في عام 1997، كانت آبل على حبل المشنقة. وقال ستيف جوبز مؤسس الشركة حينها، إنه تخلى عن ثلث القوى العاملة فيها، بعد 90 يوماً من السير نحو الانهيار التام.
يوم الخميس الماضي، أصبحت آبل أول شركة أميركية مدرجة بالبورصة تكون قيمتها أكثر من تريليون دولار، عندما ارتفعت أسهمها 3 في المئة ليغلق عند 207.39 دولارات. وجاءت المكاسب بعد يومين من إعلان الشركة عن سلسلة من الأرباح في بياناتها المالية.
هكذا، صعدت آبل من حافة الإفلاس إلى الشركة العامة الأكثر قيمة في العالم، لتكون مثال التحول في قطاع الأعمال، عبر تحويلها إلى شركة تتميز بالابتكار السريع، وسلسلة من المنتجات المهمة، مع إنشاء سلسلة توريد متطورة تغطي العالم، في حين تنتج كميات هائلة من الأجهزة المتطورة.
وقد تميز هذا الصعود أيضاً بالجدل والمآسي والتحديات. على سبيل المثل، أدى استخدام آبل القوي للتصنيع في الصين إلى انتقادات مفادها أنها تستفيد من العمال ذوي الأجور المتدنية في بلدان أخرى وتحرم الأميركيين من الوظائف. كما تواجه الشركة العديد من الأسئلة حول إمكانية استمرارها في النمو.
وجوبز، الذي أثار إعجاب الكثيرين بسبب التحول المبهر الذي أحدثه في الشركة، والذي كان يتمتع بأسلوب حاد في الإدارة، اعتبر أشهر شخصية في صناعة التكنولوجيا عندما توفي في عام 2011 بعد معركة مع سرطان البنكرياس. كان عمره 56 عاماً.
يعلّق آفي تيفانيان، رئيس البرامج السابق لشركة آبل، الذي انضم إلى شركة آبل في عام 1997: "هل يمكن لأي شخص أن يتخيل ما سيحدث في آبل خلال ذلك الوقت؟"، ويضيف لـ "نيويورك تايمز": "كنا نأمل في جعل الشركة ناجحة للغاية وقيمة للغاية. لكن هل من اعتقد أنها ستصل إلى ما هي عليه اليوم؟ بالطبع لا. ولم يفكر ستيف في ذلك أيضاً".
تأسست شركة آبل في عام 1976 على يد جوبز في مرأب منزل في وادي التكنولوجيا في كاليفورنيا مع ستيف وُزنياك. وكانت مهمتها صناعة أجهزة الكمبيوتر على أن تكون رخيصة وصغيرة وبسيطة بحيث يمكن أن تصبح منتجًا في السوق. بحلول الثمانينيات، كانت الشركة واحدة من أشهر العلامات التجارية في العالم.
لكن في عام 1985، تمت الإطاحة بجوبز في انقلاب بمجلس الإدارة. في السنوات التالية، كانت الشركة تحاول المناورة في سوق الكمبيوتر الشخصي الذي ساعدت على ابتكاره.
"آبل تعثرت بسبب نقص الأفكار الجديدة، والمنتجات الفاشلة واضطراب القيادة، قد ضلت طريقها"، ويضيف فريد أندرسون، المدير المالي السابق لشركة آبل، أنه بعد فترة وجيزة من انضمامه في عام 1996، بدأ عرض السندات بقيمة 661 مليون دولار لإبقاء الشركة على قدم وساق. وقال: "لم أكن أعرف مدى سوء الأزمة حتى بدأت تتكشف".
بحلول نهاية ذلك العام، خسرت آبل 867 مليون دولار وكانت القيمة الإجمالية لأسهمها أقل من 3 مليارات دولار.
قررت الشركة المنهارة أن تقامر. اشترت شركة Next، وهي شركة تكنولوجيا يديرها جوبز، مقابل 400 مليون دولار. وعاد الأخير، الذي لا يزال مرادفا للعلامة التجارية آبل، إلى الشركة التي أسسها.
ويتذكر جوبز في أحد تصريحاته اللاحقة: "لقد كان الوضع أسوأ بكثير مما كنت أعتقد". بذا، خفض 70 في المئة من الخطط الإنتاجية، وأطلق الحملة الإعلانية "Think Different" وبدأ بالتتفكير في كيفية انتشال آبل من مأزقها الكبير.
"نحن نحاول العودة إلى الأساسيات"، قال جوبز المتعب في اجتماع داخلي عام 1997 مع الموظفين. وتابع في شريط فيديو للاجتماع نشر على الانترنت في وقت لاحق، وهو مرتدٍ السروال الرياضي والصندل: "السؤال الآن ليس: هل سنتخلى عن شركة آبل؟ أعتقد أنه يجب أن يكون: هل يمكننا جعل آبل رائعة حقاً مرة أخرى؟".
بعد الاجتماع، أصبح التركيز على البساطة سمة مميزة لشركة آبل، من ملابس جوبز (الجينز والجاكيت الأسود)، وصولاً إلى طريقة تصنيع المنتجات، وعرضها في محلات البيع بالتجزئة.
في عام 1998، طرحت شركة آبل جهاز iMac G3، وهو كمبيوتر مكتبي مستدير وشامل تكنولوجياً. تحول هذا المنتج إلى ضربة قوية لمصلحة آبل.
تم تأكيد تنشيط الشركة من خلال جهاز iPod، مشغل الموسيقى المحمول الذي غيّر على الفور تقريبًا علاقة المستهلكين بالموسيقى. وعندما ظهر الجهاز لأول مرة في عام 2001 بيع منه أكثر من 400 مليون وحدة، وتم التأكيد أن شركة آبل لم تكن مجرد شركة كمبيوتر. تم إقران الجهاز مع iTunes، متجر الموسيقى للشركة، والذي من شأنه المساعدة في تحسين صناعة التسجيل.
يقول كين كوسيندا، وهو مهندس برمجيات آبل منذ فترة طويلة، والذي سيصدر قريباً كتاباً عن آبل بعنوان "الاختيار الإبداعي": "كان جهاز آي بود خطوة مهمة حقاً"، لكن "آي فون" كان في الحقيقة الجواب النهائي عن السؤال التالي: "ماذا سيأتي بعد أجهزة الكمبيوتر الشخصية؟".
لقد حول جهاز iPhone طريقة تفاعل المجتمع مع التكنولوجيا، وسرعان ما أصبح واحدًا من أفضل المنتجات مبيعاً على الإطلاق: لقد تم بيع أكثر من 1.4 مليار قطعة منه منذ طرحه في عام 2007. لم يكن أي منتج أو قرار سيرفع قيمة آبل إلى تريليون دولار كآي فون. بعدما أعلن جوبز عن جهاز iPhone، بلغت قيمة الشركة 73.4 مليار دولار.
ويقول الموظفون والمحللون إنه في حين أن جوبز يستحق التقدير للإشراف على إعادة النظر في رؤية الشركة وابتكاراتها، فإن خليفته، تيموثي دي كوك، لعب أيضاً دوراً حاسماً في هذا التحول عن طريق إصلاح طريقة بناء آبل لمنتجاتها.
كوك، بصفته المسؤول التنفيذي الأول في شركة جوبز، أعاد تجديد خط توزيع آبل واعتمد بشدة على عقود التصنيع في الصين، الأمر الذي منحه المرونة والتوفير في التكاليف لبناء المزيد من الاستثمارات الضخمة.
كما أشرف كوك أيضًا على الإنتاج خلال فترة الارتفاع في قيمة آبل. (بلغت القيمة الإجمالية لأسهم الشركة 346 مليار دولار عندما تولى رئاسة الشركة في أغسطس/آب 2011). كان كوك ثابت الأهداف، وساهم في تحويل iPhone إلى مشروع ضخم، من تصنيع الهواتف إلى الاكسسوارات ووصولاً للخدمات الخارجية.
الآن، مع وصول قيمة آبل إلى مرحلة تريليون دولار، وبعدما أصبح عمر iPhone حوالي 11 عامًا، من المرجح أن تزداد الضغوط على الشركة لتطوير منتج جديد ناجح.
إذ هناك أجهزة شعبية أخرى صنعتها آبل، مثل iPad وApple Watch والإصدارات المحدثة لأجهزة الكمبيوتر الشخصية، ولكن لم يقترب أي منها مما فعله جهاز iPhone من تحولات في تاريخ الشركة.
كما تم ربط الشركة بسيارات ذاتية القيادة ونظارات الواقع المعزز، ولكن آبل ستواجه عقبات تقنية وحتى اجتماعية مع أي منتج جديد.
هناك تحديات أخرى. تعتمد آبل على الصين لبيع كميات كبيرة من منتجاتها، بالإضافة إلى تصنيعها. يمكن لذلك أن يتأثر سلباً في وسط اختمار الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة.
يقول تيم باغارين لـ "نيويورك تايمز"، وهو محلل واستشاري في مجال التكنولوجيا تابع للشركة منذ ما يقرب من 40 عامًا: "لقد شكلت آبل أحد أعظم التحولات التي شهدتها الشركات في تاريخ الأعمال". "السؤال المطروح هو: هل يمكن لشركة آبل الاستمرار في الابتكار؟".