الغاز الصخري الجزائري... ملاذ مرفوض شعبياً لمواجهة انهيار النفط

21 مارس 2020
منشآت لإنتاج الغاز جنوب الجزائر (Getty)
+ الخط -
انهارت أسعار النفط العالمية، وعاد الحديث في الجزائر عن الغاز الصخري المرفوض شعبياً. الرئيس عبد المجيد تبون، كشف عن نية البلاد التوجه نحو استغلال الثروة الغازية بكل أنواعها، والطاقات المتجددة إلى أبعد حد ممكن، كبديل لتجاوز تراجع إيرادات النفط. وبالتزامن، تواجه الجزائر تراجع احتياطي النقد الأجنبي، ما دفع بالحكومة إلى تبنّي التقشف وتجميد عدد من المشاريع الكبرى.

وكان الرئيس الجزائري قد أكد، في تصريحات صحافية متعددة، إعطاءه توصيات بمواصلة التنقيب عن الموارد من الغاز الطبيعي والصخري، مطالباً بضرورة جعل برنامج الطاقات المتجددة أولوية وطنية بالنسبة إلى مستقبل الاقتصاد الوطني من أجل ضمان استقلال الطاقة للجزائر والتحرّر من سياسة الاعتماد على النفط.

احتياطيات ضخمة

تمتلك الجزائر احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي، إذ تُشير البيانات الرسمية إلى بلوغ الاحتياطيات المؤكدة 4.7 تريليونات متر مكعب من الغاز، بما يعادل 3% من إجمالي الاحتياطي العالمي للغاز.

إلا أن ارتفاع الاستهلاك الداخلي للغاز الطبيعي جعل الخبراء يدقون ناقوس الخطر من رهن مستقبل البلاد إلى طاقة موجهة للاستهلاك الداخلي أكثر منها للتصدير.

وفي السياق، قال المستشار السابق لشركة "سوناطراك" النفطية الجزائرية، مراد برور، لـ"العربي الجديد"، إن "استهلاك الغاز الطبيعي على المستوى الداخلي مرتفع جداً، وبلغ 45% مما تنتجه سوناطراك من غاز طبيعي، وهذا الإفراط في الاستهلاك غير مبرر مقارنة بالنمو الاقتصادي المحلي، ولا مقارنة بالثروة التي يخلقها الاقتصاد الجزائري".

وحذّر برور، وهو مدير مكتب الخبرة الجزائري الفرنسي "إيميرجي" المتخصص في الطاقة، من الإفراط في الاستهلاك المتزايد للغاز الطبيعي، "فالجزائر تحوز فعلاً على احتياطيات كبيرة من هذه الثروة الباطنية، لكن إذا استمرّ الاستهلاك كما هو عليه الآن فإن هذه الاحتياطيات ستنضب قبل الآجال المتوقعة".

ويمكن، بحسب برور، أن يسدّ الغاز الطبيعي الثغرة التي خلفها تراجع أسعار النفط على إيرادات البلاد، من خلال اتباع استراتيجية مبنية على التنقيب في حقول أخرى، مع الاتجاه نحو أسواق أخرى إضافة إلى السوق الأوروبية، مع ترشيد الاستهلاك الداخلي للغاز الطبيعي وتعويضه بالطاقات المتجددة.

إذ إن الإشكال الذي يواجه الجزائر اليوم هو ارتفاع الطلب الداخلي على الغاز، ما أثر سلباً على صادرات البلاد، خاصة نحو دول الجنوب الأوروبي، التي تراجعت بـ 25% سنة 2019 مقارنة بسنة 2018، التي صدرت فيها الجزائر 51 مليار متر مكعب، بحسب أرقام سوناطراك.

واعتبر الخبير النفطي والمدير الأسبق لشركة "سوناطراك" النفطية عبد المجيد عطار أنّ الصناعة الغازية في الجزائر قطعت علاقتها مع أساسيات السوق تماماً مثل العرض والطلب.

وقال عطار لـ "العربي الجديد" إنه "من الآن فصاعداً فإن التكنولوجيا هي من يحدّد ربح المستثمرين، والجزائر تمتلك مؤهلات بشرية، لكن التكنولوجيا لا تسمح لها بالمحافظة على حصصها في السوق، لا سيما في المنطقة المتوسطية، ولهذا على الجزائر أن تستثمر أكثر في إنتاج ونقل الغاز الطبيعي المسال كونه طاقة المستقبل".

الغاز الصخري

هكذا، لم تعد السلطات الجزائرية تُخفي نيتها في التوجه نحو استغلال الغاز الصخري، إذ جعله الرئيس عبد المجيد تبون في مقدمة تعهداته الانتخابية، كبديل عن الطاقة العادية.

وكانت الجزائر قد شهدت سنة 2015 احتجاجات شعبية في الجنوب الجزائري، بعد إعلان الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة بداية عمليات الاستكشاف. وتأتي مخاوف سكان الجنوب من الأخطار التي قد تلحق بالبيئة الصحراوية في حال بدأت عملية تكسير الطبقات الأرضية بقوة المياه، ما يسبب تلوث المياه الجوفية.

وقد حال ارتفاع تكاليف استغلال الغاز الصخري وافتقار الجزائر إلى تقنيات استخراجه دون التوجه إلى استغلال هذه الطاقة المتوفرة بكميات ضخمة في البلاد، على الرغم من الإعلان المتكرر للحكومة عن سعيها إلى التنقيب عن الغاز الصخري، ما أدخلها في صدامات مع المعارضة ومع سكان الجنوب الجزائري الرافضين لاستخراجه.

وتتوفر الجزائر على 4940 تريليون قدم مكعب من احتياطيات الغاز الصخري، ما يجعلها الثالثة عالمياً، منها 740 تريليون قدم مكعب قابلة للاستخراج، بحسب تقديرات أنجزتها "سوناطراك" على خمسة أحواض في الجنوب الجزائري.

ويرجح أستاذ البيئة في جامعة ورقلة وعضو اللجنة الشعبية لمناهضة الغاز الصخري سقني لعجال أن تكون عوائد استخراج الغاز الصخري غير مضمونة للجزائر.

وقال لعجال لـ"العربي الجديد": "مشروع الغاز الصخري كارثة على الجزائر، ليس لمخاطره البيئية والصحية الناجمة عن تقنيات التنقيب فقط، وإنما أيضاً للخسائر التي ستتكبّدها الجزائر في سعيها لاستغلاله لأنها ستستورد كل شيء متعلق باستخراج الغاز الصخري. كنا ننتظر من الرئيس تبون إعلان خطط إبداعية للإقلاع الاقتصادي، والتوجه نحو اقتصاد المعرفة والابتكار، فإذا به يتوجّه رأساً نحو استغلال ثروات باطنية فيها كثير من الأضرار".

أولوية الطاقات المتجددة

تسعى الحكومة الجزائرية إلى خفض استهلاك الغاز والنفط بحدود 42 مليار دولار في غضون 2030، مع خفض استهلاكهما بنحو 9%. ولتحقيق ذلك أعادت الحكومة إطلاق البرنامج الوطني لتطوير الطاقات المتجددة المجمّد منذ 2015، والهادف إلى إنتاج كهرباء من الطاقة الشمسية والرياح، بمعدل سنوي قدره 22 ألف ميغاوات في غضون عام 2030، منها 10 آلاف ميغاوات موجهة للتصدير. ويمثل ذلك ما يقارب 27% من حجم الإنتاج الإجمالي للكهرباء المتوقع في 2030.

وبموجب البرنامج، خلال العقد ونصف العقد المقبل، يستفيد 100 ألف مسكن سنوياً من ألواح شمسية وكذلك تحويل مليون سيارة و20 ألف حافلة إلى استهلاك الغاز الطبيعي المسال عوض الوقود.

وفي هذا السياق، أوصى مدير مركز تطوير الطاقات المتجددة في الجزائر نور الدين يسع، بدمج المستثمرين في القطاع الخاص المحلي والأجنبي للمساهمة في تجسيد أهداف البرنامج، داعياً الحكومة الجزائرية إلى تشجيع هذا الدمج من خلال إجراءات تحفيزية.

وأضاف المتحدث نفسه لـ"العربي الجديد" أن "الجزائر تتحدّث منذ سنوات عن الطاقات المتجددة، ولكن للأسف انحصر التصوّر فقط في الإنارة العمومية المستمدة من الطاقة الشمسية، يجب وضع تصور شامل حول الطاقات المتجددة، خاصة أن الجزائر تحوز على أكبر صحراء في المنطقة، وسلاسل جبلية يمكن أن تكون بديلاً عن الطاقة التقليدية".
المساهمون