مخاوف تونسية من المستويات القياسية للعجز التجاري

01 فبراير 2019
6.5 مليارات دولار عجز تجاري في 2018 (Getty)
+ الخط -

تتأهب المعارضة البرلمانية في تونس لفتح تحقيق في أسباب تفاقم العجز التجاري الذي بلغ مستويات قياسية، حيث بلغ أكثر 19 مليار دينار (6.5 مليارات دولار)، وفق آخر بيانات لمعهد الإحصاء الحكومي في يناير/ كانون الثاني الماضي.

وتنوي كتل المعارضة السعي من أجل كشف الأسباب التي أدت إلى بلوغ العجز التجاري مستويات قياسية وتحديد المسؤوليات، ثم رفع توصيات للحكومة ومجلس نواب الشعب من أجل مراجعة اتفاقيات تجارية قد تكون وراء زيادة العجز.

ودخلت معارضة مجلس نواب الشعب على الخط بعد صافرة إنذار أطلقها خبراء اقتصاد بسبب انزلاق سعر الدينار مقابل العملات الأجنبية، وزيادة الدين العام الذي يشارف على نسبة 72 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، حسب بيانات رسمية.

وتبدي كتل المعارضة التي تترأس لجنة المالية منذ مدة انشغالاً كبيراً بالوضع الاقتصادي في البلاد وما وصل إليه وضع الدينار من تردٍّ، مطالبة الحكومة الإفصاح عن خطتها المستقبلية للحدّ من انزلاق العملة وتحسين الوضع المعيشي للتونسيين.

وفي حديث لـ"العربي الجديد" قال عضو البرلمان غازي الشواشي إن كتل المعارضة الرسمية المسجلة في صلب مجلس نواب الشعب ستمارس حقوقها في تشكيل لجنة تحقيق للوقوف على الأسباب الحقيقية التي أوصلت العجز التجاري إلى مستويات قياسية.

وقال الشواشي إن المعارضة دعت منذ أكثر من الشهر محافظ البنك المركزي، مروان العباسي، إلى جلسة مساءلة في البرلمان، لكنه امتنع عن الحضور، مشيراً إلى أن غياب الشفافية في السياسة النقدية وعدم وضوح الخطة الاقتصادية للحكومة ساهما في تفاقم العجز التجاري وتراجع قيمة الدينار.

وأبرز عضو البرلمان أن التوريد العشوائي تسبب في ارتفاع قياسي للعجز التجاري، في ظل صمت الدولة على هذه الممارسات التي أضرت بالنسيج الاقتصادي المحلي وساهمت في خنق واضمحلال الصناعات المحلية التي لم تعد قادرة على منافسة السلع الموردة عشوائياً، حسب قوله.

وأكد الشواشي أن لجنة التحقيق تنوي كشف مسببات العجز التجاري ورفع توصياتها للحكومة والضغط من أجل مراجعة الاتفاقيات التجارية التي أغرقت البلاد بالسلع الموردة عشوائياً.

ويمنح الدستور التونسي في مادته الـ60 المعارضة البرلمانية التي ترأس لجنة المالية حق تشكيل لجنة تحقيق، وقالت المعارضة إنها ستمارس هذا الحق بعد أن تبيّن لها وصول العجز القياسي إلى درجة من الخطورة باتت تستدعي تحقيقاً حوله.

وبلغ العجز التجاري لتونس، خلال عام 2018، رقمًا قياسيًا ناهز 19.04 مليار دينار، أي نحو 6.5 مليارات دولار مقابل 15.59 مليار دينار خلال سنة 2017، ما يعادل 5.2 مليارات دولار، و12.60 مليار دينار خلال سنة 2016، وفق ما كشفته بيانات نشرها المعهد الوطني للإحصاء في 10 يناير/ كانون الثاني 2019.

وارتفعت قيمة العجز التجاري لتونس بنسبة 19.1 في المائة، مقابل 18.1% سنة 2017، ليبلغ زهاء 40.98 مليار دينار مقابل 34.42 مليار دينار سنة 2017. وتأتي هذه الأرقام رغم تحسن نسق الصادرات نحو الخارج خلال سنة 2018.

فيما تراجعت، في المقابل، واردات تونس بنسبة 20 في المائة سنة 2018 مقابل 19.8% خلال سنة 2017، لتبلغ قيمتها الإجمالية حوالي 60 مليار دينار، مقابل نحو 50 مليار دينار خلال سنة 2017.

وسجلت تونس عجزًا في ميزانها التجاري خلال عام 2018 مع الصين بنحو 5.4 مليارات دينار وإيطاليا بـ2.8 مليار دينار ثم تركيا بـ2.3 مليار دينار. في المقابل، حققت تونس فائضًا مع فرنسا بنحو 3.4 مليارات دينار وليبيا بـ1.17 مليار دينار ثم المغرب بـ324 مليون دينار.

ومن جانبه، أفاد الخبير الاقتصادي، عز الدين سعيدان، بأن الصمت عن المؤشرات الاقتصادية الخطيرة التي أصبح عليها الوضع في تونس "جريمة" في حق الأجيال القادمة، معتبراً أن نسب التداين والعجز التجاري بلغا درجة من الخطورة تحتاج إلى استنفار حكومة من أجل إعادة ترشيدهما.

وقال سعيدان لـ"العربي الجديد" إن تونس تمر بصعوبات اقتصادية ومالية، بما يجعل التوريد على هذا النحو عاملاً مضاعفاً لتفاقم الأزمة الراهنة، مشيراً إلى أن مقترحات كثيرة قدمها خبراء اقتصاد من أجل كبح نسق الواردات العشوائية والحد من عجز الميزان التجاري، لكن الحكومة لم تأخذها بعين الاعتبار.

وأكد على ضرورة بلورة مقاربة شاملة، من منطلق تشخيص موضوعي للوضع الاقتصادي والمالي في تونس، إزاء استفحال الأزمات التي تواجه البلاد. ويعد عجز الميزان التجاري التونسي أحد الأسباب الرئيسة لهبوط العملة المحلية لتونس، بالإضافة إلى تباطؤ نمو الاستثمارات الأجنبية، وصعود نسب التضخم لمستويات مرتفعة تجاوزت 7.4% عام 2018.

وفي ظل الأزمات الاقتصادية والمالية المتلاحقة والاحتجاجات المعيشية المتتالية، تعيش تونس منذ ثورة الياسمين عام 2011 تراجعاً في نسب النمو اقترب من الصفر، قبل أن يصعد بمتوسط 2.1% خلال العامين الماضيين، لكنه يبقى أقل من نسب النمو المسجلة قبل الثورة البالغة 5%، حسب البيانات الرسمية.
المساهمون