الفوضى تعم سوق التأمينات في موريتانيا

09 ديسمبر 2016
تأمين إجباري على السيارات في موريتانيا (فرانس برس)
+ الخط -
تعاني موريتانيا من ضعف خدمات التأمين وقلة الشركات العاملة في هذا المجال، فضلا عن غياب هذه الثقافة بين المواطنين الذين كانوا إلى وقت قريب يرفضون التأمين على الخسائر وعلى الحياة، خشية تناقضه مع تعاليم الشريعة الإسلامية. 
ويقول مراقبون، إن ثمة أسبابا قادت إلى تردي هذا القطاع منها، أداء شركات التأمين العاملة في البلاد، التي كثيرا ما تتملص من الالتزام بتعويض المؤمّنين، والفوضى العارمة التي يعاني منها القطاع، وتواطؤ السلطات الأمنية المسؤولة عن إعداد محاضر التأمين مع الشركات وإهمال الحكومة مراقبة أداء هذه الشركات.
ويعتبر المهتمون بهذا القطاع أن شركات التأمين من أهم بؤر الفاسد في البلاد، وبسبب ضعف الرقابة على أدائها تحولت إلى شركات استنزاف لا يلجأ اليها المواطن إلا للحصول على الوثائق الرسمية المفروضة في المعاملات، وليس عن قناعة حقيقية بأهمية التأمين ودوره.

ثقافة غائبة

وتعمل في موريتانيا نحو 12 مؤسسة تأمين خاصة وشبه خاصة، منها شركتان فرنسيتان تعملان في مجال وساطة التأمينات والتأمين الصحي. ولاتزال مبيعات شركات التأمين ضعيفة وتقدر بنحو 28 مليون دولار سنويا.
وبدأ الموريتانيون أحيرا يولون عناية لأنواع أخرى كالتأمين البحري الذي يشمل قوارب الصيد، وورشات البناء، والأطفال في المدارس والعمال، خاصة في المؤسسات الأجنبية.
ويرى الخبير في مجال التأمينات محمد محمود ولد المختار، أن التأمين بكل أنواعه أصبح ضرورة اجتماعية واقتصادية تحتمها ظروف الحياة ولا يمكن الاستغناء عنه، ويهدف للمحافظة على الاقتصاد وحماية العمال وتعويضهم عن الأضرار التي تلحق بعضهم، ويمكن من خلاله الحصول على الادخارات طويلة الأمد التي تحتاجها المصارف الموريتانية.
وحررت موريتانيا قطاع التأمينات عام 1993 ببيع الشركة الموريتانية للتأمين، حيث تركت القطاع بالكامل للشركات الخاصة. وعلى الرغم من ذلك لم يتطور هذا القطاع بشكل كبير عما كان عليه قبل أكثر من عقدين، حيث إنه لا يمثل حاليا سوى أقل من 0,5% من الناتج المحلي بينما يصل مثلا إلى 3% بالسنيغال المجاورة لموريتانيا.
وربط الخبير بين نجاح محاولات نشر ثقافة التأمين بين الموريتانيين وتشديد المراقبة على شركات التأمين التي تتعمد المماطلة في معالجة الملفات وتقديم التعويضات، إضافة إلى القيام بحملة توعوية بمشاركة العلماء ورجال الدين لشرح منافع التأمين ومواجهة تحفظ الموريتانيين عليه.

وبسبب غياب ثقافة التأمين في المجتمع الموريتاني وتدهور خدمات الشركات، يكتفي غالبية الموريتانيين بالحد الأدنى من التأمين المتمثل أساسا في التأمين على السيارات. ويأتي في المرتبة الثانية التأمين على السفر للخارج.
وأشار ولد المختار، إلى أن قطاع التأمين يعاني من عدة مشاكل أهمها ضعف القدرة المالية والمهنية لشركات التأمين، ما يؤثر سلبا على معالجة عقود التأمين وملفات التعويضات. وأضاف أنه رغم ارتفاع الشكاوى المقدمة ضد شركات التأمين من قبل العملاء، إلا أن الجهات الرقابية لا تطبق عليها العقوبات المنصوص عليها في القوانين.
وتحدد مدونة التأمين في موريتانيا 22 مجالا مبوبا في مجموعتين، ويمثل التأمين على السيارات حوالى 40% من عائدات القطاع، حسب إحصاءات رسمية، وهو أكثر القطاعات ربحية والوحيد المفروض من قبل السلطات، فيما تعاني القطاعات الأخرى لتعويض العجز الحاصل لديها.
وأكد ولد المختار، ضرورة تحديث القواعد التنظيمية لعمل شركات التأمين وتفعيل الدور الرقابي للحكومة عليها، لما له من دور في معالجة ضعف ثقافة التأمين لدى المواطن الموريتاني. ودعا إلى توسيع دائرة التأمين وتحويل بعض التأمينات غير الإجبارية والتي تصل إلى 20 تأمين غير إجباري، إلى إجبارية.

مشاكل العملاء

ويشكو كثير من العملاء من مماطلة شركات التأمين في دفع التعويضات إضافة إلى تدني مبالغ التعويضات في حوادث السير، كما يشتكون من ضعف الخبرة بين صفوف العاملين في هذا القطاع، ما أدى إلى تفضيل الكثيرين التأمين لدى الشركات الأجنبية.
ورغم كثرة الشركات العاملة في مجال التعدين واستخراج النفط إلا أن شركات التأمين المحلية لم تستفد منها، حيث يلجأ غالبية المستثمرين في هذه القطاعات الغنية إلى التأمين لدى الشركات الأجنبية.
بالمقابل تشتكي شركات التأمين من تلاعب العملاء للحصول على مبالغ كبيرة من التأمين من خلال المبالغة في تقدير خسائر الحوادث وافتعالها أحيانا، كما تتهم شركات الصيد بتعمد إغراق قواربها المتهالكة حتى تستفيد من تعويضات التأمين.
وتواجه الحكومة اتهامات بمحاباة شركات التأمين بسبب عدم تطبيق العقوبات على الشركات المخالفة.
وبهدف تنظيم التأمين، قامت الحكومة بإنشاء هيئة لمراقبة القطاع تابعة لوزارة التجارة والصناعة التقليدية والسياحة، هي "اللجنة الوطنية لمراقبة التأمينات" التي منحت 12 رخصة للتأمين منذ إنشائها.
وحسب إحصاءات رسمية، فإن قطاع التأمين سدد تعويضات خلال سنة 2014 بقيمة 900 مليون أوقية (2.65 مليون دولار)، وتوفر شركات التأمين أكثر من 600 فرصة عمل وتدفع 500 مليون أوقية للخزينة العامة سنويا. (دولار واحد يساوي 340 أوقية موريتانية).

المساهمون