دول عربية تفتح أسواقها رغم توحش كورونا للحد من تداعياته المعيشة

27 ابريل 2020
فتح الاقتصاد يساهم في اكتظاظ الأسواق (زياد أحمد/Getty)
+ الخط -

اندفعت دول عربية نحو توسيع النشاط التجاري وفتح الأسواق تحت ضغوط العديد من القطاعات الاقتصادية، وسط تصاعد المخاوف من زيادة المخاطر الصحية المترتبة وزيادة تفشي فيروس كورونا.

ووجدت حكومات الجزائر والأردن والسعودية وتونس ومصر ولبنان وغيرها من الدول العربية أنها أمام مسار إجباري لإعادة الحياة الاقتصادية للحد من الآثار الاجتماعية والمعيشية على بلادها مثل تفاقم البطالة ونقص السلع.

ويبدو أن قطاع الأعمال كان له دور واضح في العديد من الدول، إذ ضغط بكل قوة من أجل إعادة دورة الحياة التجارية مرة أخرى بعد خسائر باهظة تكبّدتها معظم الأنشطة في مرحلة الإغلاق لعدة أسابيع متواصلة.

 

عودة تدريجية في الجزائر

سمحت الحكومة الجزائرية للتجار والمهنيين بعودة تدريجية لأنشطتهم، بعدما قامت بمراجعة تداعيات التدابير الوقائية من فيروس كورونا الجديد، وأثرها على بعض الأنشطة المعيشية في البلاد.

وأصدر رئيس الحكومة، عبد العزيز جراد، أول من أمس، قراراً جديداً موجهاً إلى الولاة يقضي بالسماح لعدة أنشطة تجارية ومهنية بالعمل، بعدما كان قد فرض عليها قرار الغلق سابقاً، غير أن تضرر المواطنين من غلق بعض المحال التجارية المتخصصة فرض السماح لها بالعمل مجدداً.

وبات العمل مسموحاً لمحال الحلاقة، والـمرطبات والحلويات، والـملابس والأحذية. وتجارة الأجهزة المنزلية، وأدوات وأواني الـمطبخ، والأقمشة والخياطة والـمنسوجات، بالإضافة إلى تجارة الـمجوهرات والساعات، ومستحضرات التجميل والعطور، والأثاث والأثاث الـمكتبي، والـمكتبات وبيع اللوازم الـمدرسية وغيرها من الأنشطة.

وشدد القرار الحكومي الجديد على ضرورة التزام أصحاب المحال التجارية المعنية بضمان التقيد الصارم بتدابير الوقاية الصحية وقواعد النظافة والتباعد الاجتماعي بين الزبائن.

ويتخوف متابعون لتطور الأزمة الوبائية في الجزائر من أن تسهم عودة فتح هذه المحال التجارية والأنشطة المهنية في كسر الحجر الصحي بالنسبة لكثيرين، خاصة أن مؤشر الإصابات في الجزائر يتزايد يوماً بعد يوم.

ودافع رئيس الاتحاد الجزائري للتجار والحرفيين الحاج، طاهر بلنوار، عن قرار تمديد قائمة الأنشطة التجارية المسموح لها بالعمل فترة الحجر الصحي المُطبق في البلاد، قائلا لـ"العربي الجديد" إن "الاتحاد هو من اقترح على الحكومة توسيع القائمة للنشاطات التجارية العشر الجديدة، وذلك بعدما سجلنا ارتفاع الطلب عليها، بالإضافة لتضرر أصحابها من الغلق، نحن نتحمل مسؤولية الفتح، وسنراقب بشدة إجراءات الوقاية الصحية والتباعد الاجتماعي".

وكانت الحكومة الجزائرية قد أعلنت منذ 23 مارس/ آذار الماضي الغلق الإجباري لكل المحال التجارية والأنشطة المهنية، عدا المخابز ومحال التموين بالخضر والمواد الغذائية، لتمكين المواطنين من التزود بحاجياتهم الأساسية.

وفي 5 إبريل/نيسان الحالي، سمحت الحكومة لـ 13 نشاطا تجاريا بمزاولة العمل، ويتعلق الأمر بـمحال صيانة المركبات بأنواعها ومراقبتها التقنية، وتجارة قطاع غيار السيارات، ومحال اللوازم الضرورية للمستثمرات الفلاحية ولبيع وتوزيع المواد الزراعية، ونشاطات الصيد البحري وتربية المائيات وبيع السمك، وتجارة أغذية ولوازم الحيوانات، والمكاتب البيطرية الخاصة وغيرها.

وإن لقي قرار الحكومة ترحيب التجار وأصحاب الحرف غير أنه لم يعجب عديد المتابعين بسبب عدم إرفاق عملية إعادة بعث النشاط بإجراءات الوقاية، ما من شأنه مضاعفة عدد الإصابات بفيروس كورونا الذي سجل أعلى مستوى خلال اليومين الأولين من الشهر الفضيل.

وانتشر هاشتاغ معا للقضاء على بعضنا البعض، على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، تعبيرا على الرفض القاطع للقرار "غير المدروس" للحكومة.

وشارك في نشر الشعار عدد من الأطباء بل إن بعضا منهم دعوا إلى مقاطعة العمل إلى غاية العدول عن القرار، معتبرين أن السلطة قررت الذهاب إلى سياسة مناعة القطيع بعد أن تجاوز الوباء إمكانياتها، معربين عن تخوفهم من تداعيات هذا القرار على المواطنين والأطقم الطبية بالمشافي في ظل قلة الإمكانيات.

ونشر طبيب الأمراض المعدية بمستشفى "مايو" بالعاصمة الجزائرية، حمانة بوشرمة، تبرئة ذمة، تعليقا على القرار. وقال إن تخفيف الحجر الصحي والسماح بفتح محال الحلاقة وما شابهها سيتسبب في موجة كارثية من الإصابات بالفيروس في أوساط المواطنين، وذكر أنه بدون توفير كمامات صحية وفرض استعمالها، وبدون فرض التباعد الاجتماعي، وبدون الكشف الشامل للمواطنين لمعرفة المصابين بالفيروس لعزلهم وللتكفل الطبي بهم، يعني الذهاب نحو "الانتحار الجماعي" محملا مسؤولية الضحايا الجدد للحكومة.

وهونت طبيبة بأحد المستشفيات العمومية من مخاوف المواطنين داعية إلى ضرورة تحليهم بأعلى درجات اليقظة والتزام إجراءات الوقاية لتفادي انتقال العدوى.

واعتبر البروفيسور مصطفى بن يحيى، رئيس مصلحة الاستعجالات بمستشفى فيدور بكوبنهاغن بالدنمارك، وأحد أعضاء فريق معالجة المصابين بوباء كورونا، أن الحل بعد إعلان فتح المحال وتوسيع النشاطات في التباعد الاجتماعي وتطبيق إجراءات السلامة.

وقال بن يحيى لـ "العربي الجديد" إن القرار اقتصادي محض ولا علاقة له بانحسار فيروس كورونا، وذكر على سبيل المثال بعض الدول التي لم تتخذ قرار الغلق لتفادي انهيار الاقتصاد، ومن ذلك الدنمارك والسويد.

 

ضغوط تجّار الأردن

وفي الأردن استجابت الحكومة لضغوطات القطاعات التجارية وسمحت لها بالبيع المباشر للمواطنين بعد أن كانت محددة بممارسة نشاطاتها بالبيع عن طريق الإنترنت وذلك ضمن الإجراءات الاحترازية للحد من انتشاء وباء كورونا.

وقد سمحت الحكومة لـ 13 قطاعا تجاريا وخدميا بفتح أبوابها وممارسة أعمالها منذ الثلاثاء الماضي شريطة الالتزام بمتطلبات تدابير السلامة العامة والوقاية الصحية لضمان عدم انتقال عدوى كورونا إضافة إلى ضرورة اشتراك المنشآت في مظلة الضمان الاجتماعي لحماية العاملين فيها.

وتطبق الحكومة منذ منتصف الشهر الماضي إجراءات صارمة لمواجهة انتشار وباء كورونا حيث تم تعطيل القطاعين العام والخاص باستثناء عدد قليل من القطاعات التي تعمل بالحد الأدنى من طاقتها الإنتاجية.

وتحت ضغوطات القطاعات الاقتصادية ومطالب المواطنين فقد بدأت الحكومة بتنفيذ خطة لإعادة تشغيل بعض الأنشطة بشكل تدريجي وبنسبة 30% من العاملين في المجالات التي تزيد العمالية لديها عن 100 عامل وبواقع 3 عمال فقط لمن تشغل بالأصل 10 عمال فأقل.

وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني، طارق الحموري، قال لـ"العربي الجديد" إن الحكومة حريصة على إعادة تشغيل كافة الأنشطة والقطاعات الاقتصادية ولكن ضمن خطة تقوم على السماح لتلك القطاعات بالعودة إلى العمل تدريجيا وضمن ضوابط واشتراطات محددة لضمان السلامة العامة وعدم انتقال العدوى.

وأضاف الحموري أنه تم البدء بالتصريح بالعمل للقطاعات وفقا للأولويات ومدى حاجة المواطنين إليها ومن ذلك قطاع المطاعم والحلويات والملابس ومجالات خدمية أخرى مثل الخدمات المساندة مثل أعمال الميكانيك والكهرباء وغيرها.

وبين الوزير الأردني أنه تتم دراسة أوضاع كافة القطاعات وسيتم التصريح لها بالعمل تدريجيا تبعا لتقييم الوضع الوبائي في الأردن وكذلك وضع السلامة العامة في كل منها.

وقدرت نقابة العاملين في قطاع الألبسة خسائر التجار بحوالي 42 مليون دولار منذ بداية الأزمة حيث يعمل في محال بيع الألبسة حوالي 52 ألف شخص.

وقال ممثل قطاع الألبسة في غرفة تجارة الأردن أسعد القواسمي لـ"العربي الجديد" إن الشروط التي وضعتها الحكومة تعجيزية لعمل متاجر الألبسة حيث تم الطلب من الحكومة إعادة النظر بها لتمكين المحال التجارية من ممارسة أعمالها وتلبية احتياجات المواطنين.

 

فتح المتاجر الكبيرة في مصر

اتجهت الحكومة المصرية إلى توسيع الحركة التجارية خلال الفترة الأخيرة، رغم تصاعد عدد الإصابات والوفيات بسبب فيروس كورونا. كما تعتزم الحكومة المصرية إعادة الحياة لمختلف الأنشطة الاقتصادية خلال الفترة المقبلة.

وكان عدد من رجال الاعمال البارزين ومنهم الملياردير نجيب ساويرس، والرئيس الشرفي لجمعية رجال الأعمال المصرية حسين صبور، قد مارسوا ضغوطا كبيرة على الحكومة من أجل إعادة الحياة الاقتصادية بشكل كامل وهدّدوا بتسريح العمال دون مراعاة للمشاكل الاجتماعية والمخاطر التي يتعرضون لها، ما أثار موجة انتقادات واسعة في الأوساط الاقتصادية.

وأعلن رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، مؤخرا، تخفيف حظر التجول في رمضان ليبدأ من الساعة التاسعة مساء وحتى السادسة صباحا، بعد أن كان من الثامنة مساء وحتى السادسة صباحا. وقال إنه من المقرر أن تفتح المراكز والمحال التجارية طول أيام الأسبوع حتى الساعة الخامسة مساء.

وكانت الحكومة أعلنت في إبريل/ نيسان الماضي عن إجراءات وقائية ومن بينها غلق المحال يومي الجمعة والسبت وتعليق الطيران والدراسة، وتخفيض العمالة وفرض حظر تجول في البلاد، بهدف الحد من تفشي الوباء.

 

تونس تستعجل العودة

وفي تونس زادت ضغوط القطاعات الاقتصادية المختلفة التي ترغب في استئناف نشاطها مباشرة بعد انقضاء الفترة الجديدة للحجر الصحي الشامل بسبب تفشي فيروس كورونا التي تنتهي يوم 4 مايو/ أيار المقبل، حيث سيستأنف العمل تدريجاً على 4 مراحل تمتد إلى نهاية يونيو/ حزيران المقبل.

وأعلن مهنيون في عدد من القطاعات الخدمية التزامهم التام بالشروط الصحية التي ستضعها الحكومة في كراسات شروط، داعين إلى إنهاء الحجر الصحي الشامل مع تحسّن الوضع الوبائي في البلاد وانحسار العدد اليومي للإصابات بفيروس كورونا.

وتتصدر قطاعات المقاهي والمطاعم والنقل الخاص وتجارة الملابس والنسيج قائمة المطالبين بإنهاء مدة الحجر، معتبرين أن ماليتهم ودخول العمال معهم أصبحت في خطر، بعد أن فقد أصحاب هذه المشاريع القدرة على دفع رواتب أجرائهم في شهر إبريل/ نيسان الجاري.

وطالبت منظمة رجال الأعمال منذ منتصف إبريل/ نيسان الجاري في بيان لها بضرورة العودة التدريجية للعمل، مع تأكيدها وجوب توافر جميع شروط الصحة والسلامة في المؤسسات لحماية العنصر البشري.

وشددت المنظمة على مساندة أجراء القطاع الخاص الذي يمرّ بظرف صعب، بضمان ديمومة المؤسسات، معتبرة أن تواصل النشاط هو الضامن الوحيد لتحقيق العيش الكريم في هذه الظروف الصعبة، بحسب نص البيان.

وقال الخبير الاقتصادي، محمد منصف الشريف، إن العديد من القطاعات الصناعية في تونس لها التزامات بعقود تصدير للخارج ومطلوب ان تحافظ على أسواقها، مشيرا إلى أن الحكومة مطالبة بتهيئة العودة الاقتصادية بتنظيم النقل العام ومواعيد الدوام لتجنب الاكتظاظ في مقرات العمل والنقل.

وأضاف الشريف لـ"العربي الجديد" أن تأخير عودة النشاط الاقتصادي يساوي عاطلين جددا عن العمل وكلفة باهظة اجتماعيا واقتصاديا، معتبرا أن استقرار الوضع الصحي في تونس مقارنة بعدة دول أخرى يساعد على الاتجاه التدريجي نحو إعادة الحياة الاقتصادية والحركة التجارية إلى ما كانت عليه ولو نسبيا.

وأعلن وزير التجارة التونسي، محمد مسليني، أول من أمس، أن فتح البلاد والتوجه نحو رفع الحجر سيكون على أربع مراحل وصولا الى الرفع الكلي، مبينا أنه سيتم فتح محال الملابس والأحذية بعد 4 مايو والتشديد على اجراءات الوقاية والتباعد في هذه المحال.

واستجابت وزارة التجارة بإعادة فتح المحال التجارية لطلب تجار الملابس والمنسوجات الذين عبّروا عن رغبتهم في الاستفادة من موسم عيد الفطر وإعادة تنشيط تجارتهم الراكدة منذ أكثر من شهرين وفق تصريح محسن بن ساسي رئيس غرفة تجار الملابس لـ"العربي الجديد".

 

السعودية تفك الحظر

أعلنت السعودية عن رفع حظر التجول جزئيا في جميع مناطق المملكة، بدءا من أمس الأحد، وحتى 20 رمضان من الساعة 9 صباحاً وحتى الخامسة مساء بالتوقيت المحلي.

وقرر العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، في القرار الإبقاء على حظر التجول الكامل على مدى 24 ساعة في مدينة مكة المكرمة والأحياء التي سبق الإعلان عن عزلها، وفقا لوكالة الأنباء السعودية (واس).

وأوضح القرار أنه إضافة إلى الأنشطة المستثناة في القرارات السابقة، يتم السماح بفتح بعض الأنشطة الاقتصادية والتجارية بدءا من بعد غد الأربعاء، وممارستها لأعمالها، وذلك في محال تجارة الجملة والتجزئة والمراكز التجارية. كما تم السماح لشركات المقاولات والمصانع بالعودة لممارسة أنشطتها دون قيود على الوقت حسب طبيعة أعمالها.

لكن القرار أكد على استمرار منع أي نشاط داخل تلك المراكز لا يحقق التباعد الجسدي ومنها عيادات التجميل وصالونات الحلاقة والنوادي الرياضية والصحية والمراكز الترفيهية ودور السينما وصالونات التجميل والمطاعم والمقاهي وغيرها من الأنشطة التي تحددها الجهات المختصة.

 

عودة على مراحل في لبنان

أما لبنان الذي يعيش على وقع العديد من الأزمات الاقتصادية والمعيشية على خلفية انهيارعملته أمام الدولار الذي لامس 4 آلاف ليرة، بالإضافة إلى تداعيات فيروس كورونا، فقد اتجه إلى عودة الأنشطة الاقتصادية ولكن على مراحل.

وأعلن مجلس الوزراء الموافقة على مشروع مرسوم يرمي إلى تمديد إعلان التعبئة العامة لمواجهة انتشار كورونا لمدة أسبوعين اعتباراً من اليوم الاثنين، وحتى يوم 10 إبريل/ نيسان المقبل، على أن يرافق ذلك اعتماد خطة على عدة مراحل لفتح القطاعات بشكل يراعي المخاطر المحتملة ضمن فئات الأنشطة الاقتصادية على اختلافها وتنوعها.

وتم تكليف الوزارات المعنية والبلديات واتحادات البلديات بالتنسيق مع النقابات واصحاب العمل ولجنة متابعة الإجراءات الوقائية لفيروس كورونا، وضع دليل للوقاية داخل مكان العمل يرعى شروط النظافة والمسافات الآمنة وغيرها من تدابير السلامة لا سيما العمل عن بُعد. وتتأهب الحكومة لوضع جدول مناوبة لموظفي القطاع العام بشكل يؤمن استمرارية العمل وتنفيذ المعاملات الضرورية للمواطنين، واتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع الاكتظاظ داخل الإدارات.