأن احتمال فوز أي منهما لم يختف تماماً، حسب استفتاءات الرأي.

ويراهن المستثمرون في فرنسا وأوروبا على احتمال أن يصعد للجولة الأخيرة من الانتخابات التي ستجرى في بداية مايو/أيار كل من مانويل ماكرون الذي يمثل الوسط ويميل قليلاً لليسار ومارين لوبان، ويرون أن الجماهير الفرنسية بمختلف اطيافها غير اليمينية المتطرفة ستصطف في الجولة الأخيرة ضد مارين لوبان وستدعم ماكرون. ولكن هذه تظل احتمالات وحدوث المفاجآت لم يختف تماماً.

من جانبه يرى الخبير الاقتصادي بمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي بواشنطن أدم بوسون أن احتمال صعود "مارين لوبان وجان ميلانشون للجولة الأخيرة من الانتخابات يمثل كارثة حقيقية لفرنسا وأوروبا". وينصح الناخب الفرنسي خاصة في الريف، عدم الانخداع بوعود مرشحي التطرف، لأن ذلك سيجر كارثة على الاقتصاد الفرنسي، حيث سيقود إلى هروب الرساميل من فرنسا إلى كل من سويسرا وألمانيا.

وحتى إغلاق الجمعة، فإن سعر صرف اليورو ظل عادياً، ولم يظهر عليه أي تذبذب يذكر، سوى هبوط طفيف في نهاية التعامل. ولاحظت بعض شركات الوساطة المالية في تقرير نشرته صحيفة "لي باريسيان" الفرنسية تحريك بعض الأثرياء لحسابات من البنوك الفرنسية إلى البنوك في لوكسمبورغ تحسباً لاحتمالات صعود المرشح جان لوك ميلانشون، الذي يعد في برنامجه الانتخابي بفرض ضرائب بنسبة 100% على الدخول التي تفوق 400 ألف يورو (حوالى 4028 دولارا).

ولكن هذه التحويلات إلى الحسابات في لوكسمبورغ لم تتعد مئات ملايين اليورو، كما لاحظت مصارف أميركية أن هنالك مشتريات أوروبية حدثت للدولار في نهاية تعاملات الخميس، تحسباً لفوز المرشحة لوبان التي تعد بإخراج فرنسا من اليورو، ولكن هذه التحويلات لم تكن كبيرة، وتوقفت في يوم الجمعة.

كما أشارت بيانات البورصة الفرنسية إلى أن الهجوم الإرهابي الذي وقع في شارع الشانزليزيه، أدى إلى اتساع الفارق بين ريع السندات الألمانية والفرنسية أجل 10 سنوات.

وحسب مصرف "دويتشه بانك"، فإن الفارق حدث لأن بعض المستثمرين اعتقد أن هذا الهجوم سيرفع من أسهم مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، التي تطالب بإخراج فرنسا من منطقة اليورو، وعودة "المركزي الفرنسي" لطباعة الفرنك الفرنسي. ويذكر أن فارق الفائدة بين السندات الألمانية والفرنسية اتسع من 0.03 خلال العام الماضي إلى 0.07% حتى نهاية الأسبوع.

وفي حال فوز مارين لوبان، فإن الاقتصاد الفرنسي الذي يعاني من ارتفاع معدل البطالة فوق 10% ويرتفع وسط الشباب فوق هذا الرقم، كما يعاني من مديونية مرتفعة تقدر بحوالى 2.1 ترليون دولار، سيواجه تحديات ضخمة. حيث من المتوقع أن يهرب المستثمرون من السندات الفرنسية التي تعتمد عليها فرنسا في تمويل عجز الميزانية وبالتالي ستجد الحكومة الفرنسية صعوبات في تمويل الإنفاق.

كما أنه في حال فوز المرشح اليساري الراديكالي جان ميلانشون، فإن الأثرياء والمصارف سيهربون من فرنسا، لأن لا أحد من أصحاب المال يرقب في ضريبة معدلها 100% على دخله فوق 400 ألف يورو.

وهذا الدخل ربما يبدو كبيراً للموظف العادي، ولكنه في عالم المصارف دخل متوسط أو حتى قليل. وبالتالي فالتوقعات وكما يقول الاقتصادي الأميركي بوسون، هو هروب الثروة من فرنسا واغتيال جاذبية باريس واحتمالية أن تصبح عاصمة للمال والمصارف بدلاً عن لندن.

وفي مذكرة للعملاء كتب الخبير المالي بمؤسسة "لندن كابيتال غروب"، ابيك أوزكارديسكايا، ينصحهم بضرورو أخذ تحوط ضد المخاطر السياسية التي يواجهها اليورو. ويذكر أن الاقتصاد الفرنسي الذي يبلغ حجمه 2.8 ترليون دولار، يعد ثاني اقتصاد في منطقة اليورو بعد ألمانيا.

وتمثل نتيجة هذه الانتخابات نقطة فاصلة في استمرارية الكتلة الأوروبية، إذ أن فرنسا تعد دولة محورية في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو. ويرى محللون أن الوحدة الأوروبية بدون فرنسا وبريطانيا ستكون بدون معنى.

وبالتالي فإن المخاطر كبيرة جداً على اقتصاديات منطقة اليورو وعلى أسواق الدين العالمي في حال تحقق سيناريو فوز التطرف في الانتخابات الفرنسية. ويذكر أن وكالة فيتش للتصنيف الائتماني قد خفضت يوم الجمعة التصنيف السيادي لإيطاليا التي ارتفعت ديونها العامة إلى 132.6% من اجمالي الناتج المحلي.
المساهمون