صناعة البتروكيماويات في إيران تصطدم بنقص المياه

29 أكتوبر 2019
تستهدف إيران رفع قدراتها التكريرية (فرانس برس)
+ الخط -

اكتملت خطة بناء مصنع للبتروكيماويات بالقرب من مدينة فيروز أباد الإيرانية، مع كل المقومات اللازمة في العادة لانطلاق أي مشروع من موافقة السلطة العليا في البلاد والتمويل من الحرس الثوري وتوفر الغاز اللازم.

غير أن عشر سنوات انقضت ولم يكتمل سوى عشرة في المئة من الأعمال في موقع المشروع، بسبب خلاف على عنصر تتزايد ندرته في إيران ويعد حيويا للتبريد في المنشأة الصناعية، ألا وهو الماء.

وقال حامد رضا سليمان نجاد، أحد مديري المشروع، إنه "في دراسات المشروع الأولية حدثت بعض الأخطاء في كمية المياه التي سيحتاج إليها المصنع. واكتشفوا أن المصنع يحتاج إلى الكثير من المياه لكن المنطقة لا يتوفر فيها ذلك".

ولا يعد مصير مصنع فيروز أباد حالة فريدة في إيران، رغم أن البلاد تمتلك احتياطيات هائلة من النفط والغاز، وتحرص على زيادة إنتاجها في قطاع منتجات المصب التي يمكن أن تتفادى بها بسهولة العقوبات الأميركية المعوقة المفروضة على صناعة الطاقة الأساسية.

وكشفت وكالة "رويترز" أن ما لا يقل عن عشرة مشروعات في مجال البتروكيماويات والأسمدة والتكرير، تتجاوز طاقتها الإنتاجية المجمعة خمسة ملايين طن سنويا، واجهت صعوبات شديدة أو تأجلت بسبب مشاكل تتعلق بإمدادات المياه.


وقال رضا بني مهد، وهو من رجال الأعمال في إيران ويعمل في مشروعات التكرير، "كثير من هذه المشروعات اقترحها نواب يحاولون خلق وظائف في دوائرهم. وللأسف تعرضت الدراسات التقنية للتجاهل على نطاق واسع".

مياه للتبريد

تحتاج مصافي تكرير النفط وغيرها من مصانع المعالجة إلى المياه بغرض التبريد في الأساس، ويتطلب إنتاج غالون واحد من البنزين بين 0.61 و0.71 غالون من المياه.

غير أن تحويل الموارد المحدودة بعيدا عن الزراعة، لاستخدامات صناعية، يحمل في طياته مخاطر سياسية، وقد تسبب الجفاف وإمدادات المياه المتناقصة في إثارة القلاقل.

فقد نظم مزارعون بالمنطقة الوسطى في إيران احتجاجات في عدة مدن خلال 2018، بسبب سوء إدارة المياه مع انخفاض معدل سقوط الأمطار بنسبة 25 في المئة عن المتوسط المعتاد.

ويهدف مشروع المصنع في فيروز أباد، الواقعة في منطقة داخلية في جنوب البلاد الذي يفتقر للمياه، إلى إنتاج مليون طن من الإيثيلين سنويا، وبناء على أرقام لمشروع مماثل في القدرة الإنتاجية، سيحتاج المشروع إلى استخدام أكثر من مليوني طن سنويا من المياه.

وتريد الحكومة، التي تخشى تناقص مستويات المياه الجوفية على مستوى البلاد، نقل المصنع، الذي تبلغ تكاليفه 500 مليون دولار، إلى الساحل حيث يمكن استخدام مياه البحر بعد تحليتها، ولكن الاقتراح واجه اعتراضات من مسؤولين وقادة دينيين محليين.

وقال كاوة مدني، النائب السابق للرئيس الإيراني لشؤون البيئة والأستاذ الزائر حاليا لدى إمبيريال كوليدج في لندن، إن "ثمة مشكلة في التنسيق بين الوزارات فيما يتعلق بخطط التنمية"، مضيفا أن العقوبات دفعت الحكومة لتقديم الوظائف على المياه والبيئة.

وكان لتأخر مشروع فيروز أباد تداعياته، إذ أدى إلى تعثر أربعة مشاريع أخرى تهدف إلى استخدام إنتاج المصنع من الإيثيلين، وهي مادة تدخل في صناعة راتنجات البوليستر والمنتجات اللاصقة، وكانت هذه المصانع ستؤثر بدورها على احتياطيات المياه الضئيلة في المنطقة.

وقال مدير آخر بمشروع فيروز أباد للوكالة إن "تأخر ليست كلمة منطقية. فنحن عمليا، وبعد 12 عاما، أمام مشروع فاشل"، وأضاف طالبا عدم الكشف عن هويته، إن الموقع الساحلي المقترح للمشروع مجرد أرض فضاء مستوية ولم يتم بناء شيء فيها بعد.

ورغم التحديات فقد رفعت إيران قدرتها التكريرية وأعلنت في فبراير/ شباط أنها أصبحت مكتفية ذاتيا من البنزين، وتبلغ القدرة الإنتاجية لمصانع البتروكيماويات في إيران حوالي 65 مليون طن سنويا، يتم تصدير حوالي 22.5 مليون طن منها إلى الخارج، وتهدف الحكومة لزيادة الإنتاج إلى 91 مليون طن خلال عامين وإلى 130 مليون طن خلال خمس سنوات.

وتبلغ القدرة التكريرية حوالي 2.23 مليون برميل يوميا، ما يجعل إيران تأتي بعد السعودية المتصدرة لهذا المجال على المستوى الإقليمي.

محلك سر

كشفت شركة الضمان الاجتماعي الإيرانية للاستثمار التابعة للدولة، والتي تملك استثمارات في 200 شركة تابعة واستثمارات كبرى في قطاع الطاقة، عن مشاكل تواجه الصناعة في تقرير صدر عام 2018 بما في ذلك العقوبات و"الجفاف ونقص المياه لمصافي التكرير الداخلية" البعيدة عن السواحل.

وقالت الشركة إن بعض المشروعات "ليست مجدية اقتصاديا لأنها بدأت بغرض خلق وظائف في مواقع غير مناسبة".

وفي شمال شرق إيران، واجهت شركة خراسان للبتروكيماويات صعوبات في بدء عمل مصنع للأسمدة الزراعية، يهدف لإنتاج 660 ألف طن من اليوريا باستخدام الغاز كمادة لقيم، وبعد خمس سنوات لا يزال المشروع متوقفا رغم تدبير تمويل من الدولة قيمته 700 مليون دولار.

وقالت شركة تأمين للاستثمار البترولي والبتروكيماوي، وهي من كبار المساهمين على موقعها الإلكتروني إن "موارد المياه للمشروع لم تتوفر ولا تزال غير واضحة".

وتعد الزراعة مصدرا رئيسيا لفرص العمل في إيران، وتستهلك حوالي 90 في المئة من استخدامات إيران من المياه مقابل عشرة في المئة للصناعة، غير أن أي طلب إضافي يفرض ضغوطا على احتياطيات إيران المتناقصة.

وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن إيران تستخدم 3.8 مليارات متر مكعب من المياه سنويا، أكثر مما يتم تعويضه، الأمر الذي يؤدي إلى تناقص سريع في الكميات المتاحة.

ومع ذلك فلا تزال بعض المشروعات تمضي قدما حتى في مناطق تشتد فيها الضغوط، وقالت وكالة "إرنا" للأنباء في 2018 إن مصفاة شازاند لتكرير النفط، في وسط إيران، اضطرت إلى حفر آبار عميقة لاستخراج المياه الجوفية، الأمر الذي أثار انزعاج دعاة الحفاظ على البيئة وأضعف إمدادات المزارعين.

وقالت شركة شازاند للبتروكيماويات، في بيان نُشر على موقعها الإلكتروني، إنه "لتقليل استهلاك المياه الجوفية خططت الشركة لاستخدام خزان سد كمال صالح عندما يمتلئ ومياه الصرف من المدن المجاورة". وقالت الشركة إنها تبحث عن مقاول لمشروع معالجة المياه.

أبرز المشروعات المتضررة

وجمعت الوكالة قائمة بمشروعات الطاقة التي تعطل إنشاؤها في قطاع المصب الإيراني والمنشآت القائمة، التي اضطرب العمل فيها بسبب ندرة المياه.

وجاءت هذه القائمة بناء على تقارير منشورة في وسائل الإعلام الرسمية أو من تعليقات مباشرة من مديرين بالمشروعات المؤجلة ومن تجار وتفاصيل نشرتها بعض الشركات أو مساهمون كبار فيها، والمشروعات هي: 

* شركة خراسان للبتروكيماويات 
* مصنع كرمنشاه للبتروكيماويات
* مشروع فيروز أباد للبتروكيماويات والصناعات المرتبطه به
* مصنع جولستان للبتروكيماويات
* مصنع دينا للبتروكيماويات
* مصنع خُمين للبتروكيماويات
* مصفاة شيراز 2
* مصفاة إصفهان
* مصفاة عبادان
* شركة شازاند للبتروكيماويات.

(رويترز)