استنفار حكومي لوقف نزيف الليرة التركية

26 مايو 2018
لا يستبعد خبراء تطور الهجمة على الاقتصاد التركي (Getty)
+ الخط -

جيّشت الحكومة التركية كل طاقاتها للوقوف في وجه ما تصفه بـ"الحرب الاقتصادية" التي تستهدف الليرة، بعد تراجع سعر صرفها بأكثر من 4% الأربعاء الماضي و8% خلال أسبوعين.

ودعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المواطنين، اليوم السبت، إلى تحويل مدخراتهم بالدولار واليورو إلى الليرة، مع سعيه إلى دعم العملة المتداعية التي خسرت نحو 20% من قيمتها مقابل الدولار منذ بداية العام.

ونقلت وكالة "رويترز" عن أردوغان قوله أمام حشد في مدينة أرضروم شرق البلاد، قبيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المزمع إجراؤها في 24 يونيو/ حزيران: "إخواني الذين يحتفظون بالدولارات واليورو تحت الوسادة، اذهبوا وحولوا أموالكم إلى الليرة. سنحبط هذه اللعبة معاً".

ويشعر الأتراك بالقلق على الاقتصاد مع تراجع سعر الليرة التركية، على الرغم من محاولات الحكومة طمأنتهم.

وبلغ سعر الليرة التركية لفترة قصيرة 4.92 للدولار الواحد، لكنها عوّضت خسائرها الأربعاء بعد رفع غير متوقع لمعدلات الفائدة لدى البنك المركزي.

لكن كثيرين يرون أن هذا التدبير يبقى غير كافٍ. ولأنها لا تظهر إشارات فعلية على التحسن، بلغ سعر الليرة 4.7 في مقابل الدولار لدى الإقفال الجمعة، وخسرت 16% من قيمتها في مقابل الدولار خلال شهر واحد.

ويدعو خبراء الاقتصاد منذ أشهر إلى رفع نسب الفائدة لوقف التضخم الذي أصبح من رقمين ومنع إنهاك الاقتصاد. لكن أردوغان لم يتوقف عن انتقاد هذا النوع من التدابير، داعياً في المقابل إلى خفض هذه النسب.

ونجم تدهور الليرة في الأيام الأخيرة عن تعليقات للرئيس التركي الأسبوع الماضي، أكد فيها أنه يرغب في إعطاء الأهمية للسياسة النقدية إذا ما أعيد انتخابه.

ومن أجل طمأنة النفوس، أعلن نائب رئيس الوزراء محمد شمشك، في مقابلة تلفزيونية، إن البنك المركزي "سيقوم بكل ما هو ضروري"، وفقاً لما نقلته "فرانس برس".

وأضاف في تصريح لشبكة "ان تي في" الخاصة أن "التراجع ليس وارداً، سواء على صعيد استقلال البنك المركزي أو على صعيد اقتصاد السوق المنظم".

إلا أن البعض مقتنع بنظرية الحكومة التي تعزو تراجع قيمة الليرة إلى "مؤامرة" تستهدف إضعاف تركيا.

وبعد إعلان قرار البنك المركزي الأربعاء، شدد أردوغان على أن تركيا ستواصل التمسك بالمبادئ الدولية على صعيد السياسة النقدية. لكنه أضاف أنه لن يترك هذه المبادئ "تقضي على بلادنا".

وفي السياق ذاته، أعلنت مصادر تركية في تصريح لـ"العربي الجديد" عن لقاء بعد غد الإثنين، سيجمع شمشك ومحافظ البنك المركزي مراد تشيتين كايا، مع ممثلي المؤسسات المالية والمستثمرين، في إسطنبول.

وأشارت إلى أنهما سينتقلان بعدها إلى بريطانيا للقاء مديري الصناديق الأجنبية، ورجال الأعمال، لبحث الأسباب الخارجية لتراجع سعر صرف الليرة التركية.

ووعد وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي أمس، بعودة استقرار الليرة خلال فترة أقصاها عشرة أيام، مؤكداً خلال لقائه مع أعضاء غرفة الصناعة بولاية دنزلي التركية أن سعر الصرف لا يعكس الأرقام الحقيقية في تركيا، خاصة النمو الاقتصادي، وزيادة التجارة وارتفاع عدد السياح.

وفي السياق، يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة ماردين التركية، عبد الناصر الجاسم، لـ "العربي الجديد"، إنه ربما ليس من الصواب إطلاق موعد محدد لوقف تراجع سعر الصرف، لأن ثمة حرجاً وربما المزيد من "الاضطراب"، إن مرت المهلة ولم يتحسن سعر الصرف.

وأشار إلى أن أسباب تراجع سعر الصرف سياسية ونفسية بمجملها، وليس من بينها أسباب اقتصادية مستجدة، بل على العكس، إذ "تصب جميع المؤشرات الرئيسية من صادرات وسياحة ونمو في مصلحة الاقتصاد وسعر الصرف"، معتبراً أن ما يجري هو استهداف لتركيا قبل الانتخابات.

ولم يستعبد أن تتطوّر الهجمة على تركيا، لتطاول السياحة والصادرات، أو إصدار تقارير دولية من مؤسسات مالية أو شركات التصنيف الائتماني، من شأنها الضغط على الليرة والاقتصاد التركي.

ورأى أن الظهور المتكرر للمسؤولين الأتراك وكثرة التصريحات سيف ذو حدين، إذ يمكن أن يزيد من "الخوف" على الليرة، على الرغم من أنه قد يكون طريقة مناسبة للتصدّي للهجمة، وطمأنة الأتراك تجاه عملتهم وعدم تبديلها بعملات أخرى.

وفي السياق، نقلت وكالة "الأناضول" عن محمد شمشك، أن المخاوف المتعلقة بتوازن الاقتصاد الكلي في تركيا تأتي على خلفية تقلبات سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار، مشددا على وجود جوانب قوية لدى تركيا لمواجهة هذه التقلبات.

من جهته، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن "تركيا ليست دولة يمكن كسرها من خلال اللعب بأسعار الصرف"، مضيفاً "لدينا هيكل اقتصادي ومالي قوي جداً، كما أن نظامنا المصرفي محصن وميزانيتنا متوازنة، والأهم من ذلك أن نسبة الدين إلى الناتج القومي انخفضت جداً، لم تعد علينا ديون لصندوق النقد الدولي، يريدون أن يعيدوننا إلى أيام الاقتراض من الصندوق ولكننا لن نسمح بذلك".

المساهمون