يسعى اللواء المتقاعد خليفة حفتر للبحث عن مصادر تمويل لحروبه العديدة في ليبيا، وآخرها حربه على العاصمة طرابلس التي دخلت شهرها الثامن، في كل الاتجاهات وبشتى السبل، بعد أن أقفلت قرارات دولية الطريق أمام مساعيه لبيع النفط الليبي وتمويل حروبه من عائداته، فيما تظل تفاصيل ميزانية قواته وحروبه غامضة وغير معلنة.
وكشفت صحيفة "مالطا تايمز"، عن مصادرة السلطات المالطية شحنة من العملة المطبوعة في روسيا، مكونة من حاويتين تبلغ مساحة كل منهما ألفي قدم مكعبة، كانت متجهة للمصرف المركزي الموازي في البيضاء شرق ليبيا.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول كبير في الاستخبارات المالطية قوله، يوم الجمعة الماضي، إن هذا الإجراء يأتي في إطار دعم شرعية حكومة الوفاق، وتنفيذًا لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بليبيا التي تدعمها مالطا.
وفيما لم يصدر حتى الآن أي توضيح رسمي من قبل السلطات المالطية، إلا أنها خطوة تكشف عن معاناة حفتر من جفاف مصادر تمويله، خصوصا أنها خطوة جاءت بعد أقل من شهر من إعلانه تشكيل "الهيئة العامة للتعبئة"، شرق البلاد، وتعيين نائبه في قيادة قواته، عون الفرجاني، رئيسا له.
وبحسب تصريحات الفرجاني، إثر إعلانه رئيسا للهيئة، مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فإن الهيئة "ستضع يدها على جميع موارد الدولة البشرية والمادية لخدمة المجهود الحربي"، مشيرا إلى أنها تشمل إخضاع المصانع والمعامل وأي مرافق إنتاجية أو خدمية بالعمل والتشغيل بالكامل تحت إشراف الهيئة.
وكانت رويترز قد كشفت عن وصول أكثر من 4.5 مليارات دينار ليبي، إلى البنك المركزي الموازي في البيضاء من روسيا على أربع دفعات، خلال فبراير/شباط ويونيو/حزيران الماضيين، كاشفة أن قيمة أوراق النقد التي حصلت على موافقة جمركية روسية في السنوات الثلاث الماضية بلغت نحو 10.8 مليارات دينار (الدولار يعادل 1.40 دينار ليبي، بحسب سعر الصرف الرسمي و4 دنانير في السوق الموازية).
ولم تكن تلك المساعي غير الرسمية لتوفير تمويل حروبه هي الأولى، ففي نهاية عام 2017، انشغل الرأي العام في ليبيا بقضية استيلاء الكتيبة 106 التابعة لحفتر والتي يقودها نجله صدام على الملايين من خزائن فرع البنك المركزي في مدينة بنغازي؛ بعد اجتياحها للفرع بقوة السلاح واحتجاز مديره، وقدرت بنحو 639.9 مليون دينار، و159.7 مليون يورو، و1.9 مليون دولار، إضافة إلى 5869 عملة فضية.
ورغم تأكيد تقرير خبراء الأمم المتحدة تورّط نجل حفتر في القضية، مؤكدا أن تلك الأموال انتهت إلى أيدي كبار قادة قوات حفتر وليس إلى مقرات البنك المركزي كما ادعت قيادة اللواء المتقاعد، إلا أن أي تحقيقات بشأن الحادثة لم تفتح حتى الآن.
وفيما يكشف جفاف مصادر تمويل حفتر، إشارة تقرير خبراء أمم المتحدة، نفسه، إلى عمليات حفتر لتهريب النفط عبر الموانئ الخاضعة لسيطرته، وهي التي كشفت عنها صحيفة "وول ستريت جورنال" قبلها، في يوليو/تموز 2018، مؤكدة أن عمليات التصدير تلك جرت بمساعدة أبوظبي، كسعي منها لتسهيل حصول حليفها على الأموال بشكل مستقل عن إدارة النفط الرسمية في طرابلس.
ولم تكن هذه المحاولات الوحيدة في قائمة محاولاته للاستفادة من واردات النفط بواسطة البيع غير الشرعي، ومن بينها تأكيد رئيس المؤسسة الوطنية للنفط التابعة لحكومة الوفاق، مصطفى صنع الله، في أكثر من مناسبة، عن تورط الحكومة التابعة لمجلس النواب والموالية لحفتر في بيع النفط بشكل غير قانوني لشركات نفط إماراتية.
ورغم مرور أربع سنوات على عمليات حفتر العسكرية في الشرق والجنوب وصولا إلى العاصمة طرابلس، إلا أن ميزانية حروبه لا تزال غامضة وغير معروفة. وفيما يقدّر خبراء، تحدثوا لرويترز مؤخرا، بأن مرتب المقاتل الواحد في قوات حفتر قرابة ألف دينار ليبي، إلا أن مصادر برلمانية أكدت لـ"العربي الجديد" أنها ارتفعت إلى الضعف مع إعلان حفتر حربه على طرابلس في إبريل/نيسان الماضي.
ويقول البرلماني، الذي فضل عدم ذكر اسمه، إن "حفتر صرح في كثير من اجتماعاته المغلقة أن حملته العسكرية يجب أن تبلغ قصدها وهو السيطرة على البنك المركزي في طرابلس الذي يدير أموال النفط"، مؤكدا أنه قال لمساعديه إن "تمويل قوات تسيطر على ثلثي البلاد أمر يربك علاقتنا بحلفائنا، وتحديداً الإمارات والسعودية، فهي لن تستمر في تقديم المساعدات المالية".
ولم تفلح عديد القرارات الرسمية التي أصدرها مجلس النواب للسيطرة على إدارة البنك المركزي، والتي تحوي ما يزيد عن 70 مليار دولار من احتياطات النقد الأجنبي التي تمتلكها ليبيا، فبعد قرار نقل إدارة البنك إلى البيضاء، شرق البلاد، وتعيين محافظ مواز في عام 2014، عاد المجلس وقرر تعيين محافظ آخر لإدارتي البنك في طرابلس والبيضاء، لكن كل تلك القرارات لم يجن حفتر منها شيئا.
ورغم أن تصريحات سابقة للسفير البريطاني السابق لدى ليبيا، بيتر ميلت، كشفت عن مصادر حصول حفتر على الأموال، إذ قال السفير أمام مجلس اللوردات البريطاني، في الثامن من فبراير/شباط 2016، إن "البنك المركزي في طرابلس هو من يمول الحرب الأهلية في طرابلس"، إلا أن هجوم حفتر على طرابلس حدا بمحافظ البنك في طرابلس إلى الإعلان عن إجراءات مصرفية أدت إلى تجفيف مصادر تمويل حفتر عبر البنوك، فقد أعلن المحافظ في مايو/أيار الماضي عن استبعاد ثلاثة بنوك في شرق ليبيا من المنظومة المصرفية الليبية، يؤكد البرلماني الليبي أنها "كانت ضربة قاسية لحفتر الذي كان يستفيد نسبيا من الاقتراض من هذه البنوك".
ويكشف البرلماني أن "السعودية التي وعدته بتمويل حملته على طرابلس يبدو أنها تراجعت بسبب خيبتها من فشله السريع، إذ عجز عن التقدم من أول أسبوعين"، مشيرا إلى شعور حفتر بتراجع موقف أبوظبي أيضا عن مساعيها لتسهيل استفادة حفتر من الأموال الليبية المجمدة لديها بسبب مواقف بعض الدول الكبرى.
ويتابع أن "مؤسسة الاستثمار العسكري التي سبقت تأسيس الهيئة العامة للتعبئة لم تُبق على شيء، حتى الخردة جمعتها من المدن ومسارب الصحراء وباعتها للخارج"، مؤكدا أن "قرار إنشاء هيئة التعبئة غير مسؤول ويمكن أن ينقلب على حفتر، فهو يتجه للسيطرة على مباني ومقرات وشركات الدولة لبيعها أو الاستفادة من وارداتها للحرب، ما يعني أزمة اقتصادية وشيكة سيعاني منها الشرق، كما بدأت الهيئة بالفعل في الاستيلاء على ممتلكات خاصة للمواطنين".
وفيما يعكس تصاعد الانزعاج في أوساط المواطنين إزاء إجراءات حفتر المالية، يؤكد البرلماني أن "هناك رفضا لتداول العملة المطبوعة في روسيا في بعض المدن الليبية، ومن بينها مدن في الشرق".
وقبل أيام من صدور تقارير تؤكد حجز السلطات المالطية شحنة الأموال القادمة من روسيا لصالح البنك المركزي في البيضاء، أطلق رواد مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ #قاطعوا_عملة_حفتر_ المزورة، معبّرين عن استيائهم وغضبهم من قيام خليفة حفتر بطبع أموال مزورة في روسيا، ما يكشف تداول الخطوة في أوساط المواطنين قبل الكشف عنها عبر تقارير وسائل الإعلام خارج البلاد.