السودان يصعّد حربه ضد الفساد

03 ابريل 2018
مخاوف سودانية من تداعيات تفاقم الفساد (Getty)
+ الخط -

أعلن السودان، عدة إجراءات جديدة، للحد من التأثيرات السلبية لشبكات الفساد التي استهدفت العديد من القطاعات الاقتصادية في البلاد، وكان إنشاء محكمة مختصة بمكافحة الفساد ونهب المال العام أحدث خطوة حكومية في هذا الاتجاه.

ووصل القلق من مخاطر تفاقم ظاهرة الفساد إلى حد إعلان الرئيس السوداني، عمر البشير، وجود شبكات فساد مترابطة استهدفت تخريب الاقتصادي القومي، من خلال سرقة أموال الشعب. وقال البشير، خلال افتتاح دورة انعقاد البرلمان، قبل يومين، سنتدخل بحكم المسؤولية الدستورية عن الاقتصاد الكلي الذي شهد استهدافاً مباشراً لضرب استقرار البلاد وزعزعة أمنها، مشيراً إلى اتخاذ جملة من الإجراءات لضبط سوق النقد ومنع تهريب الذهب.

وأضاف "لن يفلت أحد من العقاب، وإنها حرب على الفساد في كل مكامنه ومخابئه، معلناً عزم الحكومة على تطبيق قانون الثراء الحرام ومن أين لك هذا". 

وكانت منظمة الشفافية الدولية قد صنفت، في أحدث تقرير لها، السودان، ضمن أكثر الدول فسادا في العالم، حيث احتل المركز 175 في ترتيب الدول الأكثر شفافية بين 180 دولة عن عام 2017. لكن مسؤولين حكوميين، وفي أكثر من مناسبة، رفضوا اعتماد معايير الشفافية الدولية، واتهموا القائمين عليها باستهداف السودان كما اعتبروها منظمة غير محايدة.

وفي إطار التحركات الحكومية الأخيرة للحد من الفساد، أصدر رئيس القضاء، حيدر أحمد دفع الله، قرارا بتأسيس محكمة جنايات تختص بمكافحة الفساد ومخالفات المال العام، والنظر في الدعاوى الخاصة بقضايا استغلال النفوذ وتخريب الاقتصاد الوطني.

ووجد قرار إنشاء المحكمة ترحيباً على المستويات السياسية والقانونية والمالية والأمنية، إذ أشاد رئيس منظمة الشفافية السودانية، الطيب مختار، بوجود مثل هذه المحاكم المختصة في السودان، غير أنه لفت إلى استمرار وجود فراغ وحلقات مفقودة وغائبة في منظومة مكافحة الفساد، وهي عدم وجود مفوضية قومية لمكافحة الفساد والمنصوص عليها في المادتين (5 و6) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

وقال مختار إن إنشاء مفوضية لمكافحة الفساد بصلاحيات واسعة، تعتبر الخطوة الأهم في سبيل الوصول إلى الإصلاح.




وقبل أكثر من عام، أجاز المجلس الوطني (البرلمان)، قانونا لتشكيل مفوضية مستقلة لمكافحة الفساد والشفافية، بعد شد وجذب مع رئاسة الجمهورية، التي لا تزال تتردد في تسمية رئيس وأعضاء المفوضية.

وأكد مختار أن قيام المفوضية يؤدي إلى سيادة مبادئ العدالة وحكم القانون وأسس المساءلة والمحاسبة ويسهم في تحسين صورة السودان لدى المؤسسات الدولية سياسيا واقتصاديا، مشيرا إلى أن المفوضية تُعنى بإجراء التقييم الدوري لمؤسسات مكافحة الفساد، وتحديد مدى كفاءتها في منع الفساد، ووضع التدابير الوقائية لمكافحته.

وقامت الحكومة بعدة حملات اعتقالات لمسؤولين في مناصب اقتصادية بارزة، في شهر مارس/آذار الماضي، منهم المدير العام لبنك فيصل الإسلامي السوداني، الباقر أحمد النوري، ورئيس مجلس إدارة "شركة التأمين الإسلامية المحدودة"، محمد حسن ناير، وذلك بتهمة التلاعب في سوق الصرف والمضاربة في العملة السودانية، كما حجز البنك المركزي على أموال 89 عميلاً في المصارف السودانية.

ومن جانبه، قال الخبير القانوني نبيل أديب، إن إنشاء المحكمة خطوة جيدة، وهي مختصة وليست خاصة، فالمحاكم الخاصة تطبق إجراءات معينة ومختلفة خاصة بها، خلافا ما تطبقه المحاكم العادية، ويمكن أن يكون قضاتها مختلفين، وعادة يكونون من العسكريين، ونحن ضد هذا النوع من المحاكم، أما المختصة كمحكمة الفساد فتركز على نوع معين من الجرائم.

وأضاف أديب أن أعمال فساد صارت في الوقت الحالي غير مُجّرمة كمخالفات منح العقود الحكومية والمسائل ذات الصلة بإخفاء معلومات، الأمر الذي يحتم وجود قوانين تدعم محكمة الفساد وجرائم المال العام، ليتسنى لها الكشف عن أوجه الفساد.

وقال مدير المخابرات السابق، المستشار الأمني الفريق حنفي عبدالله، لـ"العربي الجديد"، إن إنشاء محكمة لجرائم الفساد يردع كل من تسول له نفسه بارتكابها. وطالب عبد الله بمواكبة قرار إنشاء المحكمة بتعديلات في القوانين، خاصة النصوص ذات الصلة بالجرائم الاقتصادية بشكل عام، بما فيها الفساد والتهريب، مشيراً إلى أن متابعة قضايا الفساد تتطلب الدقة الكبيرة في المعلومات وتوفر الوثائق التي تؤكد صحة وقوعها، لتسهيل وصول المحكمة إلى إصدار أحكام بشأنها وإدانة ومعاقبة مرتكبيها.

وفي المقابل، أكد عضو كتلة التغيير في المجلس الوطني (البرلمان)، مبارك النور، في حديثه لـ"العربي الجديد"، عدم جدوى المعالجات السابقة والحالية التي تتخذها الحكومة لمحاربة الفساد والتلاعب بالمال العام، سواء بإنشاء آلية لمكافحة الفساد ومفوضية قومية وأخيرا محكمة مختصة.

واعتبر النور تلك الإجراءات غير مفيدة، قائلاً إنه لابد من تفعيل قانون من أين لك هذا. وأشار إلى أن الفساد لا تحاربه المحاكم والمفوضيات، بل يحاربه اختيار "القوي الأمين" (في المناصب)، وإرادة حقيقية من الدولة.
المساهمون