"اتخِذْ إجراءات التيسير النقدي الآن أو ستطرد من رئاسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي"، هكذا هدد البيت الأبيض، يوم الثلاثاء، رئيس البنك المركزي الأميركي، جيروم باول. وفي تغريدة بتاريخ 11 يونيو/حزيران الجاري، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب لباول: "لدى الولايات المتحدة معدل تضخم منخفض، وهذا شيء جميل".
وهي إشارة إلى أن ظروف الاقتصاد الأميركي التي ينخفض فيها معدل التضخم وسط مخاوف الركود الاقتصادي، تسمح لجيروم باول بخفض الفائدة على الدولار، لأن سياسة الفائدة الأميركية تعتمد بدرجة رئيسية على مقياس التضخم.
ويسعى ترامب إلى خفض قيمة الدولار وسعر الفائدة، على أمل أن يرفع تنافسية الصادرات الأميركية وخفض العجز التجاري الأميركي، عبر إجبار مجلس الاحتياط الفيدرالي على خفض الفائدة والعودة إلى سياسة التيسير الكمي. وهو ما يخدم حملته الانتخابية لفترة رئاسية ثانية، التي دشنها يوم الثلاثاء الماضي.
ويعد هذا التهديد لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، إلى جانب هجومه على رئيس المركزي الأوروبي، ماريو دراغي، ورؤساء بنوك مركزية أخرى في آسيا، بداية الأسبوع الجاري، نقطة البداية في حرب العملات الدولية المدمرة التي هددت الاقتصاد العالمي في ثمانينيات القرن الماضي.
ورغم أن باول لم يخفّض سعر الفائدة الأميركية، في اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي يوم الأربعاء، إلا أنه ألمح إلى استعداده لخفض سعر الفائدة في الشهر المقبل.
ويرى مصرف "غولدمان ساكس"، أن البنك المركزي الأميركي ربما يخفض الفائدة مرتين خلال العام الجاري. وهذه التلميحات أدت إلى تراجع الدولار، أمس الخميس، أمام العملات الرئيسية في أسواق الصرف. وحسب رويترز، يتجه الدولار صوب أكبر انخفاض على مدى يومين منذ بداية العام الحالي.
وينضم المركزي الأميركي بهذه التلميحات فعلياً إلى نظرائه في العالم، مثل البنك المركزي الأوروبي والبنك المركزي الأسترالي والبنك المركزي الياباني، الذي لم يخرج أصلاً من سياسة شراء السندات وأسهم الشركات.
لكن من غير المتوقع أن تنضم الصين إلى حرب العملات، لأنها تركز على سياسة تدويل اليوان، ليصبح عملة احتياط في محافظ البنوك المركزية أكثر من تركيزها على التسويق، حسب تصريحات مصرفية.
ويراهن المستثمرون في ظروف النزاع التجاري وحرب العملات على الذهب وعملات الملاذ الآمن، مثل الين الياباني في آسيا، الذي يلجأ إليه المستثمرون كلما تصاعدت وتيرة الحرب التجارية بين بكين وواشنطن.
وفي أوروبا يلجأ المضاربون إلى الفرنك السويسري. وعادة ما يستفيد الذهب والبورصات من حرب العملات، ولكن آثارها المستقبلية مدمرة على صعيد النمو الاقتصادي المعافي. وحسب صحيفة "فايننشال تايمز"، فإن حرب العملات تقود إلى خلق انتعاشة مصطنعة، وربما إلى فقاعة في مؤشرات الأسهم تهدد بكارثة جديدة، مثلما حدث في أزمة المال العالمية في عام 2008.
وواجه سعر صرف الدولار ضغوطاً إضافية في أسواق الصرف، أمس الخميس، بعدما انخفض العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل عشرة أعوام إلى أدنى مستوى في أكثر من عامين. كما تكثفت الضغوط على اليورو كذلك، حيث انخفضت عوائد سندات منطقة اليورو ونظيرتها الألمانية.
وربما يكون الين الياباني هو العملة الوحيدة الرئيسية المتوقع أن ترتفع مقابل الدولار على المدى القصير. ويلاحظ أن الين صعد إلى أعلى مستوى في أسبوعين مقابل الدولار، أمس الأربعاء، إذ دفعت مخاوف من حدوث مزيد من التصعيد في النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، المستثمرين، إلى الإقبال على الأصول التي تُعد آمنة.
على صعيد الحرب التجارية، يراهن المستثمرون على أن الإدارة الأميركية تواصل محاصرة الصين على مستويين، هما عرقلة التمدد التجاري عبر ما يسمّى "مبادرة الحزام والطريق"، وثانياً عبر الرسوم التي أعادت الإدارة الأميركية فرضها على بضائع قيمتها 200 مليار دولار.
وعززت توقعات خفض المركزي الأميركي سعر الفائدة، الكرونة النرويجية، حيث ارتفعت 0.8 بالمائة مقابل الدولار، ونحو 0.5 بالمائة مقابل اليورو، وسط توقعات واسعة النطاق في الأسواق بأن البنك المركزي سيرفع سعر الفائدة.
وصعد اليوان الصيني إلى أعلى مستوى في خمسة أسابيع، وسط ضعف الدولار واسع النطاق، ومؤشرات على أن الصين والولايات المتحدة ستعودان إلى مائدة المفاوضات لحل نزاعهما التجاري.