احتدام دولي وهدوء إقليمي

07 سبتمبر 2017
الصين تحاول شراء النفط باليوان بدلاً من الدولار(Getty)
+ الخط -
آلاف الأسئلة تناولتها الأحاديث بين الناس خلال الأيام القليلة الماضية. ورغم كثرة المعلومات وتوفرها، وسهولة الوصول إليها، فإن الشك وعدم اليقين وغياب الرؤية الواضحة ظواهر تسيطر على الناس عموماً في وطننا العربي الكبير. 
ومع كثرة المعلومات، هنالك كثير منها خاطئ وغير دقيق، يطلقها الناس تحت تأثير الانطباعات، أو نتيجة عدم فهم الخبر على حقيقته، أو بسوء نية للتشويش.
وعلى المستوى الاقتصادي، تناقلت وسائل الإعلام الإلكترونية رسائل صوتية من خبير يقول إن الصين قرّرت شراء حاجاتها من النفط مقيماً باليوان الصيني، وليس بالدولار الأميركي كما هي عادة الأسواق، وإن الصين مستعدة أن تستبدل اليوان لمن يبيعها النفط بالذهب إذا شاء البائع ذلك.
وصيغة الخبر كما فهمتها تعني أمرين متداخلين. الأول أن الصين تريد أن تجعل اليوان مقياس سعر النفط، وليس الدولار. ولكن استعداد بكين أن تستبدل اليوان بالذهب يعني أنها تريد اليوان أن يقوم بوظيفة أخرى، هي أن تجعله وسيلةً للتبادل في أسواق النفط جنباً إلى جنب مع الدولار، أي أنها تريد أن تدفع ثمن النفط الذي تشتريه باليوان، وليس بالدولار. وحتى تعطي طمأنينةً أكبر لبائعي النفط، فهي تعدهم بأنها جاهزة لاستبدال اليوان بالذهب وليس بالدولار.
من الأخبار والمعلومات المتناقلة لدينا، أن موجودات الصين من الدولار لا تقل عن أربعة تريليون دولار، وهذا رقم كبير بكل المقاييس. ولذلك، إن أي إجراء تقوم به الصين لتعزيز موقف عملتها في أسواق النقد العالمية يجب أن يأخذ بالاعتبار تأثير هذا الإجراء على قيمة الدولار، ومن ثم تأثيره السلبي على قيمة موجودات الصين من الدولارات.
وفي المقابل، يمنح الإجراء الذي يقال إن الصين اتخذته، اليوان في أسواق النفط ليقوم بوظيفتين، يقوم بهما الدولار حالياً، وهو مقياس للقيمة أو وحدة أسعار، وثانيهما أنه وسيلة تبادل، بمعنى أن اليوان صار عملة تسوية مدفوعات بدل الدولار لمشتريات النفط الصينية.
وبالطبع، كانت الصين تدفع سابقاً ثمن نفطها الذي تشتريه باليوان، ولكن عبر خطوتين وليس خطوة واحدة. أي أن مشترى النفط الصيني يفتح اعتماداً مستندياً في مصرفه بالصين باليوان. وبعد ذلك، يشتري البنك دولارات بقيمة الاعتماد المستندي، ويسدّد ثمن النفط بالدولار.
أما الآن، فإن الاعتماد المستندي يسدّد باليوان، ويدفع البنك الصيني فاتورة النفط باليوان إلى بائع النفط بدل الدولار مباشرة. وحتى يقبل بائع النفط بأن يحتفظ باليوان، ولا يطرحه للبيع لشراء دولارات هو الضمانة التي تقدمها له الصين بأنها جاهزة لإعادة شراء ثمن النفط باليوان مقابل الذهب الذي تشهد أسعاره ارتفاعاً هذه الأيام.
لا شك أن التنافس الأميركي الصيني قد بدأ يشتد ويظهر للعلن، وأن العالم بدأ يلحظ تغيراً واضحاً في صورة العلاقات الدولية والإقليمية، فقد تناقلت الأخبار أنباء اختبار كوريا الشمالية قنبلة هيدروجينية (يصر الإعلام الغربي على تسميتها قنبلة نووية) أحدثت زلزالاً يساوي أكثر من ست درجات على مقياس ريختر. وبالطبع، تنادى الغرب إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن، وفرض مزيد من العقوبات على كوريا الشمالية.
وأجرت البحرية الكورية الجنوبية مناوراتٍ بالقرب من جارتها وشقها الآخر كوريا الشمالية. واللافت أن الصين لم تتأخر في إدانة هذا العمل الكوري الشمالي وشجبه بلغة شديدة اللهجة.
لكن الصين كالعادة دعت الأطراف إلى ضبط النفس والهدوء. فهل تقوم كوريا الشمالية بهذا الإجراء المتحدي من دون علم الصين أو موافقتها؟ هذا هو السؤال الذي يثار من دون وجود دليل واضح على الإجابة بالنفي أو الإيجاب.
وكذلك رأينا مجموعة دول "البريكس"، وهي الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، تعقد اجتماعاً، دليلاً على أنها تحافظ على الحد الأدنى من تضامنها، ومن الاتفاق على أن هيمنة الدولار على أسواق النقد العالمية يجب أن توزع على عملات أخرى في العالم، خصوصا اليوان الصيني. فهل سيكون تدهور العلاقات السياسية والاقتصادية بين الولايات المتحدة وروسيا أمراً مؤقتاً يعكس حقيقة التفاوض بين البلدين على النفوذ؟ ام أن الصين وروسيا قد اتفقتا على التحالف معاً ضد الولايات المتحدة؟
وسمعنا أخباراً عن إمكانية عودة العلاقات بين إيران والسعودية، حيث رأينا الأخيرة تفتح أبوابها للحجاج الوافدين من إيران، وتوفر لهم الحرية في إقامة شعائرهم في البقيع، حيث يدفن كثيرون من آل البيت، أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك علمنا أن وفدين، سعودياً إلى طهران وإيرانياً إلى الرياض، قد سافرا لتفقد مباني سفارتي البلدين، وتجهيزهما لعودة العلاقات الدبلوماسية والسفراء.
كذلك رأينا على المستوى الإقليمي، عودة سفير قطر إلى إيران وعودة السفير القطري قريباً إلى موريتانيا. فهل هذا يعني أن انفراجاً في علاقات الخليج قد بدأ يحصل، خصوصا في ظل ما نسمعه عن تدهور العلاقات داخل اليمن بين الحوثيين والرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح؟
تثير حصيلة كل هذه الأخبار وتوابعها وتفسيراتها والاستنتاجات الحاصة عنها السؤال الكبير: ما الذي يجري؟ هل التهدئة التي تشهدها منطقتنا العربية داخل سورية والعراق، وتحسن العلاقات مع إيران، وزيادة حركة الدبلوماسية التركية، وإجراء إسرائيل مناورات ضخمة عسكرية على الحدود السورية تعطي مؤشرات أن إسرائيل بدأت تفقد شيئاً من نفوذها؟ وفي المقابل، يعطي تفاهم إيران والسعودية داخل "أوبك"، ومع روسيا، مؤشراتٍ في ظل تراجع الدولار على إمكانية وصول سعر برميل النفط إلى حدود ستين دولاراً؟
الصور متداخلة وفتح معبر الكرامة (طريبيل) بين الأردن والعراق يعطي مؤشراً إيجابياً على أن الأسوأ ربما بدأ بالانقشاع، وأن حالة الانقسام بدأت تأخذ منحىً معاكساً؟ أم أن الصراعات الدولية بين العمالقة سوف تعيد حالة التمحور في الإقليم؟ أسئلة بحاجة للتفكير والتأمل.
المساهمون