بوفاة رجل الأعمال المصري حسين سالم، المعروف بلقب مهندس وعراب تصدير الغاز الطبيعي المصري إلى إسرائيل بأسعار تفضيلية بخسة تسبب في إهدار مليارات الدولارات على الدولة المصرية، عادت صفقات الغاز المصري المشبوهة وموارد مصر المنهوبة للأضواء.
في 2007 عقد حسين سالم صفقة سرية مع الحكومة الإسرائيلية، وبمباركة الرئيس المخلوع حسني مبارك، وبموجبها تلتزم الحكومة المصرية بضخ 1.7 مليار متر مكعب سنويًا من الغاز المسال إلى إسرائيل ولمدة 15 عاما، من خلال شركة غاز شرق المتوسط التي يترأسها سالم مع ضابط المخابرات الإسرائيلي يوسي مايمان.
سعر الغاز يراوح بين 70 سنتاً و1.5 دولار للمليون وحدة حرارية، بينما وصلت كلفة الإسالة إلى 2.6 دولار، وكانت أسعار الغاز في أوروبا تدور وقتها حول 11 دولارا، في أغرب صفقة نهب منظم للموارد الطبيعية تباركها حكومة وطنية في مصر والعالم.
إسرائيل أولى
من المفارقات أن محطات توليد الكهرباء والمصانع والمنازل الإسرائيلية كانت تنتعش بالغاز المصري، في الوقت الذي كانت فيه الحكومة المصرية تقترض لتستورد غاز البوتاغاز المسال، البديل للغاز الطبيعي، وبالأسعار نفسها في أوروبا، وكانت الكميات المستوردة منه لا تلبي حاجة الدولة، وكان المواطن يموت في الطوابير للحصول على أسطوانة بوتاغاز.
وبعدها قضت محكمة على وزير البترول السابق، سامح فهمي، وغيابيا بسجن سالم، الهارب إلى إسبانيا، لمدة 15 سنة وغرامات تزيد عن 4 مليارات دولار بعد إدانته في قضية تصدير الغاز إلى إسرائيل بأقل من أسعاره العالمية وبغسل الأموال المتحصلة من صفقة تصدير الغاز لإسرائيل.
بعد انقلاب يوليو/ تموز، أجرى السيسي تعديلات قانونية في عام 2015 على قانوني الإجراءات الجنائية والكسب غير المشروع تجيز تصالح الدولة في قضايا العدوان على المال العام، ليتصالح سالم مباشرة، بمقتضى التعديلات المفصلة بالمقاس، مقابل مبلغ 5.3 مليارات جنيه، (ما يعادل 321 مليون دولار)، وتبرئة مبارك وسالم وفهمي في قضايا تصدير الغاز لإسرائيل.
التفريط في غاز شرق المتوسط
في 2012، أثبت كل من الخبير المصري المقيم في الولايات المتحدة، د. نائل الشافعي، ود. خالد عبد القادر عودة، رئيس قسم الجيولوجيا بجامعة أسيوط، والسفير إبراهيم يسري، مدير الشؤون القانونية الأسبق بوزارة الخارجية، أن حقلي الغاز المتلاصقين في شرق البحر المتوسط، ليڤياثان الذي اكتشفته إسرائيل، وأفروديت الذي اكتشفته قبرص في عام 2010، باحتياطيات يقدر سعرها بحوالي 200 مليار دولار، يقعان ضمن المياه الاقتصادية المصرية الخالصة.
في ديسمبر/ كانون الأول 2013، وبعد أقل من ستة أشهر من انقلاب يوليو، أعلنت الرئاسة المصرية أن الرئيس المؤقت، عدلي منصور، عقد عدة اتفاقيات مع رئيس قبرص الجنوبية في حضور رئيس الوزراء، حازم الببلاوي، ووزير الدفاع، عبد الفتاح السيسي.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، وبعد أقل من خمسة أشهر من توليه الحكم، صدق الجنرال السيسي بالموافقة على ما سُمي في الجريدة الرسمية الاتفاقية الإطارية بين حكومتي مصر وقبرص بشأن تنمية الخزانات الحاملة للهيدروكربون عبر تقاطع خط المنتصف، والموقعة في القاهرة في 12/12/2013، في غياب مجلس الشعب المخول بالتصديق على اتفاقيات كهذه. وفي ظل اعتراض القوى الوطنية، رغم أنه يصف نفسه بأنه "أمين أوي".
الاتفاقية أفقدت مصر نصف حقها في المياه الاقتصادية لصالح قبرص وإسرائيل، وفق نائل الشافعي.
رفع المناضل الوطني السفير إبراهيم يسري، دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري لوقف الاتفاقية، لكن المحكمة قضت بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، وقالت إن تلك الاتفاقيات تدخل ضمن أعمال السيادة التي تخرج عن اختصاص القضاء. وطعن يسري على الحكم، ورحل في يونيو/ حزيران الماضي ولا تزال القضية منظورة أمام المحكمة الإدارية العليا، وكان يرى أن ترسيم الحدود باطل وأفقد المصريين ثلاثة حقول من الغاز، واحد لقبرص واثنان لإسرائيل.
اتفاقيات مشبوهة
فازت شركة إيني الإيطالية بحق التنقيب في منطقة الحقل ظهر في 2012، لكن الحكومة المصرية أعادت الاتفاق مع الشركة بقرار جمهوري من عدلي منصور بداية 2014. بموجب الاتفاق الجديد، تنازلت الحكومة عن 10% من حق مصر لشركة إيني، بالإضافة إلى التنازل عن الضرائب والجمارك والدمغة، ما يعتبر إهدارا للمال العام في منطقة معروف عنها أنها متخمة بالغاز منذ كانت شركة شل رويال دوتش الهولندية تنقب فيها قبل 20 عامًا.
تمتلك شركة إيني الإيطالية نسبة 40% من الحقل لاسترداد تكاليف الاستكشاف، الـ60% الباقية من الغاز يتم تقسيمها بين إيني، التي ستحصل على 35%، و65% للشركة القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس"، ما يعني أن حصة مصر من الحقل هي 39% فقط.
ويقول خبراء مصريون إن إيني أنفقت أقل من 100 مليون دولار في الاستكشاف، ثم باعت الحق مقابل 9 مليارات دولار، ما يعني أن الاتفاق من البداية كان فيه تفريط في حق مصر وتساهل مع الشركة.
إفقار متعمد
تكتفي مصر ذاتيًا من الغاز منذ نهاية 2018، وتمتلك احتياطيات واعدة منه. وزادت الاحتياطيات بالاكتشافات الجديدة في مياه البحر المتوسط.
وتقدر احتياطيات حقول الغاز في منطقة امتياز نور البحرية بنحو 60 تريليون قدم مكعبة، وفي حقل ظهر، وهو أكبر اكتشاف للغاز في البحر المتوسط، تقدر بنحو 30 تريليون قدم مكعبة. ومن المتوقع أن يرتفع إنتاج الغاز في مصر من 6 مليارات إلى 8 مليارات قدم مكعبة يوميًا منتصف 2020.
الدولة لا تدفع أي دعم للغاز الطبيعي منذ 2014. كما أن غالبية الأسر المشتركة في شبكة الغاز كانت تدفع بين 3 جنيهات إلى 18 جنيها نظير الاستهلاك في الشهر حتى 2013. لكن السيسي رفع الأسعار في 5 يوليو/ تموز الماضي للمرة الخامسة منذ تولى الحكم، وبنسب كبيرة بالمقارنة بالأسعار التي كانت موجودة حتى سنة 2013. وبعد الزيادة الأخيرة سوف تدفع الأسر ما بين 70 جنيها إلى 250 جنيها في الشهر.