مع ارتفاع أسعار النفط، يبدو أن الدول العربية في منطقة الخليج وخاصة السعودية تتجه لتحقيق مكاسب مالية وسياسية من قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني.
وقال دبلوماسيون غربيون إن السعودية كانت ترغب في هبوط أسعار النفط في ظل تخمة المعروض عام 2014، وذلك لأسباب من بينها أن انخفاض سعر النفط يقلص دخل خصمها اللدود إيران ويحد من قدرة طهران على تمويل حروب بالوكالة ضد مصالح المملكة في المنطقة.
كانت تلك مفاضلة صعبة أضرت أيضا بالاقتصاد السعودي. أما الآن، فقد بات الوضع مثاليا للرياض، إذ يبدو أن قرار ترامب سيقلص على الأرجح دخل إيران النفطي في وقت سيفسح المجال أمام دول الخليج العربية لتعزيز صادراتها النفطية.
وقالت مونيكا مالك كبيرة المحللين الاقتصاديين لدى "بنك أبوظبي التجاري"، إن ذلك قد يعود بالنفع على برنامج الإصلاح السعودي، الذي يهدف إلى خلق فرص عمل وصناعات جديدة فضلا عن خفض عجز ضخم في موازنة الدولة.
وأضافت أن "السعودية قد تتمكن من البدء في زيادة إنتاجها النفطي في وقت أضحت فيه أسعار النفط مرتفعة بالفعل. هذا يوفر لهم مزيداً من الأموال لدعم برنامجهم الاستثماري بينما يتقلص العجز".
وأقر مسؤول اقتصادي في الإمارات بأن قرار ترامب قد يساعد الاقتصادات العربية المصدرة للنفط.
وأبلغ المسؤول "رويترز" أن ارتفاع الدخل النفطي من شأنه تعزيز السيولة في القطاع المصرفي الإماراتي، وهو ما يساعد القطاع المالي بأكمله على الرغم من أي تصاعد للتوترات السياسية المرتبطة بإيران.
لكن محللون يرون أن الأثر الواقع على صادرات النفط الإيرانية سيتوقف على كيفية تعاطي المشترين في آسيا وأوروبا مع العقوبات الأميركية، والتي قد تظل غير واضحة لأشهر.
ويتوقع هؤلاء هبوط إنتاج إيران النفطي بما يتراوح بين 300 ألف ومليون برميل يوميا من نحو 3.8 ملايين برميل يوميا.
ومن المتوقع أن تسد السعودية جزءا كبيرة في تلك الفجوة. فقد أوضح مسؤول سعودي في قطاع الطاقة يوم الأربعاء، أن الرياض ربما تزيد إنتاجها لتعويض أي نقص في المعروض.
وفي السياق، نقلت وكالة "رويترز" عن ثلاثة مصادر مطلعة إن "أوبك" لا تتعجل البت في ضرورة ضخ كميات نفط إضافية لتعويض تراجع متوقع في صادرات إيران، مضيفين أن أي فقد في المعروض سيستغرق وقتا.
ويدرس المسؤولون ما إذا كان تراجع في صادرات إيران وانخفاض في إمدادات عضو آخر هو فنزويلا يتطلب تعديل اتفاق تخفيض انتاج النفط لدول "أوبك" الذي يستمر حتى نهاية 2018. ويجتمع الوزراء في يونيو/ حزيران لمراجعة السياسة.
زيادة الإيرادات السعودية
وتوقعت مونيكا مالك ارتفاع الإيرادات النفطية السعودية، التي بلغت 440 مليار ريال (117.3 مليار دولار) في 2017، بما يتراوح بين 7 و9% عن المستوى الذي كانت ستصل إليه بدون قرار ترامب هذا العام.
وبناء على تلك التقديرات، من المفترض أن يبلغ متوسط إنتاج النفط السعودي 10.20 مليون برميل يوميا هذا العام بدلا من 9.94 مليون برميل يوميا، وأن تؤدي التوترات الجيوسياسية المتزايدة إلى ارتفاع متوسط أسعار الخام هذا العام ثلاثة دولارات للبرميل.
ولكن على رغم بعض الآثار الإيجابية، إلا أن قرار ترامب قد يحمل خبرا سيئا لبعض دول الخليج. فالدول الأوروبية تحاول المحافظة على الاتفاق النووي لكنه قد ينهار تماما، ما يثير مخاطر تزايد حدة الصراع في المنطقة.
وقال مصرفي إماراتي إن "هذا سيؤثر على نظرة المستثمرين الأجانب للمنطقة. سيكون هناك المزيد من السلبية وتسليط أكبر للضوء على المخاطر".
وهبطت معظم أسواق الأسهم في المنطقة يوم الأربعاء وهوى المؤشر السعودي 1.69%.
وقد تعاني دبي، وهي مركز تقليدي للأنشطة الإيرانية، في الوقت الذي أصبحت فيه الشركات أكثر حرصا في المعاملات التجارية مع إيران لأنها ترى مخاطر أكبر لوقوعها تحت طائلة إجراءات قانونية أميركية.
وتعادل صادرات الإمارات لإيران نحو 5% من ناتجها المحلي الإجمالي.
كذلك قد تعاني سلطنة عمان، التي كانت تأمل بأن تدعم الاستثمارات الإيرانية خطط التوسع الصناعي، ففي العام الماضي وقع البنك المركزي العماني مذكرة تفاهم مع نظيره الإيراني بهدف تعزيز التجارة.
غير أنه من المتوقع أن يستمر جزء كبير من التجارة مع إيران، ربما من خلال اتفاقات المقايضة التي ازدهرت في ظل العقوبات التي كانت مفروضة قبل أن يدخل الاتفاق النووي حيز التنفيذ في عام 2016.
وبعيداً عن دبي وسلطنة عمان، فإن دول الخليج الثرية المصدرة للنفط لا تربطها بإيران سوى علاقات استثمارية وتجارية محدودة جدا، وهو ما يعني أن هذه الدول لن تخسر كثيرا.
وقبل قرار ترامب بوقت كبير، كان الاقتصاد يعاني من ارتفاع معدل البطالة، الذي تشير التقديرات إلى قربه من 30% أو أكثر من ذلك بين الشباب، ونظام مصرفي مثقل بالديون ربما يشارف على الإفلاس.
وينذر القرار الأميركي بانخفاض دخل إيران من الصادرات وانحسار قدرتها على الحصول على العملة الصعبة. ويتوقع محللون أن تظل الصادرات النفطية أعلى مما كانت عليه قبل عام 2016، ومن ثم قد يتمكن الاقتصاد من شق طريقه، لكن مشكلات البنوك تعني أن حدوث أزمة مالية ليس بالأمر المستحيل.
وقال مهرداد عمادي، وهو خبير اقتصاد إيراني يترأس إدارة تحليل مخاطر الطاقة لدى شركة "بيتاماتريكس" للاستشارات في لندن، إن الاضطرابات في سوق العملات تشبه بطريقة ما حالة عدم الاستقرار التي شهدتها فنزويلا هذا العام، وأزمة العملة التي حدثت في الأرجنتين عام 2002.
وعلق قائلا "الأمر ببساطة هو أن الاقتصاد مثل شاحنة عملاقة عليها حمولة ثقيلة وتسير بمحرك دراجة".
النفط يصعد لأعلى مستوى
وارتفعت أسعار النفط إلى أعلى مستوى في عدة سنوات اليوم الخميس مع تهيؤ المتعاملين لاحتمال تجدد العقوبات الأميركية على إيران، أحد أكبر مصدري الخام، في ظل ضيق الفجوة بالفعل بين العرض والطلب في السوق.
وتخطط الولايات المتحدة لفرض عقوبات جديدة على إيران التي تنتج نحو 4% من إمدادات النفط العالمية، بعد أن انسحبت من اتفاق جرى التوصل إليه أواخر عام 2015 ويحد من طموحات طهران النووية مقابل رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عنها.
وارتفعت أسعار النفط بقوة بعد الإعلان عن تلك الإجراءات.
وبلغت العقود الآجلة لخام القياس العالمي مزيج برنت أعلى مستوى منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2014 عند 77.89 دولاراً للبرميل قبل وقت قليل من الساعة 0700 بتوقيت غرينتش يوم الخميس، بارتفاع 0.9 في المائة عن التسوية السابقة.
كما سجلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي أعلى مستوى منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2014 عند 71.84 دولاراً للبرميل، قبل أن تتراجع إلى 71.78 دولاراً للبرميل. لكن هذا لا يزال أعلى من التسوية السابقة بنسبة 0.9 %.
(رويترز، العربي الجديد)