المصانع تهدّد رزق الصيادين في تونس

28 ديسمبر 2017
مخاوف من تفاقم ظاهرة نفوق الأسماك (Getty)
+ الخط -
باتت الأنشطة الصناعية المركزة على الشريط الساحلي العدو اللدود للصيادين التونسيين بسبب تعمد المصانع تفريغ فضلاتها في البحر، ما أدى إلى نفوق الأسماك أو الهجرة القسرية لمكان تكاثرها. ويعتبر الصيادون أن الخلجان المحاذية لمراكز صناعية كبرى على غرار قابس والمهدية وصفاقس والمنستير تعيش ما يشبه التصحر البحري، ما أثر بشكل كبير على عائدات الصيادين ولا سيما صغار البحارة ممن يؤمنون رزقهم عبر قوارب الصيد صغيرة الحجم.
ويشهد عدد من السواحل التونسية هذه الأيام تفاقم ظاهرة نفوق كميات كبيرة من الأسماك التي تخرج إلى الساحل، الأمر الذي دعا صيادين إلى دق أجراس الخطر خوفا من زيادة الخسائر مطالبين الحكومة بمزيد من مراقبة الأنشطة الصناعية ومعاقبة المخالفين لقوانين الوقاية البيئية.

ويتهم عضو منظمة المزارعين المكلف بالصيد البحري نور الدين بن عياد، السلطات بالتباطؤ في ردة الفعل واتخاذ إجراءات تحد من سكب النفايات الصناعية في البحر فضلا عن تكتمها على نتائج البحوث التي تجرى على الأسماك النافقة بهدف تحديد أسباب هذه الظواهر الغريبة.
وقال بن عياد، لـ"العربي الجديد": من الطبيعي أن تحدث حالات نفوق بشكل محدود في فصل الصيف نتيجة الارتفاع الكبير في درجات حرارة البحر ونقص الأوكسجين في الماء، إلا أن الحالات المتكررة لنفوق الأحياء المائية شتاء تشير إلى وجود أسباب أخرى، أهمها التلوث الناتج عن الأنشطة الصناعية. ولفت عضو منظمة المزارعين إلى وجود آثار لمواد زيتية وبترولية يلحظها الصيادون على الأسماك والأحياء البحرية النافقة، ما لايترك مجالا للشك بوجود خطر بيئي يتهدد الثروة السمكية وأرزاق الصيادين، وفق تأكيده.

وتتكون اليد العاملة في قطاع الصيد البحري من حوالي 60 ألف ناشط، في حين يقدر الإنتاج بحوالي 105 آلاف طن سنوياً، وفق البيانات الرسمية. وبالإضافة إلى مشاكل التلوث وتأثيرها على الثروة السمكية، يشتكي صغار الصيادين في تونس من منافسة يصفونها بغير الشريفة من قبل مراكب الصيد الكبيرة، التي تجرف محاصيل البحر وقدرتها على التوغل في المياه العميقة، ما يحد من تكاثر السمك على السواحل القريبة.
وتعاني منظومة الصيد البحري في تونس من اختلال كبير في تركيبة الأسطول، إذ تنتشر في أغلب الموانئ مراكب الصيد الصغرى والمتوسطة، وهو ما يحد من إمكانيات تطوير القطاع ومساهمته الاقتصادية في غياب خطوط التمويل الكافية لتطوير الأسطول، وعزوف المصارف عن تمويل هذه المشاريع.

في المقابل، يعتبر المكلف بالصيد البحري في وزارة الزراعة رضا المرابط، أن أسباب ظاهرة نفوق الأسماك متعددة وتتولى وزارته متابعتها في إطار الحفاظ على الثروة البحرية. وقال المرابط في حديث لـ"العربي الجديد"، إن عددا من الخلجان التونسية على غرار خليج قابس، جنوب شرقي البلاد، يتسم بانخفاض مستوى المياه التي يتجاوز عمقها 50 مترا مقابل عمق يصل إلى 100 متر في خلجان أخرى، ما يجعل الثروة السمكية شديدة التأثر بكل العوامل الطبيعية التي تطرأ على البحر.

ولفت المسؤول بوزارة الزراعة إلى متابعة حالات النفوق لدراسة الظاهرة وتحديد الأسباب ومعالجتها، غير مستبعد وجود عوامل مرتبطة بالتلوث الصناعي وسكب مياه الصرف الصحي في البحر.
وأكد المتحدث في هذا السياق أن معهد علوم وتكنولوجيا البحار يرفع سنويا نحو 5 آلاف عينة من الشواطئ لمراقبة نوعية المياه، مشدّدا على أن وزارة البيئة تتدخل بمعاقبة الأنشطة الصناعية التي تهدد الثروة البحرية، مشيراً إلى وجود العديد من العوامل البشرية والطبيعية التي تهدّد أرزاق الصيادين والتوازن البيئي للبحر.

وحسب إحصائيات رسمية، يمثل نشاط الصيد التقليدي باستعمال وسائل صيد غير ضارة نسبة 90% من جملة وحدات الصيد التونسية، كما يحتوي الشريط الساحلي على 41 ميناء صيد (بمعدل ميناء كل 30 كيلومتراً)، في حين يتكون أسطول الصيد البحري من أكثر من 10 آلاف قارب صيد ساحلي، نصفها مجهزة بمحركات، منها ألف مركب صيد في الأعماق.
ويشكو القطاع العديد من الصعوبات التي تعيق تطوير الإنتاج، على غرار تقادم البنية الأساسية، وتراجع الخدمات في المرافئ، خاصة أنه مر على أغلب التجهيزات أكثر من ثلاثين سنة.

ويدفع البحث عن الكسب صيادي القوارب الصغرى والمتوسطة إلى التوغل في المياه العميقة، ما يؤدي إلى غرقها وفقدان الطواقم، حيث تتكرر مآسي غرق المراكب على مدار السنة بالرغم من المجهودات التي تبذلها قوات خفر السواحل لحمايتها.
وفي وقت سابق، رفع الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري جملة من المقترحات إلى وزارة الفلاحة، تتعلق بآليات مواجهة الصعوبات التي تواجه المنتجين  بهدف رفع مردودية الإنتاج ودعم مكانته ضمن قائمة المواد الزراعية المصدرة.


دلالات
المساهمون