يضع البنك المركزي التونسي احتمال العفو عن جرائم الصرف ضمن حزمة إجراءات تنوي السلطات المالية تطبيقها لتحسين مدخرات العملة الصعبة ومستوى السيولة في ظل أزمة تفشي فيروس كورونا.
واقترح محافظ البنك المركزي، مروان العباسي، في جلسة أمام البرلمان مؤخرا، إقرار عفو صرف على غرار ما تم في بعض البلدان التي سعت إلى الرفع من مستوى الادخار بالعملة الأجنبية ومن مصادر تمويل التجارة الخارجية.
كما أكد المحافظ على ضرورة العمل مع مختلف الهياكل المعنية على الرفع التدريجي لقيود الصرف التي لا تزال تعرقل بعض المعاملات مع الخارج بالنسبة للمؤسسات والأفراد.
وفي هذا السياق، أكد الخبير المالي، محسن حسن، أن العفو عن جرائم الصرف يمكن أن يكون حلاً لجلب أموال السوق السوداء والمهربين إلى أرصدة البنوك.
وقال حسن لـ"العربي الجديد" إن "كبار المهربين والمتعاملين في السوق السوداء يحتكمون على أرصدة كبيرة من العملة المحلية والنقد الأجنبي"، معتبرا أن الفرصة سانحة أكثر من أي وقت مضى للتسريع في العفو عن جرائم الصرف بمقتضى قانون يساعد على استيعاب جزء من السوق الموازية وإدخالها ضمن الدورة الاقتصادية المنظمة.
وأضاف حسن أن المؤسسات الاقتصادية ستكون في حاجة كبيرة للسيولة في المرحلة القادمة حتى تواصل أنشطتها، مشددا على أهمية تعبئة مخزونات مهمة من العملة الصعبة وتوفير السيولة بالدينار المحلي لمجابهة التحدي الاقتصادي. وأفاد بأن العفو عن جرائم الصرف يمكن أن يوفر رصيدا مهما من العملة الصعبة التي يقع تداولها حاليا في السوق الموازية.
وقدّر محافظ البنك المركزي، في تصريحات سابقة، قيمة رصيد العملة الصعبة المتداول في السوق الموازية (السوداء) بنحو 4 مليارات دينار (نحو 1.4 مليار دولار)، فيما تقدّر الموجودات الصافية من النقد الأجنبي بما يعادل 14.48 مليار دينار.
وأشار محافظ البنك المركزي إلى أن السوق السوداء تبتلع جزءاً مهماً من عائدات القطاع السياحي. ويهدف مشروع قانون العفو عن جرائم الصرف إلى تجفيف منابع الاقتصاد الموازي عبر التشجيع على إيداع الأموال المتداولة من العملة الصعبة في حسابات بالعملات الأجنبية، ما يمكن من زيادة مخزونات النقد الأجنبي دون تعريض المودعين إلى عقوبات جزائية يفرضها قانون الصرف الحالي.
وتتمثل المخالفات موضوع التسوية التي يقترحها مشروع قانون الصرف الجديد في عدم التصريح بالمكاسب الموجودة في الخارج أو عدم إعادة مداخيل وحصيلة المكاسب من العملات إلى البلاد. كذلك ينتفع العفو وفق مشروع القانون المقترح من مسك عملات في شكل أوراق نقدية أجنبية داخل تونس، وعدم إيداعها لدى وسيط مقبول أو عدم إحالتها مقابل الدينار حسب القواعد المتفق عليها.
وفي هذا السياق، يرى الخبير المالي، مراد سعد الله، في حديث لـ"العربي الجديد" أن العفو عن جرائم الصرف يمكن أن يؤدي إلى استعادة ما لا يقل عن ثلث الأموال المتداولة خارج الاقتصاد الرسمي، مؤكدا أن هذه المبالغ مهمة جدا في تحسين مستويات السيولة في البنوك.
وحسب تقديرات سعد الله فإن البنك المركزي سيضطر للتدخل وضخ السيولة للبنوك في الفترة القادمة لمساعدتها على الاستجابة للتمويل الذي يحتاجه الاقتصاد في فترة ما بعد كورونا، مشيرا إلى أن العفو عن جرائم الصرف يمكن أن يساعد على تحصيل الأموال المتداولة خارج الاقتصاد المنظم.
وحسب سعد الله فإن الاقتصاد الموازي يشكل بحسب دراسات علمية أجرتها جمعية الاقتصاديين التونسيين نحو 35 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل 35 مليار دينار (12.5 مليار دولار) من بينها نحو 4 مليارات دولار يتم تداولها في المناطق الحدودية، مشيرا إلى أن استيعاب ثلث هذه المعاملات سيوفر للدولة المليارات من العملات المحلية والأجنبية واصفا المبلغ بالمهم جدا.
ولا يزال احتواء السوق السوداء لصرف العملات الأجنبية متعثراً في تونس، رغم الجهود التي تبذلها الحكومة والبنك المركزي من أجل الحد من نشاط هذه السوق، التي تستحوذ على نسبة كبيرة من التعاملات، وفق البيانات الرسمية.
وفي يناير/ كانون الثاني 2018، سمحت تونس لأول مرة في تاريخها بممارسة نشاط صرافة العملة خارج الإطار المصرفي، وذلك عقب إقرار نص قانوني لشروط ممارسة الصرف اليدوي من قبل أشخاص طبيعيين.
وتقود الحكومة خطةً لاستيعاب سوق الصرف السوداء في إطار برنامج للحد من الاقتصاد الموازي والنزول به من 54% من إجمالي اقتصاد الدولة حالياً إلى 20% بحلول عام 2020.