احتدام الحرب التجارية... الاقتصادات الكبرى تصعّد الهجوم على ترامب

23 يوليو 2018
مفاوضات ومحادثات مع ترامب للتراجع عن قراراته (Getty)
+ الخط -
تتصاعد المواقف الدولية لمواجهة الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب. عناوين الصراع تتفاوت ما بين الحمائية مروراً بالرسوم الجمركية وصولاً إلى الدعوة الأميركية لوقف العلاقات الاستثمارية وخصوصاً النفطية منها مع إيران قبيل إعادة فرض العقوبات الاقتصادية على طهران.
وفي ظل التصريحات واللقاءات الثنائية المتلاحقة مع ترامب، اجتمعت دول مجموعة العشرين، التي تمثل ثلثي التجارة في العالم، في الأرجنتين يومي السبت والأحد ضمن مساعي الخروج بمواقف متقاربة حول مصير الاقتصاد العالمي والنمو واتجاهات الحرب التجارية الدائرة.

وناقش وزراء مالية مجموعة العشرين في عطلة نهاية الأسبوع التهديدات التي تخيّم على النمو العالمي ومخاطر اندلاع أزمة في الدول الناشئة.
ومن المقرر أن يلتقي رؤساء دول وحكومات مجموعة العشرين في بوينوس ايرس في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني والأول من ديسمبر/ كانون الأول لمناقشة مستقبل الاقتصاد العالمي.

وخلال اليومين الماضيين، شهد الشارع الأرجنتيني تحركات احتجاجية طاولت مجموعة العشرين وسياساتها الاقتصادية، إضافة إلى معارضة اتفاقية الأرجنتين الأخيرة مع صندوق النقد الدولي في الحصول على قرض مقابل القيام بمجموعة من الإجراءات بما في ذلك فرض قيود على الإنفاق الحكومي لخفض العجز.

مخاوف على النمو

وكررت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد السبت في افتتاح اجتماع وزراء مالية دول مجموعة العشرين وحكام مصارفها المركزية، التحذير من أن الحرب التجارية سيكون لها تأثير على النمو العالمي.
وقالت في مؤتمر صحافي "في أسوأ الحالات يمكن أن يكون للإجراءات التجارية الحالية تأثير بنسبة 0.5 في المائة من التراجع على الناتج الإجمالي العالمي".
وفي السياق، دعا وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير الولايات المتحدة إلى التعقّل واحترام حلفائها الأوروبيين، معتبراً أن إعفاء دول الاتحاد الأوروبي من الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة هو شرط مسبق لأي حوار بين الطرفين. كما شدّد الوزير الفرنسي في مقابلة مع وكالة "فرانس برس" على ضرورة الشروع اعتباراً من 2019 في فرض ضريبة على الشركات الرقمية العملاقة.

وحول إمكانية إيجاد حلّ للتوترات التجارية، أجاب لومير أن "جميع الدول لا سيما الدول الأوروبية، لديها قلق مشترك متّصل بالحرب التجارية التي اندلعت منذ بضعة أسابيع. هذه الحرب التجارية لن يخرج منها إلا خاسرون وستدمّر الوظائف وستؤثر سلبا على النمو الاقتصادي العالمي. منذ آخر قمة لمجموعة العشرين حصل تصعيد في الحرب التجارية. ندعو الولايات المتحدة إلى التعقّل. ندعوها إلى احترام قواعد التعدّدية وندعوها إلى احترام حلفائها، لأن الأميركيين والأوروبيين هم حلفاء، ولا يمكننا أن نفهم كيف أننا، نحن الأوروبيين، مشمولون بالزيادة التي أقرّتها الولايات المتحدة على الرسوم الجمركية".

واعتبر لومير أنه "لا يمكن للتجارة العالمية أن تستند إلى شريعة الغاب. زيادة الرسوم الجمركية بصورة أحادية الجانب هي شريعة الغاب. شريعة الغاب هي شريعة الأقوى وهذا لا يمكن أن يكون مستقبل العلاقات التجارية في العالم". لافتاً إلى أن "الطريقة الفضلى لتسوية المشاكل هي حوار بين الولايات المتحدة وأوروبا والصين. نحن مستعدون لكل أنواع النقاش، لكن هناك شرط مسبق ألا وهو إلغاء الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على أوروبا. هذه الرسوم الجديدة لا مبرّر لها ولا يمكن تبريرها. إنها تهدّد صناعاتنا ووظائفنا، ولن نتفاوض والسلاح مصوب إلى رأسنا".

وأضاف لومير أن "أوروبا هي قارة اقتصادية قوية، لديها قوة اقتصادية كبيرة. باتّحادها، يمكنها أن تغيّر مسار الأمور. يجب على أوروبا أن تلعب الدور القيادي، ولديها دور تاريخي تلعبه في الظروف الحالية. قدَرنا ليس أن نُسحق بين الصين التي لا تنفك تزداد قوة والولايات المتحدة التي قرّرت الدخول في توازن قوى مع جميع الدول الأخرى على هذا الكوكب".

الردود الأوروبية

وأكد لومير أن فرنسا ركزت في اجتماعات مجموعة العشرين على "التجارة، وفرض ضرائب على الشركات الرقمية العملاقة، وهو أمر تصرّ فرنسا على حصوله، في البداية على المستوى الأوروبي. إنها مسألة تتعلق بالعدالة. لا يمكن لأحد أن يقبل بأن تكون الضريبة المفروضة على شركاتنا الصغيرة والمتوسطة هي أكثر بـ14 نقطة مئوية من تلك المفروضة على غوغل وأمازون وفيسبوك. إذا أردنا نظاما ضريبيا دوليا فعّالاً، فيجب فرض ضريبة على أولئك الذين ينتجون أكثر".
وتابع "لا يمكننا الانتظار، وشعوبنا تنتظر قرارات ملموسة. في مطلع 2019 على أبعد تقدير يجب أن تكون هناك أداة ضريبية في أيدي الدول الأوروبية".

ولفت إلى أن الموضوع الثالث الذي طُرح أمام مجموعة العشرين هو العملات المشفّرة، وقال: "أؤمن كثيراً في تطوير تقنيات مالية جديدة. سنكون إحدى أولى الدول الأوروبية التي سيكون لديها إطار ينظّم الطرح الأولي للعملة".
وأشار إلى "أن انتقادات الرئيس الأميركي للعملة الأوروبية لا أساس لها من الصحة. فسعر اليورو هو انعكاس للواقع الاقتصادي وللأسس الاقتصادية للدول الـ19 الأعضاء في منطقة اليورو. الأمر كما هو عليه اليوم صحي للغاية. لا يوجد تلاعب في السعر ولا تدخّل. بالمقابل هناك اليوم ارتفاع في قيمة الدولار، وهذه نتيجة منطقية للسياسة النقدية التي اختارتها الإدارة الأميركية".

وأضاف أن "معاهدة الاتحاد الأوروبي-ميركوسور هي موضوع نقاش مع كل من وزير الاقتصاد الأرجنتيني والرئيس ماوريسيو ماكري. نحن نؤيد هذا الاتفاق بشأن ميركوسور، ونريد عددًا من الضمانات لمزارعينا".
من جهتها، حذرت جماعات الصناعة في ألمانيا أمس الأحد من أن التعريفات التي فرضتها الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة أو هددت بفرضها تخاطر بإلحاق الضرر بالولايات المتحدة نفسها.

وجاء هذا التحذير قبل اجتماع من المقرر عقده يوم الأربعاء بين جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية والرئيس الأميركي دونالد ترامب لبحث مسائل تجارية.
وفرضت الولايات المتحدة تعريفات على واردات الصلب والألومنيوم من الاتحاد الأوروبي في أول يونيو/ حزيران ويهدد ترامب بمد العقوبات إلى سيارات وقطع غيار السيارات التي ينتجها الاتحاد الأوروبي.
وقال ديتر كمبف رئيس اتحاد الصناعات الألمانية لصحيفة "فيلت ام زونتاج"، إن من الحكمة أن يواصل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة محادثاتهما.
وأضاف أن "التعريفات التي يتم فرضها تحت مسمى الأمن القومي لا بد من إلغائها". وأضاف أن "على يونكر أن يوضح لترامب أن الولايات المتحدة ستضر نفسها بفرض رسوم على السيارات وقطع غيارها".

ولفت إلى أن صناعة السيارات الألمانية توظف أكثر من 118 ألف شخص في الولايات المتحدة وأن 60 في المائة مما ينتجونه يتم تصديره لدول أخرى من الولايات المتحدة. وأضاف "يجب على أوروبا عدم السماح بأن يتم ابتزازها ويجب أن تظهر بشكل فيه ثقة في الولايات المتحدة". 

توتر وتهديدات

وركزت الحمائية الأميركية في وجه المنتجات الصينية على الفولاذ والألومنيوم، احتجاجاً على المساعدات والقروض التي تقدمها بكين لتنشيط الصادرات. وقال ترامب بهذا الصدد "لست أقوم بذلك لغايات سياسية بل لما هو في مصلحة بلادنا"، متهما الصين بأنها تستغل الولايات المتحدة منذ زمن طويل عبر ممارسات "غير قانونية" و"سرقة الملكية الفكرية".
كان ترامب هدد بفرض المزيد من الرسوم الجمركية العقابية على بكين لتشمل ما قيمته 500 مليار دولار من السلع التي تستوردها الولايات المتحدة من الدولة الآسيوية العملاقة. كما فرض ترامب على الصين رسوما بقيمة 25 في المائة على سلع بقيمة 34 مليار دولار وردت الصين بالمثل، ولوح ترامب برسوم أخرى مرتقبة على ما قيمته 16 مليار دولار من الصادرات الأميركية من الصين.


المساهمون