الاستثمار العربي في الطاقة الأميركية

27 مايو 2017
جزء من الاستثمارات سيوجه إلى الصخر الزيتي(فرانس برس)
+ الخط -
تقول المعلومات المتاحة إن شركة "أرامكو" السعودية للنفط هي الأكبر قيمةً من بين شركات العالم. وتقدّر قيمتها بحوالى عشرة تريليونات دولار، بسبب احتياطي النفط الذي تملكه، والمقدّرة كمياته بحوالي 260 مليار برميل.
وقد تناولت الصحافة ووسائل الإعلام، في الأشهر الأخيرة، الأخبار عن أن هذه الشركة سوف تبيع 5% من رأسمالها، من أجل أن تحصل على الأموال المطلوبة لعملياتها، وكجزء من عملية إعادة الهيكلة التي تنفذها المملكة العربية السعودية.
وتعود الحصة بأكملها إلى الحكومة، وحتى بيع جزء قليل منها، سيجلب مبالغ كبيرة، وسيعني بداية التحول نحو الخصخصة.

وقد صرّح ولي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، عام 2016، أن بلاده تريد بيع 5% من أسهم شركة أرامكو لكي يتم استخدامها رصيداً للصندوق السيادي السعودي.
وفي اجتماع القمة الذي عقده الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مع العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، الأسبوع الجاري في الرياض، وقعت اتفاقية، سيستثمر بموجبها الصندوق السيادي السعودي ما قدره 50 مليار دولار في الطاقة مع شركات أميركية داخل السعودية وفي الولايات المتحدة.
وبحسب ما أوردته وسائل الإعلام، سوف ترصد السعودية ما قدره 22 مليار دولار لاستثمارات في قطاع الطاقة داخل الولايات المتحدة.
ونحن نعلم أن سوق النفط الأميركية هي التي تحدّد الأسعار العالمية للنفط. ولو تتبع المراقب تطورات سعر نفط البرميل الخام فسيرى أن هذا السعر، سواء كان نفط تكساس، أو برنت، أو شرق السويس، فإنه يتأثر بعوامل أهمها مجريات السوق الأميركي، فتارة يكون سبب تغير السعر ارتفاع المخزون الأميركي أو تراجعه. وتارةً أخرى ارتفاع الدولار أو انخفاضه.
وأخيراً وليس آخراً عدد الحفارات المباعة للتنقيب عن النفط. ولكن، ظهر الآن عنصر الصخر الزيتي الذي يبدو أن الولايات المتحدة تملك كثيراً منه.

إذا كان جزء من استثمارات الصندوق السيادي السعودي سوف يوجه إلى الصخر الزيتي، فإن في هذا القرار حصافة على المدى الطويل، لأن تقديرات النفط العالمية تقول إن الطلب على النفط سوف يستمر في حدود 115-120 مليون برميل يومياً حتى منتصف ثلاثينيات القرن الحالي على أقرب حد.
وسوف يوفر العالم منها لأغراض التصدير حوالي 100 مليون برميل من النفط المستخرج تقليدياً، أما الباقي فسوف يعصر من مصادر صعبة ومكلفة، مثل الصخر الزيتي والزيت الصخري.
وسيكون هذا الجزءُ الجزءَ المثقّل (حجر القبان كما يقال) لتطور سعر النفط، فإذا قل المعروض منه ارتفع سعر النفط، والعكس صحيح.

وإن حصلت استثماراتٌ عربيةٌ في هذا القطاع، سيتاح لها التأثير على أسعار النفط بطرق غير الطريقة التقليدية، وهي خفض الإنتاج أو زيادته من الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، ويقع عبء التخفيض أو الزيادة في معظمه على كاهل النفط السعودي.
ومن ناحية أخرى، يشكل التزام المملكة العربية السعودية بتعاقدات دفاعية واستثمارية وصناعية بقيمة 460 مليار دولار خلال عشر سنوات تحدياً واضحاً ومخاطرةً من المملكة، فهو أولاً يأتي في زمنٍ بدأت المملكة العربية السعودية فيه بإعادة الهيكلة لاقتصادها، وتقليل الدعم، وضبط الإنفاق، والتركيز على الاستثمارات المجدية، وتنويع الاقتصاد السعودي.
ولو افترضنا أن 260 مليار دولار ستنفق خلال السنوات الثلاث بدءاً من اليوم، فإن هذا يعني أن 200 مليار دولار أخرى سوف تنفق خلال سبعة أعوام، أو ما قدره حوالي 30 مليار دولار سنوياً بالتعاون مع أميركا وحدها.

وبالطبع، فإن هذا يستثني التعهدات والاتفاقات التي دخلت بها المملكة مع دول أخرى مثل الصين، واليابان، وبعض الدول الأوروبية. وهذه لا يعلم حجمها، لكنها قد لا تقل عن 200 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة.
كل هذا يعني أن المملكة سوف تدخل في تعهدات بالدفع بقيمة 660 مليار دولار خلال عشر سنوات، بمعدل يقارب 66 مليار دولار سنوياً.
وباستثناء مشتريات بعض الأسلحة، والتي سوف تستثمرها السعودية في اتفاقيات مبادلة، أي أن جزءاً من هذه المشتريات سوف يصنّع في السعودية، كما هو الحال مع الطائرات المروحية المشتراة من شركة "ريثون" بقيمة ستة مليارات دولار، فإن باقي المبلغ بحاجة إلى تفكير وتدبير وحساب للمخاطر.

ماذا لو أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي يتعرّض لهجوم كاسح في الولايات المتحدة سقط في امتحان الثقة في الكونغرس، فاستقال أو خلع، فما هو مصير كل هذه الاتفاقيات؟ هل لها حماية من هجوم الكونغرس عليها؟
وماذا تم بشأن القضايا المرفوعة من أهالي الذين قتلوا في برجي التجارة العالمية عام 2001، وصدور قانون يجيز لهم رفع قضايا ضد المملكة؟ هل ألغي هذا القانون؟
قد تكون الاتفاقات جيدة ومفيدة، لكنها لا تخلو من مخاطرة. فما هو البديل لو حصل الأسوأ؟
أنا واثقٌ من أن المسؤولين قد أجروا فحصاً دقيقاً للفرص والتحديات المقبلة.
وإذا نجحت خطواتهم في جعل المشاركة الأميركية جزءاً من رؤية 2030، فهم كاسبون، ولربما يتمكّنون من جعل المملكة متنوعة الاقتصاد، وقادرة على أن تكون من الدول العشر الأقوى في هذا المضمار.


المساهمون