أميركا تحمي عمالها عبر دفع النقود وزيادة الإعانات

01 مايو 2020
عاصفة البطالة تجرف مزيداً من العمال الأميركيين (Getty)
+ الخط -


يستقبل عمال الولايات المتحدة عيدهم هذا العام في ظروف استثنائية، بعد أن ضرب فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) بلدهم كما لم يفعل في أي بلد آخر، فأصاب أكثر من مليون شخص، يمثلون ثلث الإصابات المعلنة حول العالم، وتسبب في وفاة ما يقرب من 60 ألفاً منهم.

ورغم ظروف إغلاق أغلب المصانع والمحال التجارية والمطاعم والمقاهي والبارات، خلال الأسابيع الماضية، استحق أغلب العمال منخفضي الدخول تعويضات حكومية، ضمنت لهم الحصول على نسبة كبيرة من رواتبهم، على الأقل حتى الآن.

ولم تنتظر الإدارة الأميركية بيانات وزارة العمل عن أعداد المتقدمين للحصول على تأمينات البطالة في الأسابيع الخمسة الأخيرة، والتي أظهرت وصولهم إلى أكثر من 26 مليون مواطن يمثلون ما يقرب من 16% من القوى العاملة، حيث سارع الرئيس دونالد ترامب، ووزير الخزانة ستيفن منوشن، إلى الحصول على موافقة الكونغرس على تخصيص أكثر من 2.6 تريليون دولار لإصلاح ما أفسده الفيروس، تصب نسبة كبيرة منها باتجاه تعويضات للعمالة التي فقدت وظائفها، أو اضطرت إلى البقاء في المنزل، في إطار الجهود المبذولة لاحتواء انتشار الوباء.

وبينما كان الاقتصاد الأميركي ينكمش خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة 4.8%، تمثل أعلى معدل انكماش له منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، كان ترامب يعد أمره التنفيذي القاضي بوقف الهجرة إلى بلاده وقفاً مؤقتاً قابلاً للمد، مستثنياً منها فئات متعددة من العمال الأميركيين، تشمل العاملين في القطاع الزراعي والصحي، تقديراً لدورهم المنتظر في محاولات إحياء الاقتصاد خلال الفترة القادمة.

وقبل أسبوعين، حصلت الشركات الصغيرة، التي توظف أقل من 500 عامل، على قروض بفائدة لا تتجاوز 1%، وصل مجموعها إلى 350 مليار دولار، تم رفعها الأسبوع الماضي إلى 600 مليار دولار، لتتمكن تلك الشركات من الاحتفاظ بالعمالة لديها لمدة ثمانية أسابيع على الأقل، رغم توقّف أعمالها وتراجع إيراداتها.

ولتشجيع الشركات على الاحتفاظ بالعمالة لديها، أكدت الإدارة الأميركية أن الشركات التي يثبت إنفاقها 75% من القرض الذي حصلت عليه في صورة رواتب للعاملين خلال الشهرين التاليين لن يتعين عليها سداد القرض الذي حصلت عليه. واستفاد من البرنامج 30 مليون شركة، توظف نحو 60 مليون عامل، يمثلون نصف عدد العاملين في القطاع الخاص الأميركي.

وقال رجل أعمال سبعيني لـ"العربي الجديد"، فضل عدم ذكر اسمه، يمتلك ويدير مع بعض أفراد عائلته أربعة أماكن لرعاية الأطفال (حضانات) Day Careفي ولاية ماريلاند، إنه اضطر إلى استعادة من فصلهم من العمال قبل شهر، بعد أن انخفض عدد الأطفال المسجلين في حضاناته بنسبة 50 بالمائة، ودفع أجورهم عن تلك الفترة، ليتمكن من الحصول على قرض بقيمة 300 ألف دولار.

وبخلاف قروض الشركات الصغيرة، التي أعلن ترامب أنها مخصصة بالأساس للحفاظ على الوظائف، حصل كل دافع للضرائب في الولايات المتحدة من العمال على شيك، مكتوب عليه اسم الرئيس الأميركي، بمبلغ يصل إلى 3400 دولار للأسرة المكونة من زوج وزوجة وطفلين أقل من 16 سنة، ويزيد 500 دولار لكل طفل إضافي، وتفكر الإدارة الأميركية حالياً في صرف مبالغ إضافية للعمال لو لم يتم فتح الاقتصاد قريباً.

ويقول مهاجر عربي يعمل في وظيفة ثابتة، إنه حصل على هدية ترامب، "بسبب التزامي بدفع الضرائب عن أية مبالغ حصلت عليها العام الماضي".

وبالإضافة إلى "شيك ترامب" الذي حصل عليه العمال، تسمح إعانات البطالة التي يتقدم بها المتعطلون عن العمل من الأميركيين أو الحاصلين على الإقامة الدائمة، ممن أثبتوا أنهم عملوا لفترات من العام الماضي، ومستعدون للعمل في الوقت الحالي، بحصولهم على ما يقرب من 1600 دولار شهرياً، لمدة ستة أشهر، أو عثورهم على وظيفة، أيهما أقرب.

وقبل أسبوعين، أعلنت وزارة العمل الأميركية إضافة 600 دولار لإعانات البطالة الموجهة لكل أميركي فقد عمله بسبب أزمة الوباء، حتى أن بعض التقارير أشارت إلى أن أكثر من نصف المتعطلين عن العمل سيحصلون بسبب تلك الإعانات على دخل يفوق ما كانوا يحصلون عليه أثناء عملهم. وتستخدم وزارة العمل الأميركية بيانات المتعطلين لمساعدتهم في البحث عن وظيفة تناسب مؤهلاتهم وخبراتهم طوال فترة الحصول على الإعانات.

وسمحت الإدارة الأميركية للمرة الأولي للعاملين في قطاع تطبيقات التكنولوجيا الجديدة، أو ما يطلق عليه Gig Economy، ويشمل تطبيقات النقل التشاركي مثل أوبر وليفت وغيرها، كما تطبيقات توصيل الطلبات للمنازل، وتطبيقات أخرى، بالتقدم للحصول على إعانات بطالة إذا اضطروا إلى التوقف عن العمل خوفاً من التعرض للإصابة بالفيروس، بشرط تقديمهم ما يثبت عملهم خلال العام الماضي. ووعدت الحكومة العاملين في ذلك القطاع بالحصول على نسبة عادلة مما حصلوا عليه خلال فترة عملهم السابقة.

لكن حياة العمال في أميركا ليست هانئة في كل الأوقات في زمن كورونا، خاصةً من يعمل منهم في الصفوف الأمامية في القطاع الصحي، حيث تعرّض الكثير منهم خلال الأسابيع الأخيرة لمواقف شديدة الصعوبة، وهم يشاهدون ويشاركون في قرار ترك بعض كبار السن من المصابين بالفيروس ليلقوا مصيرهم، بينما يقفون عاجزين أمام ما يحدث، ولو كان أحد توقعه قبل أربعة أشهر فقط، لتم اتهامه بالجنون على الفور.

وتقول تري هندري، التي تعمل في أحد المستشفيات بولاية أركنساس، إن أصعب المواقف التي تواجهها "مشاهدة المرضى يموتون، بينما لا يستطيع أقاربهم وأحباؤهم أن يكونوا معهم في لحظات النهاية".

ويتعرض العاملون في القطاع الصحي الأميركي حالياً لضغوط نفسية عصيبة، خاصة في الولايات التي لم تصدر أوامر واضحة لسكانها بالبقاء في المنزل، حيث يُشاهد العاملون أثناء ذهابهم إلى أعمالهم، ومنهم من ارتدى القفازات وأقنعة الوجه، ومنهم من يمشي بدون أية احتياطات، ليقع الممرضون في حيرة وهم يتعاملون بصورة مباشرة مع المئات ممن تأكد إصابتهم بالفيروس. وأظهر تقرير صادر قبل أسبوعين أن 9000 عامل في القطاع الصحي أصيبوا بالفيروس، وأن 27 منهم، أغلبهم تتجاوز أعمارهم 65 سنة، قد لقوا حتفهم.
المساهمون