ليبيا تدخل حقبة التقشف

16 فبراير 2015
الصراع المسلح دفع الحكومة الليبية إلى التقشف(أرشيف/الأناضول)
+ الخط -


لجأت ليبيا إلى اتخاذ عدة إجراءات تقشفية بسبب تراجع احتياطي النقد الأجنبي، وتدني إنتاج النفط وانخفاض أسعاره عالمياً، فضلاً عن ارتفاع عجز الموازنة العامة خلال العام الماضي إلى 25 مليار دينار (18.2 مليار دولار) مع استمرار العنف والصراعات المسلحة والانقسام السياسي ونضوب مصادر الدخل.

وخفّض المؤتمر الوطني العام مرتبات أعضائه ووزراء وسفراء، إلى النصف في ظل خطط

تقشفية لمواجهة تدهور الأوضاع الاقتصادية.

كما جمد ديوان المحاسبة الليبي، ومقره طرابلس، جميع الحسابات المصرفية التابعة لكافة الجهات العامة التابعة للدولة، والممولة من الموازنة، باستثناء حسابات الأمانات والودائع، وذلك في خطوة لضبط الأنفاق العام الذي ارتفع إلى مستويات كبيرة في العام الماضي.

وأحال ديوان المحاسبة ثلاثة مسؤولين دبلوماسيين (سفراء وقائمين بأعمال السفارات) للنائب العام نتيجة فساد مالي.

وفرض مصرف ليبيا المركزي الذي لا تزال إدارته مجال صراع إلى وضع قيود على التحويلات والعملة الصعبة، ما يعيق عمليات الاستيراد للمواد الأساسية والسلع الغذائية في دولة تستورد كل شيء حتى الطماطم والبيض من الخارج.

وأكد عميد كلية الاقتصاد، الدكتور أحمد أبو لسين، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن ليبيا لن تعود سريعاً للسوق النفطية، مُشيراً إلى ضرورة اتباع جملة من الإجراءات المدروسة لمواجهة تدهور الأوضاع الاقتصادية، ومنها العمل على إعادة الثقة للجهاز المصرفي على الأقل في المناطق الآمنة، ومنح فوائد على الحسابات بالعملة الأجنبية بضمان المصرف المركزي لفترة زمنية محددة، وتقييد التحويلات النقدية خصوصا المتعلقة بالسلك الدبلوماسي ونفقات العلاج والإيفاد، وما في حكمها وإعادة الترتيب القطاعي للموازنة.

وقال أبو لسين إنه تم تخفيض الأجور والمرتبات بنسبة معينة مطلوبة، ولكن العمل على العودة إلى نظام الحد الأدنى للأجور (450 دينارا) كفيل بتحقيق نوع من التوازن والعدالة الاجتماعية، في ظل الأوضاع المتأزمة.

ويرى عضو مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي سابقاً، نوري بريون، عدم توافر إيرادات يعوّل عليها في تغطية العجز في الموازنة العامة، ومن ثمة لجأت الحكومة إلى خيارات تقشفية مؤقتة إلى حين استقرار الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

وأكد بريون، أن مصرف ليبيا عليه أن يتبع سياسة الاقتصاد الحربي، بإعادة الرقابة على النقد مؤقتا حتى يعود الاستقرار للدولة، مشدداً على أهمية الصرف الأجنبي للسلع والخدمات الضرورية فقط، وأشار إلى أن الفساد في المرتبات يجب علاجه برجوع صرفها إلى استخدام الرقم الوطني مع إلغاء الزيادة والعلاوات الجديدة بسبب تفاقم العجز، في ظل زيادة المرتبات بأكثر من 15 مليار دينار في عام 2014 مقارنة بميزانية عام 2013.

والأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد حاليا من شأنها لو استمرت أن تفاقم من معدلات البطالة التي تجاوزت 30% قبل الثورة الليبية، وتجاوزت أكثر من 60% (للبطالة بنوعيها الحقيقية والمقنعة)، بحسب رأي محليين اقتصاديين.

كما انخفض معدل الإنتاج من 1.5 مليون برميل يوميًا إلى حوالي 350 ألف برميل خلال

الأربع سنوات الماضية.

ومعدل الإنتاج الحالي يكاد يكفي للاستهلاك المحلي البالغ 320 ألف برميل التي تحتاجها المصافي المحلية لتغطية احتياجات البلاد من المحروقات.

وكان المركزي الليبي دعا مطلع العام الحالي، إلى ضرورة الالتزام التام بتطبيق الرقم الوطني في جميع المعاملات المالية وبشكل فوري، مع إيجاد آلية فاعلة لتحصيل الإيرادات السيادية إضافة إلى إعادة النظر بشكل فوري في سياسات الدعم، مشيراً إلى ضرورة إعادة النظر في مرتبات بعض القطاعات، وتأجيل دفع علاوة الأبناء والعائلة إلى حين تحسّن الأوضاع المالية.

وتوقع صندوق النقد الدولي أن تكون ليبيا الأعلى في تسجيل العجز في الموازنة بالدول المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط، ليصل إلى 37.1% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015 بسبب تراجع أسعار النفط.

وقال بيان لمصرف ليبيا المركزي، صدر الشهر الماضي، إن نفقات الدولة خلال العام الماضي 2014 بلغت 36.5 مليار دولار، فيما وصلت الإيرادات إلى نحو 15.5 مليار دولار بعجز في الموازنة العامة ناهز نحو 18.7 مليار دولار، وتصل نسبة العجز إلى نحو 51.2 % من النفقات ونحو 120% من الإيرادات.

وتواجه ليبيا أزمة مالية خانقة، في ظل استمرار الفوضى الأمنية، التي تسببت في خسائر فادحة لصناعة النفط المصدر الرئيسي للإيرادات في البلاد، ما زاد من الشكوك حول قدرة الدولة على توفير السيولة المطلوبة لتغطية الإنفاق خلال العام الحالي، وبالتالي تأجيل اعتماد موازنة 2015 إلى أجل غير مسمى.

وحسب محللين، فإن المصرف المركزي الذي أصبح له غرفتان: إحداهما في طرابلس، والأخرى في مدينة البيضاء، جعله غير قادر على ضخ سيولة كافية، لحكومتين وبرلمانين يتنافسان على الشرعية.

وتشهد ليبيا نزاعاً بين قوات "فجر ليبيا" التي يشكلها المؤتمر الوطني والثوار، والقوات التابعة

للّواء المتقاعد خليفة حفتر، على أحقية إدارة البلاد، في ظل صراع مسلح احتدم خلال الشهور الأخيرة، وامتد إلى الحقول النفطية، في محاولة للسيطرة عليها.

وتعتمد ليبيا على النفط في تأمين 96% من إيراداتها، ويمثل تراجع الإنتاج وانخفاض أسعاره عالمياً التي بلغت 60% منذ منتصف العام الماضي، ضربة مزدوجة للموازنة الجديدة.

وتوقع رئيس اللجنة الاستشارية المالية الاقتصادية في المصرف المركزي، محمد أبو سنينة، في تصريحات سابقة لـ "العربي الجديد"، أن يصل العجز في موازنة 2015 إلى 20 مليار دينار (15.3 مليار دولار)، وأن يحقق ميزان المدفوعات عجزا خلال 2015 بنحو 25 مليار دولار.

المساهمون