الجزائر... عقود طويلة مع دول أوروبية لتعزيز عائدات صادرات الغاز

19 يونيو 2018
الجزائر تسابق الزمن لتعزيز صادرات الغاز (فرانس برس)
+ الخط -

دخلت الجزائر مرحلة جديدة تشمل تجديد عقود طويلة الأمد للغاز مع دول جنوب القارة الأوروبية كإيطاليا وفرنسا، في وقت تضغط فيه هذه الدول من أجل تخفيض الآجال والأسعار.

وأول العقود التي نجحت الجزائر في تجديدها، هي تلك التي تربطها بدولة إسبانيا، حيث قامت الشركة الجزائرية للمحروقات سوناطراك، يوم الخميس الماضي، بتوقيع اتفاقيات مع مجمع "غاز ناتورال فينوزا" لتجديد عقود بيع وشراء الغاز الطبيعي ستمتد من 2019 إلى غاية 2030 بغلاف مالي يقارب 30 مليار يورو. 

وتسمح هذه الاتفاقيات لسوناطراك بتعزيز مكانتها كأول ممون بالغاز الطبيعي للسوق الإسباني وتعزيز علاقة تعاونها مع شريكها التاريخي "غاز ناتورال فينوزا"، تضيف المؤسسة حسب بيان لها حول هذا التعاقد.

وبدأت العلاقات التجارية بين سوناطراك و"غاز ناتورال فينوزا" عن طريق التموين بالغاز السائل في بداية السبعينيات، ومن ثم تطورت بإنجاز أنابيب غاز "بيدرودوران فاريل" و"ميدغاز".

وحسب المدير العام الأسبق لسوناطراك عبد المجيد عصار لـ "العربي الجديد"، فإن "إسبانيا من عاداتها آلا تبدي مقاومة عندما يتعلق الأمر بتجديد عقود الغاز، ولعل هذا ما ساعد البلدين في العقود الماضية إلى ربط البلدين بأنبوب الغاز "مغرب -أوروبا غاز دوك" الذي يمر عبر المغرب".

وأضاف المتحدث نفسه أن "العلاقات السياسية والدبلوماسية بين البلدين تساعد كثيرا تجديد العقود دون أن ننسى أن إسبانيا تجد صعوبة في إيجاد ممون لها بالغاز بالنظر لموقعها الجغرافي في أقصى غرب القارة العجوز".

وستكون المغرب أكبر المستفيدين من هذا التجديد، حيث تحول إليه رسوم مستحقة له نتيجة مرور الأنبوب عبر أراضيه، وفي حال عدم تجديد العقود، سيؤول للمغرب حق استغلال الأنبوب الذي سيصبح ملكاً له، ويمكنه حسب العقد المبرم بين الجزائر والمغرب ودول جنوب أوروبا أن يستعمله لاستيراد الغاز.

وفي ذات السياق، يقول الخبير الاقتصادي جمال نور الدين إن "المغرب يستفيد سنويا من مرور الغاز الجزائري عبر ترابه بنحو 121 مليون دولار، نتيجة الرسوم التي تبلغ 7%، ولا يحصل المغرب أموالاً من عبور الغاز الجزائري، بل يأخذ حصة من الغاز الذي يستعمله في تشغيل محطتين لإنتاج الكهرباء".

وأوضح الخبير الاقتصادي في اتصال مع "العربي الجديد" أن "العقد الذي يقنن هذا الأنبوب يسري إلى نهاية 2021، غير أنه لا يُعرف ما إذا كان سيتم تجديده بعد ذلك التاريخ، إلا أن الترجيحات تشير إلى تجديده ما دامت الجزائر قد جددت عقودها مع إسبانيا".

وكانت ساعة المفاوضات بالنسبة للجزائر قد دقت، لتجديد عقود بيع الغاز لبلدان جنوب أوروبا، فالعقود طويلة الأمد التي تربط الدولة بإيطاليا وإسبانيا وفرنسا تعيش آخر شهورها.

وينتهي عقد الجزائر مع شركة "إيني" الإيطالية في العام الحالي (2018)، في حين تنتهي العقود المبرمة بين باريس والجزائر، وبين مدريد والجزائر، بين سنتي 2019 و2022.

ولا تزال الجزائر تفضّل إبرام عقود طويلة الأمد مع البلدان التي تشتري منها الغاز، وهي الرغبة التي أصبحت تزعج بعض الشركات النفطية الأوروبية التي تفضل عقودا قصيرة الأمد، خاصة أن السوق يشهد تقلبات مستمرة في الأسعار.

ويُنتظر أن تدخل شركة سوناطراك، في الأيام المقبلة، في مفاوضات مع شركة "إيني" الإيطالية، من أجل تجديد العقد المبرم بين الطرفين سنة 1994، وتم تمديده سنة 2005 إلى غاية 2018.

ولم تكشف الشركة الإيطالية بعد عن كل أوراقها، حسب ما علمته "العربي الجديد" من مصدر داخل الشركة النفطية الجزائرية أعلن أن العلاقات بين الشركتين تعيش "مرحلة ذهبية" حيث استفادت الشركة من عدة عقود في الصحراء الجزائرية ما قد يساعد الجزائر على تجديد عقد الغاز مع إيطاليا."

وتعتبر الجزائر من أهم مموّني القارة الأوروبية بالغاز الطبيعي، إذ تستورد القارة العجوز قرابة 30% من احتياجاتها من الغاز من الجزائر، عبر 3 أنابيب.

وحسب بيانات رسمية، تحوز إيطاليا أكبر حصة من الغاز الجزائري بنحو 60%، تليها إسبانيا بنحو 20%، وفرنسا 12%، ثم البرتغال 7%، وسلوفانيا 1%.

إلا أن هذه الأرقام يمكن أن تتغير إذا لم تنجح الجزائر في تقديم عروض مغرية لزبائنها الدائمين، في ظل دخول منافسي الجزائر بمعطيات جديدة.

فروسيا أكبر منافس للغاز الجزائري في القارة العجوز أطلقت حقل "يامال" الغازي الذي تبلغ قيمته 27 مليار دولار، ويعد من أكبر المشاريع في العالم وأكثرها طموحا، فضلا عن بناء مصنع لتسييل الغاز يسمح بإنتاج 16.5 مليون طن سنوياً اعتباراً من 2019، على ثلاث مراحل.

ويقول الخبير والمستشار في المجال النفطي، مراد برور، إن "الجزائر اليوم هي الممون الثاني للغاز الطبيعي المسال لأوروبا خلف قطر، والرابعة في مجال الغاز الطبيعي خلف روسيا، النرويج وهولندا، مع العلم أن صادرات الجزائر من الغاز إلى أوروبا قد تراجعت بنحو 10% منذ 2014، هذا يعني أن المنافسة شرسة".

وحسب برور، فإن هذه المنافسة وضعت الجزائر في مساحة لا تسمح لها بفرض كل شروطها على طاولة المفاوضات.

ويضيف المتحدث ذاته لـ"العربي الجديد"، أن سوق الغاز الطبيعي السائل الذي يعد نقطة قوة الجزائر، يشهد تنافسية عالية بعد تضاعف المصدرين في الـ 25 سنة الأخيرة، وفي ظل هذه المعطيات ستضطر الجزائر عاجلاً أم آجلا للتخلي عن العقود طويلة الأمد في مجال الغاز، خاصة أنها تشترطها بمعدلات أسعار أعلى من المتوسط العام المسجل في الأسواق الحرة".

وفي المقابل، يرى الخبير الجزائري أن "العقود طويلة الأمد التي تفضلها الجزائر أصبحت من منظور اقتصادي غير مجدية، فالجزائر كانت تراهن على العقود طويلة الأمد لأخذ قروض من صندوق النقد الدولي وبعض الدول، حيث إن عائدات العقود مضمونة لسنوات طويلة.

إلا أن الجزائر الآن تعيش أوضاعا اقتصادية صعبة تحتم عليها الاستفادة من الأسعار التي تفرضها سوق الطاقة العالمية، وما ينطبق على الحالة الإسبانية قد لا ينطبق حتما على فرنسا وإيطاليا.

وتحتل الجزائر المرتبة الحادية عشرة عالميا من حيث احتياطات الغاز الطبيعي التقليدي المقدر بقرابة 159 تريليون قدم مكعبة.

وتقدّر مفوضية الاتحاد الأوروبي صادرات الجزائر بنحو 25 تريليون متر مكعّب سنوياً، في حين بلغت قيمة صادرات الغاز الطبيعي بالنسبة للجزائر في 2013 حوالي 12.82 مليار دولار، مقابل 15.81 مليار دولار في 2012، حسب أرقام وزارة الطاقة الجزائرية.
المساهمون