حصل عبد الفضيل، الذي وُلد في أحد أحياء القاهرة الشعبية، على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة السوربون، قبل أن يعمل خبيرا في قسم الاقتصاد التطبيقي بجامعة كامبردج خلال الفترة 1972-1975، ثُم خبيرا للتخطيط في الكويت، ثم خبيرا فى البنك الدولى، قبل أن يعود إلى مصر ليترأس قسم الاقتصاد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.
كما تولى عبد الفضيل رئاسة مجلس إدارة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، في الفترة من 2012-2014، وهو الدور الذي أشاد به المفكر العربي د.عزمي بشارة، مشيرا إلى إنجازات عبد الفضيل المهمة والبارزة في البحوث الاقتصاديّة، والتي لم تأخذ حقها من الاهتمام والانتشار كما يليق بها.
كما كان عضوا في مجلس إدارة البنك المركزي المصري لفترة طويلة استمرت حتى عام 2015، وحصل على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاقتصادية في مصر عام 1977.
لم يؤمن عبد الفضيل بالفصل بين الاقتصادي والسياسي أو بين الأكاديمي والواقعي، فكان أحد مؤسسي حزب التجمع الوطني التقدمي في مصر في سبعينيات القرن الماضي. وبعد ثورة يناير 2011 كان أحد مؤسسي حزب التحالف الاشتراكي وعضو مجلس أمنائه مع أسماء سياسية واقتصادية بارزة مثل أبو العز الحريري وعبد الغفار شكر وإبراهيم العيسوي ومصطفى كامل السيد وآخرين.
وكان الإنتاج العلمي للرجل يمس قضايا المجتمع بشكل مباشر، ليس فقط بالشرح أو طرح الأسباب، ولكن أيضا بطرح الحلول.
ومن كتبه المبكرة أساليب تخطيط الأثمان (بالفرنسية) دار النشر الجامعي باريس-1975، والتنمية وتوزيع الدخل والتغيير الاجتماعي في الريف المصري 1952-1970 (وقد صدر بالإنجليزية عن دار نشر جامعة كامبردج عام 1975) وغيرها من الكتب. وسنعرض لثلاثة منها تعرضت بشكل مباشر لأزمات الاقتصادات العربية ومنها المصري.
أزمة النفط
حذّر عبد الفضيل مبكرا من الأزمة التي تواجهها البلدان العربية المنتجة للنفط، وذلك في كتابه القيم "النفط والمشكلات المعاصرة للتنمية العربية"، الصادر عام 1979 عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت. حيث يرى عبد الفضيل أن المأزق الحقيقي الذي تمر به البلدان النفطية العربية يكمن في أن التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها وتشهدها في ظل "الحقبة النفطية الراهنة" ستزيد كل يوم من تعقيد الموقف بالنسبة للمستقبل، وتزيد من حجم المشاكل المتوقعة في "عالم ما بعد النفط".
ويضيف أنه "مع بدء الإنتاج النفطي على نطاق واسع وتدفق الدخل النقدي من تسويقه، أكثرت حكومات البلدان النفطية من الإقبال على تنفيذ العديد من المشاريع العمرانية لتحديث المجتمع، من خلال إقامة أبنية ارتكازية حديثة وسلسلة من الخدمات التعليمية والاجتماعية، فضلا عن تطوير أجهزة الدولة.
وعلى خط مواز لهذه الجهود ونتيجة لنمو معدل المصروفات الحكومية واتساع سوق العمل، نشطت حركة التجارة الداخلية وتجارة الاستيراد وإعادة التصدير، واجتذبت هذه الأنشطة وغيرها شرائح عريضة من أبناء البلاد، في ظل أشكال متنوعة من الحماية والتشجيع أو الدعم الحكومي".
ويشير إلى أن ذلك أدى- ضمن نتائجه العديدة- إلى "اندثار الحرف القديمة، لأنها بسلعها وخدماتها لم تعد تتلاءم مع متطلبات السوق، إضافة إلى هجر العاملين ممارستها واتجاههم نحو العمل التجاري المزدهر أو العمل الحكومي المضمون. وباندثار هذه الحرف اختفت معها علاقـات للإنتاج الحرفي القديمة لتحل محلها- في إطار السوق الجديدة- علاقات الأجر التي تقوم على التعاقد الفردي أو الجماعي بعد انفصال رأس المال عن العمل".
نواقيس الخطر
وفي مصر، لم يكن عبد الفضيل بعيدا عن أزماتها، واستطاع أن يربط بين الواقع الاقتصادي المأزوم وما يمكن أن يتعرض له النظام القائم، بل واعتبره البعض أحد الذين تنبؤوا علميا بثورة يناير عندما دق نواقيس الخطر فى كتاب صدر عام 2008 بعنوان "نواقيس الإنذار المبكر".
وتعرّض في كتابه لملامح الفئات الرأسمالية الجديدة وأزمة الحراك الاجتماعي والسياسي والخصخصة، والاستثمار الأجنبي المباشر، ومناخ الاستثمار والعمل والفساد.
يقول عبد الفضيل عن كتابه، في حوار صحافي أجري معه بعد ثورة يناير، إن نواقيس الإنذار كانت واضحة جداً قبل ثورة يناير، ومنها البطالة، مشيرا إلى النشاط الاستثماري الذي حدث في مصر أيام الرئيس السابق مبارك لم يسعَ إلى عمل مشروعات كبيرة تستوعب هذه العمالة، وتم التركيز على القطاع العقاري، وقطاع التمويل، وهذا لا يخلق عمالة كبيرة، مثل بلاد آسيا.
ويضيف أن المشكلة الثانية هى الفقر، فكان يقال إننا نحقق معدل نمو للناتج المحلى الإجمالي 7%. وللأسف لا تصل هذه النسبة إلى الناس، وكانت محصورة فى الجزء العلوى من الاقتصاد لكبار المستثمرين وكبار الأغنياء، فثمار النمو لم توزع توزيعاً عادلاً، ومن هنا كان شعار العدالة الاجتماعية أحد مطالب ثورة 25 يناير، فالناس تريد نموا وعدالة اجتماعية معاً، وهذه التجربة قامت بها البرازيل فى عصر "لولا"، فقبله كان هناك نمو عالٍ دون عدالة اجتماعية، ولكن "لولا" راعى البعد الاجتماعي، وساعد على حل معادلة النمو مع العدالة الاجتماعية.
رأسمالية المحاسيب
لم يكتف عبد الفضيل بدق تواقيس الإنذار المبكر، بل تبعه بكشف فئة رأسمالية جديدة تصدّرت المشهد الاقتصادي المصري أطلق عليها اسم كتابه "رأسمالية المحاسيب: دراسة في الاقتصاد الاجتماعي" الصادر عام 2011.
وكشف في "رأسمالية المحاسيب" عن التفاوت الكبير فى الدخول والإنفاق فى مصر بين فئتين من المجتمع، الأولى شديدة الثراء والأخرى تعاني من العوز الشديد.
ويميّز الكتاب بين أنواع ثلاثة من الرأسمالية، وهي الرأسمالية المستنيرة كنموذج (طلعت حرب) ورأسمالية (النصابين) القائمة على النهب السريع وتهريب الأموال إلى الخارج، وأخيرا رأسمالية (المحاسيب)، وهم الذين يكتسبون من وراء فرص تتيحها لهم قرابة أو صداقة في دوائر الحكم.
ويرى عبد الفضيل أن الرأسمالية الجديدة في مصر اعتمدت على الاقتراض من القطاع المصرفي وتسيطر على هياكلها القانونية والتنظيمية الشراكة العائلية، وعلى نشاطها الاقتصادي درجة عالية من الاحتكار في السوق المحلية، مما ساعدها في تحقيق أرباح احتكارية خيالية.
كما يرى أن هذا النمط من رجال الأعمال كوّنوا ثرواتهم بأوامر السلطة ومن خلال القرب منها.
ويعطي مثالاً بعدد مصانع الحديد في مصر وهي 22 مصنعا تستحوذ 3 منها على 90% من الإنتاج في مصر، وهي "العز وبشاي والجارحي"، بينما تتنافس باقي الـ19 مصنعاً على 10% فقط، ويحتكر 4% فقط من تجار الجلود 43% من حجم الإنتاج، وتحتكر أربع شركات أجنبية 87% من حجم صناعة الإسمنت في مصر.
وصنّف عبد الفضيل الأثرياء إلى 4 طبقات. وهم كبار رجال الأعمال، والمقاولون، والتجار، وكبار أرباب المهن الحرة من المحامين والأطباء والمهندسين الاستشاريين. وأخيرا عناصر الإدارة العليا وكبار المهنيين فى شركات القطاع الخاص والقطاع المصرفي.
ويشير أيضا في كتابه إلى أن الدخل السنوي لتلك الفئات لا يقل في المتوسط عن 3 ملايين جنيه، ولها نمط معيشي متميز وتجمعات سكنية في أماكن معينة كالتجمع الخاص وغيره من المناطق.
ووفقا للكتاب، فإن عدد الأسر الثرية في مصر التي تنتمي إلى الطبقة العليا يصل نحو 750 ألف أسرة، أي نحو 4% من إجمالي الأسر المصرية التي يبلغ عددها 3.17 مليون أسرة.
كما أن توزيع الدخول ما بين أعلى 10% من السكان الذين يحوزون 28% من الدخل القومي وأقل 10% الذين يعيشون على 4% فقط من الدخل القومي.
أزمات وحلول
لم يكتف عبد الفضيل في كتاباته أو كتبه بشرح وتفسير الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، بل نجح في تقديم حلول عملية لها.
فعندما تحدث عن الخصخصة قال إنه "إذا غابت المعايير السليمة للعملية والمتابعة الجادة لها، فيمكن أن تصبح بعض عمليات الخصخصة عبئا على الاقتصاد والمجتمع، وأبعد ما تكون عن تحقيق الصالح العام. وإذا كان المتحمسون لعمليات الخصخصة فى دوائر رجال الأعمال والمنظمات الدولية قد استبشروا خيرا، لأننا "سوف نرى الضوء فى نهاية النفق"، إلا أنه للأسف قد نرى "النفق فى نهاية الضوء".
ويرى أن جوهر الأزمة الاقتصادية الحالية في مصر يعود إلى عدم وجود سياسات اقتصادية متناسقة ومتكاملة: نقدية ومالية وتجارية، كما يرى أن جذور المشكلة الاقتصادية تعود دائما إلى قضيتين رئيستين: الأولى سوء توزيع الاستثمارات وتركزها فى قطاع العقارات والسياحة والتمويل، والثانية سوء توزيع الدخول، مما أدى إلى ضعف القدرة الشرائية للمواطنين وإصابة تلك البلدان بما سمى "الركود التضخمى"، حيث يتعايش الركود مع التضخم جنبا إلى جنب.
وأشار إلى أن الأزمة في مصر لا تكمن فقط في إدارة سعر الصرف في ظل ظروف الندرة، بل إن جانبا كبيرا من الأزمة يعود إلى خلل كبير في بنية الاقتصاد الحقيقي "أو العيني"، إذ أدت السياسات الاقتصادية المتبّعة منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي إلى تقليص الطاقة الإنتاجية للاقتصاد المصري في مجالات الصناعة والزراعة.
ورأى عبد الفضيل أن التركيز على المشروعات الكبيرة الجديدة وحدها لا يساعد على النهوض الاقتصادي فى ظل الوضع الراهن للاقتصاد المصري الذي يعاني أزمة كبيرة في قطاعي الزراعة والصناعة.
ودعا إلى استراتيجية "السير على ساقين"، وهي استراتيجية تم تطبيقها بنجاح فى حالة الصين، حيث كان هناك تركيز فى الوقت نفسه على الصناعات الكبيرة والصناعات الصغيرة، من ناحية، والتكنولوجيات المتقدمة والتكنولوجيات التقليدية، من ناحية أخرى.
كما كان هناك اهتمام كبير بالبعد المكاني، حيث تم توزيع الأنشطة الاستثمارية والمشروعات الجديدة على المناطق المختلفة، خاصة المناطق التي تعاني من الركود وضعف النشاط الاقتصادي، وذلك حتى لا تكون التنمية فى بلادنا "عرجاء تسير على ساق واحدة"، وفقا لعبد الفضيل.
وعندما بدأت مصر مفاوضات القرض مع صندوق النقد الدولي عام 2013 قال عبد الفضيل إن الإجراءات التقشفية، سواء أرادها صندوق النقد، أم لم يردها لابد منها، لأننا في أزمة، ولدينا عجز كبير في ميزانية الدولة، فلا بد أن يحدث ضغط للإنفاق لسد عجز الموازنة، وأي إجراءات تقشفية ناجحة لابد أن يتوافر بها شرطان: العدالة الاجتماعية والثقة في القيادة.
ودعا إلى تحقيق المعادلة الصعبة مثلما حدث في البرازيل وبعض بلدان أميركا اللاتينية، عن طريق عمل موازنة بين القطاع الخاص والربحية الخاصة والربحية العامة، ويتم عمل نظام رأسمالي مهذب يجمع بين التوجيه الاقتصادي والسوق.
وأشار إلى أنه إذا كان هناك ضرورة لاستقدام رأس المال الأجنبي، فيجب أن يكون لضخ استثمارات جديدة ولإقامة مشروعات في مجالات يحتاجها الاقتصاد المصري ويحتاج للخبرة الأجنبية، وذلك فى ظل ضوابط حول أماكن التوطن ومن حيث الأثر الصافي على ميزان المدفوعات وعلى خلق علاقات ترابط أمامية وخلفية في بنية الاقتصاد المصري.