شريحة ليست قليلة من العراقيين يَسعَدُون لقدوم موسم الانتخابات، بل يُعبرون عن امتنانهم لهذه الممارسة الديمقراطية، ويصل بعضهم إلى تمني أن تقام كل شهرين!
هذه السعادة ليست نابعة من حب هذه الشريحة من السكان في المرشحين والأحزاب والممارسة الديموقراطية، بل لما توفره هذه المناسبة من فرص عمل جيدة للعاطلين وترفع من المدخول المادي لآخرين.
فوجود عشرات آلاف المرشحين، يفضي إلى أعمال دعائية ضخمة، إذ تتحول شوارع المدن إلى مواقع إعلانية، ولا يكاد يعرف شكل بعض الشوارع من كثرة الملصقات والمنشورات واللوحات الدعائية للمرشحين.
شباب وأطفال يبدو عليهم البؤس، يستقبلون المارة في الشوارع بابتسامة وهم يوزعون عليهم الدعايات الانتخابية، حيث إنها عملية كسب سهلة للنقود، فيما تشهد المطابع حركة عمل لا تهدأ، فموسم الرزق هلّ عليهم.
الرزق الوفير يعمّ قطاعات عمل مختلفة، وعليه يتهيأ نجارون وحدادون مبكراً لهذه المناسبة، فيما بعض أصحاب المهن يستعينون بعمال إضافيين لتسليم الأعمال في الوقت المحدد. ومن المقرر أن تجري، في 12 مايو/ أيار المقبل، انتخابات نيابية هي الرابعة منذ الاحتلال الأميركي 2003.
وقال مدير مطبعة في بغداد، عادل البياتي، إن الانتخابات موسم رزق نتمنى أن لا ينتهي.
وأوضح، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "للحكومات التي تولت السلطة في البلاد منذ 2003 حتى اليوم، حسنة واحدة فقط، هي إقامة انتخابات محلية ونيابية بشكل دوري، والسماح لكل من يشاء بالمشاركة والترشيح، وبذلك فتحوا باب رزق جيد لنا، من دون قصد منهم طبعاً".
البياتي أضاف أنه بسبب الفتور في العمل الذي تعاني منه المطابع، فإن ما يهم أصحابها حالياً ليس الكسب، بل توفير أجور العمال وسدّ الاحتياجات.
وتابع أن "الانتخابات في كلّ مرة تساعدني على دفع أجور عمال المطبعة الستة لخمسة أشهر، وأحيانا لأكثر من هذا، فضلاً عن ذلك، فأنا أستعين بعمال وقتيين لإنجاز العمل في الوقت المحدد".
وأشار إلى أن "العمال تملؤهم السعادة عند قدوم الانتخابات؛ فبالإضافة إلى أنهم يضمنون الحصول على أجورهم في موعدها، فإنهم يحصلون على مكافآت مالية من قبل الجهات السياسية التي نطبع دعاياتها".
أطفال ومراهقون وشباب يعملون في بيع المناديل الورقية والسجائر والحلوى والمرطبات عند التقاطعات المرورية المزدحمة، وسيلة دعائية سهلة ورخيصة بالنسبة للأحزاب والمرشحين، إذ يعتبر وجودهم في هذه الأماكن الحيوية يُسهل من إيصال الدعاية إلى أكبر شريحة ممكنة من الناس.
سجّاد عبد الحسن (20 عاماً) يعرض أنواعاً مختلفة من السجائر التي يبيعها في التقاطعات المرورية، واضعاً إياها في لوحة معلقة برقبته، يقول إنه يبيعها في التقاطعات المرورية منذ 12 عاماً، وفي كلّ فترة انتخابية يُكلف من قبل أحزاب بتوزيع الدعايات الانتخابية على المارة وسائقي السيارات في التقاطعات المرورية.
يقول عبد الحسن لـ"العربي الجديد" إن مهمته سهلة ومربحة، مبيناً أن "توزيع الدعايات الانتخابية لا يؤثر على عملي، إذ أحمل بطاقات دعائية صغيرة الحجم، وأوزعها على المارة وأنا أحمل لوحة السكائر. أوزع في اليوم الواحد نحو ألفي بطاقة دعائية بمقابل 10 آلاف دينار (8.5 دولارات)".
عبد الحسن لا يهمه توجه المرشح أو الحزب الذي يروج للإعلان عنه، فهو يقول إنه لم ينتخب من قبل، كونه لم يكن مؤهلاً عمرياً للإدلاء بصوته، وفي الانتخابات المقبلة يقول إنه لن يدلي بصوته لأحد، مشيراً إلى أنه من خلال عمله في الشارع منذ الصباح حتى المساء يرى الكثير من المسؤولين يمرون من أمامه، وأن مشاهدتهم تزعجه.
للحدادة نصيب أيضاً من الحظ في الانتخابات، فالقطع الإعلانية المختلفة بحاجة إلى أطر حديدية، خاصة الكبيرة التي تعلق على الجدران العالية، أو فوق أسطح البنايات، وفي المواقع المخصصة للإعلان.
العامل في ورشة للحدادة تقع شرقي بغداد، عباس العبودي، أكد تكديس كمية كبيرة من الحديد قبل قدوم موسم العمل، فصاحب الورشة يعلم جيداً الكمية التي يحتاجها من الحديد.
العبودي قال إنه وزملاءه العاملين في الحدادة يُرزقون كثيراً في موسم الانتخابات، ويستمر عملهم لساعات متأخرة من الليل، وهو ما يدر عليهم عوائد مالية جيدة.
وأضاف لـ"العربي الجديد" أن "صاحب الورشة على علاقة قوية بأحد الأحزاب، وفي كل فترة انتخابية تحال إليه أعمال الدعايات الانتخابية. يصل عدد الإطارات الحديدية التي نصنعها في كل دورة انتخابية بين 200 إلى 300 إطار، تتراوح أطوالها بين مترين وستة أمتار".
وتابع: "نعمل أحياناً لعشرين ساعة متواصلة في اليوم. نبذل مجهوداً كبيراً، لكن العائد المالي يكون جيداً، أجرة العامل تزيد إلى الضعف، فضلاً عن أجور أخرى تتعلق بنصب هذه الإطارات في المواقع المطلوبة".
بين الأعداد الكبيرة من الصور الدعائية للمرشحين، يمكن تمييز تصاميم دعائية جاذبة ومتميزة، تؤكد أن من عمل على تصميمها يملك خبرة في هذا المجال، على العكس من تصاميم أخرى، تميزت بسوء اختيار الألوان وتوزيع العناصر في الصورة الدعائية.
محمد العزاوي، الذي يدير مكتباً للدعاية والإعلان، قال لـ "العربي الجديد"، إن "الأمر يتوقف على ما يرصده المرشح أو الحزب من مبلغ لحملته الانتخابية. إمكانات بعض المرشحين المادية متواضعة، ويبحثون عن تصاميم بسيطة، بالإمكان أن يصممها أي مصمم مبتدئ، وهنا التكلفة تكون قليلة".
وأضاف: "الحال يختلف مع من يهتم بالصورة والإعلان والتصميم، ويبحث عن الجذب والتميز، ويرصد مبلغاً مناسباً لهذه التصاميم، وهنا تناط المهام بمصمم محترف، والمصممون المحترفون بالطبع تكون أجورهم مرتفعة".
عشرات المهن ترتبط بالدعايات الانتخابية، ويصل الأمر بفرق الموسيقى، التي تحيي حفلات ترويج تقام من قبل الأحزاب والمرشحين، وسائقي سيارات الأجرة بكافة أنواعها، بل حتى الباعة في الأسواق، إذ يسمح بعضهم بتعليق صور لمرشحين أمام محالهم في مقابل مبلغ من المال.