المغاربة يترقبون المصائب بعد رفع الدعم عن المحروقات

23 مايو 2014
اعتصام السائقين العموميين في المغرب (عبد الحق سنا/فرانس برس/getty)
+ الخط -

كل شيء في المغرب مرتبط بأسعار المحروقات. فبمجرد بدء الحكومة مساعيها لرفع الدعم عن المحروقات، ارتفعت أسعار عدد كبير من المواد والسلع والخدمات.

وبموازاة ذلك، تشهد القدرة الشرائية للمغاربة تدهوراً منذ سنتين، ليضاف إلى هذا التدهور ارتفاع الأسعار الشهري الذي يتبع رفع الدعم التدريجي عن المحروقات، تمهيداً للوصول إلى رفع الدعم بشكل كلي قبل نهاية العام الجاري.

ولا تتوقف تداعيات رفع الدعم على أسعار الخدمات والسلع الاستهلاكية، إذ من المتوقع أن يتم الإعلان يوم الإثنين المقبل، عن نزع الدعم عن الكهرباء ومياه الشرب أيضاً، ما سيؤدي إلى المزيد من تآكل رواتب المغاربة وارتفاع كلفة معيشتهم بما يفوق تحمّلهم.

نظام المقايسة

بدأ كل شيء بقرار حكومي مفاجئ، منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، للبدء في تطبيق "نظام المقايسة" بالنسبة للمحروقات السائلة، ما يعني تحرير أسعار المحروقات، وبالتالي وقف الدعم وربط أسعارها محلياً بتقلبات أسعارها في الأسواق العالمية. وأدى هذا القرار إلى تسجيل زيادات متباينة في أسعار العديد من المواد الأساسية.

وكان وزير النقل حالياً محمد نجيب بوليف، يشغل حينها منصب الوزير المكلف بالشؤون العامة والحكامة (الحكم الرشيد)، وقد قلل وقتها من التأثيرات السلبية المحتملة لهذا القرار على القوة الشرائية للمواطنين.

وفي أول رد فعل، هددت نقابات النقل، سواء للبضائع أو المسافرين، بالدخول في إضراب مفتوح عن العمل، وهو ما أعاد إلى الأذهان إضرابا مماثلا ربيع عام 2009 دام قرابة ثلاثة أسابيع، وكاد يشل الاقتصاد المغربي.

وعلى الأثر، استدعت الحكومة، التي يقودها عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، هذه النقابات للتوصل إلى حل وسط. وتعهدت الحكومة بتعويض شركات النقل وسيارات الأجرة عن التكاليف الإضافية التي سيتحملونها جراء هذه الزيادة بشرط أن يقدموا إلى السلطات، بشكل دوري، وصلات (فواتير) تبين كمية الوقود المستهلكة.

هذا الاتفاق، جنب المواطنين زيادة جديدة في كلفة النقل، كما جنبهم سيناريو يونيو/حزيران 2012، عندما أقرت شركات النقل زيادات مهمة في أكلاف النقل، بعد قرار الحكومة، بشكل مفاجئ كذلك، رفع أسعار المحروقات.

 

بين أزمة 2012 ومصيبة اليوم

واشتعلت نيران الأسعار في المغرب بإقرار حكومة بنكيران زيادة مفاجئة في أسعار المحروقات في 2012. كانت تلك الزيادات تطال الوقود، ما يعني ارتفاع كلفة النقل التي تؤثر على كل السلع الاستهلاكية.  

ولا يزال ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي يتداولون شريط فيديو لحوار تلفزيوني ظهر فيه بنكيران لتبرير تلك الزيادة، وتأكيده على أن قراره لن يؤثر بشكل كبير على أسعار باقي المواد الغذائية أو خدمات النقل.

غير أن رياح الأسواق أتت بعكس تصريحات عبد الإله بنكيران. إذ شهدت أسعار تذاكر السفر والتنقل داخل المدن، إضافة إلى الخضر والفواكه زيادات تتباين من منطقة لأخرى.

وفي عام 2012، عرف المغرب أسوأ مرحلة زراعية خلال العقد الأخير، حيث لم يتجاوز إنتاجه من الحبوب 48 مليون قنطار. ولسوء حظ حكومة بنكيران، تزامن هذا المحصول الضعيف مع ارتفاع أسعار الحبوب في الأسواق العالمية، ما أدخل البلاد في أزمة "الخبز". إذ هدد أصحاب المخابز بالزيادة في سعر الخبز، وهو ما دفع الحكومة لتخصيص 800 مليون درهم للإبقاء على سعر الخبز دون تغيير.

بعد التدخل الحكومي، شهدت الأسعار في المغرب استقراراً نسبياً إلى حين اعتماد نظام المقايسة يوم 16 سبتمبر/أيلول الماضي. وقد طال هذا النظام البنزين والغاز أويل، إضافة إلى الفيول باستثناء المستعمل في إنتاج الكهرباء.

ورغم نجاح الحكومة في التوصل إلى اتفاق مع السائقين وشركات النقل لتعويضهم عن التكاليف التي سيتحملونها بسبب اعتماد هذا النظام، فإن بعض مواد مثل الحليب وزيوت الطهي والمشروبات الغازية عرفت زيادات متباينة.

وردت الحكومة، عبر محمد الوفا، الذي خلف محمد نجيب بوليف، في منصب وزير الشؤون العامة، بأن شركات النقل خاصة، ولا دخل للحكومة في قراراتها وعلى المستهلك أن يتخذ الموقف المناسب من منتوجاتها.

غير أن اتحاد جمعيات حماية المستهلك طالب الحكومة بحماية المستهلك من هذه الزيادات وإلزام الشركات بعدم ضرب القوة الشرائية للمواطنين.

ومع ذلك، أبدى عبد الإله بنكيران إصراراً كبيراً على المضي قدماً برفع الدعم عن المحرقات، وإن كلفه ذلك شعبية حزبه.

وهكذا، أقدمت حكومته مطلع العام الحالي على رفع الدعم بشكل كلي عن البنزين والفيول باستثناء المستعمل لإنتاج الكهرباء، مع الشروع في الرفع التدريجي للدعم عن الغاز. ويهدف بنكيران إلى "تقليص النفقات على دعم المحروقات في مقابل توجيهها نحو الاستثمار بهدف زيادة النمو وخلق فرص العمل"، وفق تصريحات بنكيران.

 

نيران الأسعار تقترب من الكهرباء

قد يكون الإثنين المقبل، يوماً تاريخياً في مجال الدعم. فقد أعلن بنكيران أيضا عن عزمه إجراء حسم في بنود تعاقد حكومته مع المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب (مؤسسة حكومية) لتأمين حاجات البلاد من الكهرباء والمياه.

وفي هذا السياق، ترأس بنكيران، في وقت متأخر من مساء الأربعاء الماضي، اجتماعاً رفيع المستوى حضره وزراء ومسؤولون كبار، لوضع اللمسات الأخيرة على هذا التعاقد الذي أطلق عليه "العقد البرنامج".

ويتضمن هذا العقد، وفق مصادر لـ "العربي الجديد" حضرت الاجتماع، التزام الدولة في مجال دعم المكتب لإنتاج الطاقة الكهربائية وتزويد مختلف مناطق البلاد بالكهرباء والماء الصالح للشرب، مقابل تنفيذ برنامج استثمارات يرتقب الكشف عنه صباح الإثنين المقبل.

وأكدت المصادر نفسها أن التوقيع على هذا "العقد البرنامج" سيكون إعلانا شبه رسمي لرفع الدعم عن الفيول المستخدم لإنتاج الكهرباء الذي يستفيد منه المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب.

وعلى هذا الأساس، ستكون الأسر المغربية مطالبة بتأدية السعر الحقيقي لما تستهلكه من ماء وكهرباء، باستثناء الأسر التي يقل استهلاكها الشهري عن 100 كيلوواط من الكهرباء و10 لترات مكعبة من الماء الصالح للشرب، التي ستستفيد من تدابير خاصة سيعلن عنها كذلك يوم الإثنين المقبل.

وبهذه الإجراءات صار مؤكداً أن رفع أسعار الكهرباء والماء الصالح للشرب مسألة وقت فقط.

وفي المقابل، يؤكد بنكيران ثقته في "تفهم المغاربة لهذه الزيادات باعتبار أنها ناجمة عن رفع الدعم عن الوقود الذي سيعيد التوازن للمالية العمومية المغربية ويدعم الاستثمار العمومي وخلق فرص العمل والنمو الاقتصادي بشكل عام".

المساهمون