افتتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، اليوم الإثنين، القسم المار من البحر الأسود لمشروع خط أنابيب "السيل التركي" لنقل الغاز الطبيعي من روسيا باتجاه القارة الأوروبية عبر الأراضي التركية، والمكوّن من خطين، الأول إلى تركيا لتغذيتها بالغاز، والثاني إلى إيطاليا عبر اليونان أو إلى صربيا عبر بلغاريا.
وقال بوتين خلال مراسم تدشين القسم البحري من خط أنابيب "السيل التركي"، إن مشروع "السيل التركي" أثبت فعالية التعاون مع تركيا في حل القضايا الأكثر تعقيدا.
وأشار بوتين إلى أنه يأمل في الحفاظ على وتيرة البناء في وضع الجزء البري من "السيل التركي" وإطلاق المشروع حسب الخطة قبل نهاية عام 2019.
وقال بوتين: "أمامنا وضع الجزء البري من (السيل التركي). آمل أن يتم تنفيذ هذه الأعمال بالوتيرة المتسارعة نفسها من أجل بدء عمل خط الأنابيب، كما هو مخطط، حتى نهاية عام 2019".
وأعطى كل من أردوغان وبوتين تعليمات خلال المراسم ببدء وضع المرحلة الأخيرة من الجزء البحري من خط أنابيب الغاز "السيل التركي".
وأكد بوتين على أن هدف وصول حجم التبادل التجاري بين روسيا وتركيا إلى 100 مليار دولار سوف يتحقق دون أدنى شك.
وشكر بوتين نظيره التركي على إرادته السياسية وشجاعته في تنفيذ مشروع السيل التركي، قائلا: "أعرب عن امتناني لرئيس الجمهورية التركية أردوغان على إرادته السياسية وشجاعته. لماذا؟ لأن مثل هذه المشاريع لم تكن لتنفذ في ظل ظروف المنافسة المتنامية".
وأضاف بوتين أن مشروع "السيل التركي" ليس موجها ضد أحد، وهو يحمل طابعا بناءً.
ويتكون مشروع السيل التركي الذي وقّع عليه البلدان في أكتوبر/تشرين الأول 2016، من خطي أنابيب سعة كل منهما 15.75 مليار متر مكعب سنويا، ومن الممكن بحسب، تصريحات لوزير الطاقة الروسي أول من أمس، البدء بضخ الغاز عبر خطي المشروع بسعة إجمالية قدرها 31.5 مليار متر مكعب، اعتبارا من 1 يناير/كانون الثاني 2020.
وقال المحلل التركي سمير صالحة: "جاء المشروع بعد القطيعة الروسية - التركية عام 2015، وإثر تفاهمات مشتركة لفتح الطريق امام مشروع السيل التركي، والذي لم يحدد بعد، بأي اتجاه سيتقدم بأوروبا، هل عبر بلغاريا فالمجر وصولاً إلى النمسا، أم تركيا واليونان وصولاً إلى إيطاليا، علماً أن تركيا أعلنت جهوزيتها للتعامل وفق أي من الاحتمالين".
وحول استمرار التنسيق الاقتصادي بين موسكو وأنقرة، يضيف صالحة لـ"العربي الجديد"، أن هناك مواقف صادرة عن قيادة البلدين بأن "السيل التركي" لن يكون مشروع نقل غاز فحسب، بل مشروعا استراتيجيا متعدد الجوانب لربط المصالح الروسية والتركية لعقود قادمة، بمعنى أن المشروع سيدفع البلدين لمراجعة تحالفهما، بخاصة عندما ينتقل إلى المرحلة الثانية التي فيها سيتقرر في أي الدول الأوروبية سيُمرّر.
ويلفت المحلل التركي إلى مسألة الصراع بين مشروع "السيل التركي" ومشروع شرق المتوسط وإيصال الغاز إلى أوروبا، عبر ما سماه التحالف المصري - الإسرائيلي - اليوناني، معتبراً أن شروط وسرعة تنفيذ السيل التركي هي الأوفر حظاً.
و"السيل التركي" هو عبارة عن مشروع يهدف إلى ضخ الغاز الروسي عبر البحر الأسود بواسطة خطين: الأول لتوفير الغاز للمستهلكين الأتراك، والثاني لتعيد تركيا توزيعه على بلدان جنوب وجنوب شرقي أوروبا.
وفي 9 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري اكتمل بناء المقطع البحري من الأنبوب الأول من المشروع، على أن يتم إنجازه بالكامل بنهاية 2019، ومن المنتظر أن تبلغ كلفته الإجمالية 7 مليارات دولار.
واتفاق "السيل التركي" أُبرم في 2016 وبدأ تنفيذه عام 2017، علما أن مد الأنبوب عبر قاع البحر الأسود يعتبر عملا غير مسبوق، إذ تم مده على عمق وصل أحيانا إلى 2200 متر.
وعلى خلاف "السيل الشمالي- 2"، فإن خط الأنابيب من روسيا إلى تركيا لم يلق أي اعتراضات جدية، لو أهملنا تصريحات بعض قادة الاتحاد الأوروبي ورئيس الولايات المتحدة.
أما بالنسبة للأنبوب الثاني من "السيل التركي"، والذي يهدف إلى أن يصبح بديلا فعليا عن "السيل الجنوبي" والمخصص لتزويد أوروبا باحتياجاتها من الغاز، فلم يتحدد مساره النهائي بعد.
ويصف المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو "السيل التركي" بالمشروع العملاق، لأنه سيعيد ترتيب ما يسمى "أمن الطاقة"، لأنه سيكون بمثابة ضمان أمني للطاقة التي تحتاج إليها تركيا، ويمنحها نوعا من الاستقلالية، فضلاً عن منحها استخداما "جيوسياسيا" نتيجة التحكم بوصول الغاز إلى القارة الأوروبية.
ويشير كاتب أوغلو إلى أن المشروع سيعود بفائدة اقتصادية جراء عائدات الغاز التي ستمر عبر تركيا باتجاه أوروبا، بمعدل 35% من قيمة الغاز الروسي المصدر إلى القارة الأوروبية التي تشهد تنامياً في الطلب على الغاز، وكذلك تركيا التي بلغ معدل الزيادة في الطلب على الغز فيها نحو 26%، وفي اليونان 12%، أما في بلغاريا فهو 14%، وفي هنغاريا 31%، وفي صربيا 47%، وفي النمسا 77.5%.
ويعدّ مشروع السيل التركي من أضخم المشاريع الاقتصادية بين روسيا وتركيا، إذ بدأ الجانبان بالحديث عن تنفيذه في ديسمبر/ كانون الأول 2014، عندما زار الرئيس الروسي أنقرة، وصرح الزعيمان حينها بأنّ تنفيذ المشروع سينطلق عام 2016.
وعقب تدهور العلاقات بين روسيا وأوكرانيا التي كانت بدورها معبراً للغاز الطبيعي الروسي إلى دول القارة الأوروبية، بدأت موسكو بالبحث عن طرق بديلة لتصدير غازها إلى أوروبا، ووجدت ضالتها في مشروع "السيل التركي".
ويبدأ مشروع خط أنابيب "السيل التركي" من الأراضي الروسية، ويعبر أسفل قاع البحر الأسود، ليدخل إلى الأراضي التركية عبر ولاية قرقلار إيلي الشمالية الغربية، ومن ثمّ إلى الأراضي اليونانية التي ستكون خزاناً للغاز الروسي عند نهاية المشروع.
خريطة المشروع وتفاصيله
ويتكون المشروع الضخم من خطّي أنابيب تصل القدرة الاستيعابية للواحد منها إلى 15 مليارا و750 مترا مكعبا من الغاز الطبيعي، ويبلغ طول المشروع ألفا و117 كيلومترا، منها 910 كيلومترات تحت قاع البحر الأسود و260 كيلومترا فوق سطح الأرض.
ويُتوقع أن تضخ روسيا عبر هذا المشروع قرابة 63 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، حيث من المقرر أن تأخذ تركيا قرابة 14 مليارا من هذه المادة سنوياً، ويتم ضخ الكمية المتبقية (49 مليارا) إلى الدول الأوروبية.
وتتكفّل شركة "غازبروم" الروسية بإنشاء القسم الذي يعبر من أسفل قاع البحر الأسود بمفردها، فيما سيتم إنشاء القسم العابر للأراضي التركية بالتشارك بين الدولتين، في حين يُنتظر أن تُناهز الكلفة الإجمالية للمشروع 19 مليار دولار.
وبموجب الاتفاق المبرم بين أنقرة وموسكو، أعلن رئيس شركة "غازبروم"، أليكسي ميللر، في مايو/ أيار 2015، عن بدء الطرفين التركي والروسي بإنشاء المشروع، غير أنّ حادثة إسقاط المقاتلة الروسية التي انتهكت الأجواء التركية أدت إلى توقف العمل بالمشروع.
ويُقترح مد الأنبوب الثاني من تركيا إلى أوروبا عبر اليونان، كما أن ثمة خيارا آخر يقضي بتدفق الغاز الروسي عبر بلغاريا، لكن أيا كان المسار النهائي له فإنه لن يتم الشروع في مدّه قبل أن تحصل موسكو على ضمانات أوروبية.