ولم يمرّ التعنت الروسي من دون ردّ فعل، خاصة أن خفض الإنتاج يعتبر مطلباً دائماً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لدعم صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة من جهة، ومن أجل خفض أسعار المحروقات في السوق الأميركية قبيل الانتخابات الرئاسية. ويأتي الرفض الروسي، في سياق الضغط على منابع النفط الأميركي، كما نقلت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية. إذ قالت إن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، أخبر نظيره السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، أن روسيا لا ترغب في خفض إنتاج النفط أكثر. وشرح له أن "الكرملين قرر أن دعم الأسعار سيكون بمثابة هدية لصناعة الصخر الزيتي في الولايات المتحدة". وترى روسيا، حسب الوكالة، أن الوقت قد حان للضغط على الأميركيين الذين زادوا من حجم إنتاج النفط الصخري، بينما أبقت الشركات الروسية على نفطها في الآبار امتثالاً لاتفاق خفض الإنتاج.
وتُعَدّ الولايات المتحدة حالياً أكبر منتج للنفط الخام في العالم بمتوسط إنتاج يومي يبلغ 13.1 مليون برميل يومياً، وفق أرقام فبراير/شباط الماضي، بينما روسيا ثاني أكبر منتج بمتوسط 11.2 مليون برميل يومياً.
إشهار السلاح النفطي
وبعد هبوط أسعار النفط إلى نحو 30 دولاراً اليوم الاثنين، قالت وزارة المالية الروسية إن البلاد يمكنها التكيف مع أسعار للنفط بين 25 دولاراً و30 دولاراً للبرميل لفترة من ست إلى عشر سنوات قادمة.
وشرحت أنها قد تلجأ إلى صندوق الثروة الوطني للبلاد لضمان الاستقرار على صعيد الاقتصاد الكلي إذا استمر نزول أسعار النفط. ولفتت الوزارة إلى أنه حتى الأول من مارس/آذار، حوى الصندوق أكثر من 150 مليار دولار، أو 9.2% من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا. وفيما سعت روسيا إلى إظهار عدم اهتمامها بالحرب السعودية، إلا أن مؤشرات اقتصادها أظهرت العكس، خاصة سعر صرف الروبل الذي هبط أمام سعر صرف الدولار إلى أدنى مستوياته منذ مارس 2016، ليوازي الدولار الواحد 73 روبلاً.
صراعات تاريخية
إلا أن الحرب النفطية هذه ليست الأولى، فقد كانت العلاقات الطاقوية ما بين روسيا والسعودية فوق بركان منذ حقبة الاتحاد السوفييتي، حتى آخر حرب نفطية شنتها المملكة على موسكو وإيران في عام 2014.
منذ 6 أعوام، دارت حرب نفطية بين روسيا والسعودية. فقد أغلقت أسعار النفط الخام تعاملات يونيو/حزيران 2014، عند 112 دولاراً للبرميل بالنسبة إلى خام برنت. وبدأ سباق بين موسكو والرياض في السيطرة على الحصص السوقية. وشكل يوليو/تموز 2014، بداية هبوط تدريجي في أسعار النفط مع ظهور زيادة في معروض الخام، بفعل زيادة الإنتاج من جهة، وظهور بوادر تباطؤ اقتصادي، خفّض من الاستهلاك اليومي للدول. ومع تواصل هبوطه خلال الشهور اللاحقة، أغلق خام برنت عام 2014، عند سعر 53 دولاراً للبرميل، وهو أدنى مستوى حينها منذ إبريل/نيسان 2009، وفق رصد "الأناضول".
وعلى الرغم من معاودة أسعار النفط صعودها في الربع الأول من 2015، إلى متوسط 65 دولاراً للبرميل، إلا أن الشهور اللاحقة ضغطت على أسعار برنت، بسبب زيادة المعروض، واستمرار الصراع الروسي السعودي.
هكذا، أغلق خام برنت القياسي في نهاية 2015، عند 30 دولاراً للبرميل، وواصل هبوطه مطلع 2016 إلى حدود 27 دولاراً، محققاً أدنى مستوى منذ 12 عاماً. في 2016، بلغ فائض معروض النفط أعلى مستوياته منذ أكثر من 10 سنوات، بمتوسط 5 ملايين برميل يومياً، فائضة عن حاجة المستهلكين. وبعد أكثر من 5 اجتماعات في 2016، اتفق الأعضاء في "أوبك" بقيادة السعودية، ومنتجين مستقلين تقودهم روسيا، في ديسمبر/كانون الأول 2016، على تنفيذ خفض إنتاج للخام بنحو 1.8 مليون برميل، اعتباراً من مطلع 2017. ليصعد خام برنت إلى 55 دولاراً للبرميل.
واستمرّ اتفاق الخفض بمعدلات متفاوتة حتى الأسبوع الماضي، حين أعلنت روسيا سحب يدها من الاتفاق، معلنة التحرر من قيود الإنتاج.
وعودةً إلى الثمانينيات، اعتمدت المملكة الاستراتيجية ذاتها، حيث زادت ضخها النفطي في الأسواق العالمية إلى مستويات عجز فيه الاتحاد السوفييتي عن تحقيق توازن في اقتصاده الذي يعتمد أساساً على صادرات النفط. حينها، يذكر أكثر من مرجع تاريخي أن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية توسعت، لتتسارع عملية انهيار الاتحاد السوفييتي، برعاية أميركية.