خبراء يحللون آليات المواجهة: قطر تجاوزت الحصار

20 يوليو 2017
تطوير المشاريع التنموية والاستثمارية (Getty)
+ الخط -





نجحت قطر بتجاوز الحصار الاقتصادي، الذي فرضته كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وطاول المنافذ البرية والبحرية والجوية، وتحولت الحالة من "قطر تحت الحصار"، إلى "قطر تحاصر الحصار".

وسعت دول الحصار منذ اليوم الأول، أي في الخامس من حزيران/ يونيو الماضي، إلى خنق سكان الدوحة غذائياً، فتدخلت الحكومة وعالجت أي نقص محتمل بالمواد الغذائية عبر استيرادها بالشحن الجوي، وعوضت السلع الغذائية التركية ما منعته دول الحصار، ولا سيما اللبن والحليب والخضروات، وشكلت معالجة الصدمة الأولى بتوفير الغذاء والمواد الأساسية الضربة القاضية لما كانت تراهن عليه دول الحصار، وفقا لخبراء اقتصاديين.

وأكد خبراء لـ"العربي الجديد"، أن الآثار المباشرة للحصار الاقتصادي تلاشت، ونجحت قطر بالصمود والمواجهة، لامتلاكها بدائل كثيرة مكنتها من الصمود، خصوصاً أن حجم وقوة الاقتصاد القطري تبلغ أكثر من 170 مليار دولار، بحسب بيانات صندوق النقد الدولي. وكذا، كان لتنويع الأسواق، وعدم الارتباك وتأمين استراتيجيات بديلة وسريعة، إضافة إلى التعاضد الشعبي والتزام عدد من الدول الخليجية والعربية والأجنبية بالوقوف إلى جانب قطر، دوراً في كسر الحصار سريعاً وتبديد تداعياته، إضافة إلى حصر الأضرار من دون أن تنعكس على حياة المواطنين والمقيمين اليومية، وفق تأكيدات الخبراء.

آليات المواجهة المعتمدة
آليات الصمود الاقتصادي التي اعتمدتها قطر في مواجهة الحصار متعددة وتطاول غير جهة وقطاع، ورأى الخبير المصرفي قاسم محمد قاسم، أن الآليات تشمل بُعد النظر عند التخطيط للمستقبل منذ أزمة 2014، وامتلاك الاحتياطيات النقدية الضخمة، مضافاً إليها صندوق سيادي بارز بمجموع يزيد عن كل الالتزامات المُحتملة، وكذا النجاح بمواصلة صادرات النفط والغاز وعدم تأثرها بالحصار.
وأشار قاسم في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى القدرات المتزايدة في مجال الشحن الجوي للطيران القطري، وسلامة علاقات الصداقة مع الدول الشقيقة (عمان والكويت) وعلاقات الدول الصديقة، وصمود المواطنين والمقيمين أمام أعباء الحصار.

وحققت قطر فائضاً تجارياً بلغ 2.7 مليار دولار في شهر إبريل/ نيسان الماضي، بالإضافة إلى توافر موانئ ضخمة لديها، مثل ميناء حمد الدولي، القادر على استيعاب أضخم الحاويات، وهذه الموانئ يمكن أن تكون بديلاً عن الحدود البرية السعودية.

وكذا، تواصل النشاط في مشروعات البنية التحتية، خاصة مشروعات كأس العالم 2022، كما استكملت الخطوط القطرية توسعاتها عبر توجيه أسطولها الجوي لوجهات جديدة، كذا صمدت البورصة القطرية وعاد المستثمرون إليها بعد غياب لم يدم سوى الأيام الأولى للأزمة.
أما من ناحية مؤشرات التضخم، صبّت الحكومة جهودها لتحقيق الاستقرار بالأسواق وضبط الأسعار، وقامت الجهات المختصة باتخاذ العديد من الإجراءات التي تستهدف تطويق التضخم من أجل توفير مختلف السلع والخدمات بأسعار جيدة، وكشفت تقارير رسمية عن استقرار أسعار الخدمات ومعظم السلع. 

وأظهرت بيانات حكومية أن التضخم في قطر شهد ارتفاعاً طفيفاً في يونيو/ حزيران الماضي رغم الحصار، ما يؤكد أن الدوحة نجحت في امتصاص الأضرار ورسّخت استقرار الأسواق، حسب خبراء اقتصاد تحدثوا لـ"العربي الجديد". وزاد التضخم السنوي لأسعار المستهلكين إلى 0.8% في الشهر الماضي من 0.1% في مايو/ أيار الماضي، وظل أدنى بكثير من معدل التضخم في يونيو 2016 البالغ 2.5%.

وأيضاً، أكدت بيانات النشرة العقارية التحليلية الصادرة عن وزارة العدل، لشهر يونيو 2017، مواصلة هذه المؤشرات لأدائها القوي، بسبب متانة الاقتصاد القطري، المدعوم ببيئة تشريعية جاذبة للاستثمار، مع التوسع الجاري في مشاريع التطوير العقاري، ومشاريع البنية التحتية لكأس العالم 2022.
وشهدت حركة التداولات العقارية، خلال شهر يونيو، ارتفاعاً بمؤشر التداول قاربت 4 مليارات ريال (نحو 1.1 مليار دولار)، مسجلة نسبة ارتفاع وصلت إلى 18% مقارنة مع شهر مايو.

سياسة نقدية ناجحة
أما في ما يتعلق بالسياسة المالية والنقدية، فقد قال محافظ مصرف قطر المركزي، الشيخ عبد الله بن سعود آل ثاني، إن الاحتياطيات من النقد الأجنبي بلغت 40 مليار دولار، بالإضافة إلى 300 مليار دولار قيمة استثمارات جهاز قطر للاستثمار، مؤكدا في مقابلة تلفزيونية مع شبكة "سي إن بي سي" الأميركية، أن القوة المالية لبلاده تساعدها على مواجهة أي صدمة ناجمة عن الحصار. وأشار إلى أن هناك المزيد من الأموال التي تتدفق إلى داخل الدولة، مؤكداً أن التدفقات الداخلة تتجاوز التدفقات الخارجة من دولة قطر.

ومن جانبه، قال المحلل المالي أحمد عقل، لـ"العربي الجديد"، إن الآلية الاقتصادية التي اتبعتها قطر وكسرت من خلالها الحصار، ذات جزأين، الأول يتعلق بالسياسة النقدية والمالية، والثاني تأمين السلع الغذائية والضرورية والمحافظة على استقرار أسعارها.

وفي ما يتعلق بالجزء الأول، لفت عقل إلى أن قطر تعتمد مثل دول الخليج على تثبيت العملة مقابل الدولار، وقد تنبهت الدولة منذ أن وضعت رؤية قطر 2030، وأسست جهازاً للاستثمارعام 2005، وعززت من أهمية الاستثمار الناجح خارج منظومة النفط والطاقة، بما يضمن عائدات مستمرة من النقد الأجنبي. وبالتوازي عملت الحكومة على التوسع في إنتاج الغاز، الذي يعتبر مصدراً مهماً للنقد الأجنبي أيضاً، ويعطي مؤشراً مطمئناً للمستثمرين.
وشدّد عقل على أن ارتفاع الاحتياطي النقدي من 34 مليار دولار إلى 40 مليار دولار، يعكس زيادة معدلات النمو في مختلف المجالات وقدرة السياسات النقدية على مواجهة الحصار لفترات كبيرة.

وأشار عقل إلى عامل آخر، وهو استناد قطر إلى شركاء استراتيجيين، مثل تركيا، إضافة إلى تقديم التسهيلات اللازمة للاستيراد والتصدير، وافتتاح خطوط شحن بحري جديدة بين كل من ميناء حمد وميناء صحار في سلطنة عمان، وميناء حمد وميناء أزمير وغيره في تركيا، إلى جانب تشجيع الصناعة المحلية وجذب صناعيين ورجال أعمال، ومنح الأرض وتسليمها للمستثمر لإقامة منشأته الصناعية في غضون 72 ساعة فقط.

صادرات النفط والغاز
وحول مدى تأثر صادرات النفط، قال وزير الطاقة القطري، محمد السادة، إن صادرات بلاده من الغاز الطبيعي المسال إلى اليابان والهند وكوريا الجنوبية والصين لم تتأثر بالإجراءات التي تتخذها دول الحصار. وأوضح أن صادرات قطر إلى الدول الآسيوية الأربع تشكل نحو ثلاثة أرباع إجمالي صادرات البلاد.

ولفت بيان صحافي نقلاً عن تصريحات الوزير السادة، إلى أن الصادرات إلى الإمارات والسعودية والبحرين تشكل أقل من 8% من إجمالي الصادرات القطرية. وأضاف أن قطر تظل "ملتزمة بكل الاتفاقات مع شركائها وعازمة على المحافظة على وضعها رغم الحصار غير القانوني والظالم المفروض عليها".

وأعلنت شركة قطر للبترول أخيراً، رفع إنتاجها من الغاز الطبيعي المسيّل من 77 مليون طن سنويّاً إلى 100 مليون طن حتى عام 2024. في حين أكد بنك قطر الوطني أن الدوحة ستحافظ على هيمنتها على السوق العالمية للغاز الطبيعي.

دلالات
المساهمون